لفلي سمايل

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

تاريخ الإضافة : 9-3-1434 هـ

الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثاني : عهد المرابطين

 

ثالثاً: إنهاء دويلات الطوائف

 

* بدأ ألفونسو يعد العدة، ويجهز الجيش للانقضاض على دويلات المسلمين المتفرقة، فهل اتعظ حكامها؟ وهل أخذوا درساً من الحوادث الماضية؟ الجواب: كلا! بل كانت المناصب والدنيا أحب إليهم.

 

* صراع بين دويلات الأندلس:

- احتدت الخلافات بين حكام تلك الدول، ونشب القتال بينهم، ودامت النزاعات تتابع بعضها بعضاً وكأنه لا يوجد من يقول لهم:

 

إلامّ الخُلـفُ بينكـمُ إلا مـا            وهذي الضجة الكبـرى عَلاما

وفيمَ يكيـدُ بعضكم لبعـضٍ           وتُبــدون العــداوة والخُصامـا

 

- لكنها  شهوةُ الحكم، وحب السلطة، وشغفُ الكرسي! ألفونسو شاهد يتفرج وعدوّ يتربص!

 

* الشعب المسلم يضج:

- ضجّ الشعب المسلم في الأندلس من حكامهم، وتيقظت أحاسيس الشعور بالخطر منهم ومن أعدائهم، فأرسلوا الكتب إلى أمير المسلمين، وهو لقب أطلق على ابن تاشفين من قبل ملوك الأندلس الذين شهدوا معركة الزلاقة، وكانوا ثلاثة عشر ملكاً! سلموا عليه "بأمير المسلمين"، وقد أكّد هذا اللقب من بعد الخليفة العباسي"المقتدي بأمر الله"،وقد اتفقت الروايات على أن ابن تاشفين كان يعترف بطاعته للخليفة العباسي، ويراه هو أمير المؤمنين، وكان يدعو له على المنابر.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

حدائق بارتال - طبيعة تميز الأندلس

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

قرطبة ، الواجهة الجنوبية للمسجد الكبير وآثار الجسر الروماني والطاحونة المائية

 

* علماء الشرق يفتون بعزل أمراء الأندلس:

- كما وصل خبر سوء الأوضاع الأندلسية إلى المشرق الإسلامي، فاجتمع عالمان جليلان من أعظم علماء المسلمين: أبو حامد الغزالي، وأبو بكر الطرطوشي ،مع أجلّة من علماء المسلمين.

- هؤلاء هم العلماء العاملون، يعلمون ما يجري حولهم، يدركون حقيقة الأوضاع وليسوا بغافلين عن الأعداء، يهتمون بأمور المسلمين، يتصرّفون ولا يتفرجون!

- أصدروا فتوى، يأمرون بخلع ملوك الطوائف، وتوحيد الأندلس، ففي بقائهم خطر ماثل على المسلمين وأرض الإسلام، جاءت الفتوى من الشام، وأرسلت الفتوى إلى ابن تاشفين في المغرب، ومن نص هذه الفتوى:

 

فحوى الفتوى:

- أن يوسف على حق في إظهار شعار الإمامة للخليفة المستظهر(هو ابن المقتدي بالله)، وأن هذا هو الواجب على كل ملك استولى على قطر من أقطار المسلمين، وإذا نادى الملك المشمول بشعار الخلافة العباسية، وجبت طاعته على كل الرعايا والرؤساء ومخالفته مخالفة للإمام، وكل من تمرد واستعصى، فحكمه حكم الباغي، ومن حق الأمير أن يرده بالسيف، وأن يقاتل الفئة المتمردة على طاعته، لاسيما وقد استنجدوا بالنصارى وهم أعداء الله في مقاتلة المسلمين وهم أولياء الله...

- كما أن الطرطوشي كتب إلى يوسف بالنصح وأن يحكم بالحق وفقاً لكتاب الله، وأن يكون شفيقاً على رعيته شفقة الرجل على أهله، وأن يعمل لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصداق قوله تعالى: { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج:41.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

قصور وخدم وحشم فيما بلاد المسلمين تتعرض للسلب والنهب والاغتصاب

 

* المقارنة بين الخطر في الأندلس والمغرب:

- جاءت الفتوى، فتأمل ابن تاشفين وفكر ماذا عليه أن يقدم عليه؟

- أيبقى في المغرب حيث إن إدارة الدولة هناك بحاجة إليه؟

- أم يذهب إلى الأندلس؟

- رأى أن أمور المغرب أهون بكثير مما يجري على ساحة الأندلس، فالخطر هناك قائم، لذلك رأى أن الواجب عليه أن يلبي نداءات أهل الأندلس، ويستجيب لأمر الفتوى.

 

* عام 483 هـ -1090م حصار طليطلة:

- فعبر بجيشه مضيق جبل طارق للمرة الثالثة عام 483 هـ، واجتمع إليه من أحب الجهاد من أهل الأندلس، وانضم إليه أيضاً بعض ملوك الطوائف، وكان ابن تاشفين قد عزم على توحيد الأندلس ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر، فتوجه أولاً وقبل أية وجهة أخرى نحو طليطلة ليفتح مدينة الكفر ورأسها "مدينة ألفونسو"، وضرب عليها حصاراً شديد، لكنها صمدت أمامه، فتعجب كثيراً وتساءل كيف سقطت هذه المدينة الحصينة، شديدة الأسوار، بيد ألفونسو؟ وكانت من أمنع المدن في ذلك العصر، وما ذاك التهاون من المسلمين الذي أدى إلى سقوط المدينة بيد النصارى؟

 

* توحيد الأندلس بالقوة:

- فما وجد لسؤاله جواب، ورأى أن القوة التي يملكها الآن ليست كافية لفتحه، فقرر أن يوحد الأندلس أول، ثم يعود بقوة أشد لفتحها ثانياً.

 

* عام483 هـ -1090م أمير المسلمين يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين:

- أرسل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين الرسل بالكتب إلى أمراء الأندلس، وكان قد توجه نحو غرناطة، فكان أن لبى دعوته "عبد الله بن بُلقين" في رجب عام 483 هـ، وأعلن أنه جندي تحت إمرته، فسرّ أهلها بذلك، كما عم الأندلس فرح أهله، لأنهم يعلمون أن ابن تاشفين والمرابطين مجاهدون مخلصون لله في أعمالهم لا يريدون جزاء ولا شكوراً من غيره سبحانه وتعالى.

 

* عام484 هـ -1091م ابن تاشفين يعود إلى المغرب:

- ولقد أجبرت الظروف بعد ذلك ابن تاشفين للعودة إلى المغرب، فعاد وقد ترك قوّاده ليتابعوا خطواته في توحيد الأندلس، وإنهاء حكم الطوائف وحكم ملوكها. قصد "سير بن أبي بكر" قائد القوة المرابطية التي بقيت في الأندلس عام 484 هـ متجهاً إلى قرطبة وهي من أهم مدن الجنوب التي تتبع إشبيلية أكبر دويلة في الأندلس، ويحكمها الفتح بن المعتمد بن عباد.

 

* عام484هـ -1091م فتح قرطبة:

- رفض قائد قرطبة أن يسلم المدينة أو أن ينضم إلى المرابطي، بينما أصر القائد المرابطي على أن يدخل الفتح ضمن دولة التوحيد لجميع ملوك الطوائف، فنشب القتال بين الجيشين، واشتد القتال على حاكم قرطبة ثم فرّ جيشه بعد أن قُتل هو في ساحة المعركة، وفرّت زوجته "زائدة" إلى النصارى وإلى ملك قشتالة حيث تنصرت فيما يذكر! وربما أُجبرت أو حُملت على ذلك، لا ندري! ولكن ْكيف تلتجئ امرأة مسلمة إلى دولة النصارى؟ هذا هو السؤال!

 

* عام 484 هـ - 1091م قتال النصارى:

- فدخل "سير بن أبي بكر" قرطبة، ثم توجه بعد ذلك إلى إشبيلية (وهي أكبر دولة في الأندلس كما ذكرت).

- أدرك ألفونسو السادس أن هذه فرصته فليمد جيشاً إلى دحر المرابطين، وليسعَ في إبقائه الأندلس كما هي ممزقة، فأرسل قوة بقيادة "البَرْهانش" من أعظم قواده، وجرت أحداث معركة عنيفة شمال إشبيلية، وهزم النصارى وأثخن القائد "البَرْهانش" بجروح عديدة.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

المسلمون يصدون جيوش النصارى

 

* عام 484 هـ -1091م المعتمد يرفض الانضمام:

- ولما وصلت الأنباء بانتصار المسلمين أعلن حاكم دانية، وحاكم الجزر الشرقية "البليار" انضمامها إلى قيادة المرابطين، ثم تقدم سير بن أبي بكر نحو إشبيلية يريد إخضاعه، فماذا فعل المعتمد؟ هذا الصديق القديم والذي شارك في القتال مع المرابطين في معركة الزلاقة الشهيرة، رفض رفضاً قاطعاً أن ينضم تحت لواء المرابطين، أو أن يرضى بتوحيد دويلته مع دولة المرابطين، وأصر على عدم تسليم المدينة، وحرض شعبه لمساعدته في القتال ضد المرابطين، لكن شعبه أبى، ورفض المسلمون هناك مؤازرته، فاًسقط في يده، واضطر للاستسلام بعد مقاومة منه ومن أتباعه في رجب عام 484 هـ.

 

* ابن عباد..أفضل ملوك الطوائف:

- كان المعتمد بن عباد من خيار ملوك الطوائف شأناً وأفسحهم ملك، وكان يشبّه بهارون الرشيد ذكاء نفس وغزارة أدب، ملك إشبيلية بين عامي461هـ -484 هـ فرفع شانها ويكفيه أنه تبنى فكرة الاستعانة بالمرابطين للحفاظ على الأندلس.

- ومما يدل على عظمة ملكه أن زوجته اعتماد- وكان لا يرد لها طلباً- رأت بدويات يبعن القرب وقد شمرن عن سوقهن يخضن في الطين، فقالت لابن عباد: أشتهي أن أفعل أنا وبناتي كفعل هؤلاء البدويات، فلبى طلبها ولكن بطريقة عجيبة: أمر بالعنبر والمسك والكافور فخلط بماء الورد ليكون في هيئة الطين وأحضر القرب والحبال لاعتماد وبناتها فحملنها ثم رفعن عن سوقهن وخضن في طين العنبر والمسك والكافور!!

- هذه صورة من صور عظمة الملك، وهي أيضاً صورة من صور البذخ والإسراف بين ملوك الأندلس، ويروى أن اعتماد غضبت منه ذات يوم فقالت له: ما رأيت منك خيراً قط، فقال لها: ولا يوم الطين؟! فخجلت وسكتت.

- لكن يكاد يجمع الرواة على أن ابن عباد - وإن صدرت منه بعض الهنات والأخطاء- كان من أفضل ملوك الطوائف وأزكاهم نفسا وأعظمهم اعتزازا بإسلامه وعروبته.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

محرقة العطر تستخدم لتعطير الهواء

 

* نفي المعتمد:

- وأصبحت إشبيلية بعد ذلك مع مدن الجنوب كلّها خاضعة لسلطة المرابطين، وما نسي القائد ابن أبي بكر خذلان المعتمد، وموقفه العدائي، وقتاله العنيد ضد توحيد المسلمين، فقرر إخراجه من الأندلس كلها وطرده بعد أن صادر أملاكه وأمواله وأخذ أسيراً إلى أغمات في المغرب، فعاش فقيراً محروماً بعد أن كان ذا صولة وجاه وغنى، فدخلت بناته يوماً عليه في أطمار بالية (ألبسة عتيقة خلِقة) فثارت نفسه على أحواله وأحوالهن فقال:

 

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا              فساءك العيدُ في أغماتَ مأسورا

ترى بـنـاتِك في الأطمـار جـائعـةً              يـغـزلـنَ للناس ما يملكن قِطميرا

يطأن في الطيـن والأقـدام حـافـيةٌ              كـأنهـا لم تـطأ مــسكـاً وكـافـورا

 

ثم اتَّعظ وبكى حاله!

 

قـد كان دهـرُك إن تأمرهْ ممـتثـلاً              فــردّك الدهـر منهـيـاً ومـأمـورا

من بـات بعـدك في مـلك يَسـرُّ به              فــإنما بات بالأحــلام مـغــرورا

 

عام 488 هـ -1095م الصلاة على الغريب:

- ثم منّ عليه يوسف بن تاشفين فأطلق سراحه، فعاش غريب، فقيراً لا يكاد يعرفه أحد إلى عام 488 هـ حيث مات ونودي عليه: الصلاة على الغريب، الصلاة على الغريب، وما اجتمع على صلاته إلا ثلاثة أشخاص، عرفه واحد منهم، ثم انتشر الخبر بأن هذا الميت هو المعتمد بن عباد رحمه الله.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

أحد أثار المسلمين: عمود من المرمر منحوت موجود في سرقسطة

 

* نهاية عهد الطوائف:

- ويعتبر انتهاء عصر الطوائف بموت المعتمد أو نفيه، وإن بقيت بعض الدويلات في الأندلس متفرقة منفصلة، لكن لم تكن لها مكانة تذكر.

 

* نظرة عامة وموجزة إلى عهد الطوائف:

- كانت حكومات الطوائف تحكم بالإسلام ولكنها كأشدّ ما يكون من الفرقة والخلاف، وكانت تنفذ الشريعة لكنها كانت ممزقة لا تتحد، فكأنها بل وهي الحقيقة تذهب البركات عن الجهود والأعمال إذا غلبت الشهوات الدنيوية، وتذهب هيبة الحكم عن النفوس إن لم تخلص توجهها إلى رب العباد، فأدت تلك النوازع الدنية إلى ضياع الأندلس، فقد أخذ النصارى ثلث الأندلس في الشمال، ثم زحفوا إلى وسطها وأخذوا أمنع حصن وأقوى مدينة في الوسط هي طليطلة، يقول أحد المؤرخين "ابن الكَرْدَبوس": ضاعت الأندلس في فترة دول الطوائف حين زالت من النفوس الأَنَفة الإسلامية، وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تَداعى عليكم الأمم كما تداعى الأَكَلة إلى قصعته، فقال قائل: من قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل انتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهْنَ، قيل: وما الوهنُ يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت " (رواه أبو داود).

- نعم، كان من حكام الطوائف صالحون! وكان منهم من أراد إيقاف الضعف في كيان الأندلس! لكنّ في قوله تعالى:{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } الأنفال: 25. عبرة، إذ أصابت الفتن عموم الأندلسيين سبب ظلم بعضهم.

- نعم، وقد حذر بعض العلماء ولكن تحذيرهم كان كصيحة في واد! من هؤلاء العلماء الأفاضل: ابن حزم، وابن حيان، وابن بسام مثلاً.

- لو تأملت التاريخ لوجدت تناسباً طردياً مستمر، بين التمسك بالإسلام وبين ازدهار المجتمع في حياته وتطوره، فإذا تمسكنا بالإسلام حق التمسك، ونزعنا من صدورنا الغِلَّ والحقد والطمع، لا يأتينا النصر وحده، بل تنزل علينا بركات السماء وتخرج إلينا بركات الأرض.

- كما قال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف: 96.

 

* ملخص أحداث قترة دويلات الطوائف:

400هـ

في عام هـ تمزقت الأندلس إلى 22دويلة!!

403هـ

قام سليمان بن الحكم الأموي بعزل هشام المؤيد بالله.

422هـ

إعلان سقوط الدولة الأموية في الأندلس.

440هـ

العالم الجليل أبو الوليد الباجي يدعو إلى توحيد الأندلس.

456هـ

مأساة بربشتر على يد الفرنسيين و النورمان.

468هـ

اتحاد سرقسطة ودانية و بلنسية.

475هـ

سقوط طليطلة في يد ألفونسو السادس.

478هـ

سقوط بلنسية.

479هـ

عبور ابن تاشفين إلى الأندلس بعد أن استعان به أهلها.

479هـ

معركة(الزلاقة)التي كانت فتحاً عظيماً للمسلمين.

483هـ

ابن تاشفين يبدأ بتوحيد الأندلس.

484هـ

ابن عباد يرفض الانضواء تحت راية ابن تاشفين فيحاصر وينفى إلى المغرب.

488هـ

وفاة المعتمد بن عباد.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

السقف المغشى بالذهب والفسيفساء والخيط العربي

 

* ملوك الطوائف...حقائق وعبر:

- شتات بعد جمع، وتفرق بعد وحدة، وهوان بعد عز.

- هذا حال الأندلس بعد سقوط الخلافة وتفرقهم إلى اثنتين وعشرين مملكة ودولة- كل مدينة مملكة- وغدا كل حاكم مدينة خليفة يلقب بألقاب عظيمة، فأي سخرية أعظم من هذه؟!... حتى قال فيهم القائل

 

مما يزهدني في أرض أندلـس            ألقـاب معتــمـد فيـهـا ومـعـتضـد

ألقاب مملكة في غير موضعها            كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد

 

- قال ابن حزم رحمه الله تعالى (فضيحة لم يقع في الدهر مثله، أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يسمى كل واحد منهم بأمير المؤمنين، ويخطب لهم في زمن واحد، أحدهم في إشبيلية والثاني  بالجزيرة والثالث بمالطة والرابع بسبته)

 

وتفرقوا شيعاً فكل محلة             فيها أمير المؤمنين ومنبر

 

- أعمالهم الطمع وران على قلوبه محب الرئاسة والمناصب، فلم يعودوا قوة واحدة وأصبحت قلوبهم شتى، وأي عز يرجى مع هذا أم أي نصر ينتظر؟ ولو لم ينجدهم الله بابن تاشفين لضاعت الأندلس في أيامهم، وما حصل في الأندلس أمر خطير حيث تحالف بعضهم مع النصارى على بعض، وبدل أن تكون القوة موجهة ضد العدو أصبح بأسهم فيهم وقتالهم فيما بينهم- وكان هذا ما دعا العلماء والمصلحين إلى الاستعانة بابن تاشفين- فقال فيهم القائل:

 

ناد الملوك وقـل لهـم          ماذا الـذي أحدثـتـم؟

أسلمـتـم الإسـلام فـي          أسر العــدا وقعدتـم

وجب القـيـام عليـكـم          إذ بالنصـارى قمتـم

لا تنكروا شق العصا          فعصا النبـي شققتـم

 

- وانظر على حال ملوك الطوائف في الأندلس وحالنا اليوم تجده شبيهاً له مقارباً لحالته، فها هم المسلمون اليوم بعد أن جمعتهم عهود من الخلافة- تضعف أحياناً وتقوى أخرى- ينقسمون إلى اثنتين وعشرين دولة تماماً مثل عدد دويلات الأندلس!! وضعفنا كما ضعفوا وذهبت هيبتنا كما حصل لهم، وطمع أعداؤنا بن، وعزلنا عن صنع القرار العالمي بل حتى المحلي فأصبح أعداؤنا يتحكمون ويلعبون بن، وهم في كل يوم يشتطون في مطالبهم وأوامرهم، وغابت عنا عبر التاريخ كأننا لا نتعلم حتى نقع من جديد، ورغم كل ذلك فما ينبغي أن نيأس أو نستكين فمازال في الوقت متسع لإعادة حساباتنا ولترتيب وضعنا وعلاقاتنا وهي دعوة للحكام

- ولشعوب أن نأخذ العبر من التاريخ وندرك خطورة الوضع الحالي، وما أنا ممن يدعو إلى الإحباط واليأس ولكني أدل على مواطن الخلل لعل الله أن يمن علينا بإصلاحها.فيما مر قضية خطيرة ننبه إليها وهي خبث اليهود ومكرهم للإسلام وأهله من أي موقع، فهم يسعون إلى التغلغل في مراكز القوى الكبرى والدول العظمى والتأثير على سياستها تجاه الإسلام، دون أن يكونوا في الواجهة حتى لا يشعلوا حماسة المسلمين في مواجهتهم، ولأن الله ضرب عليهم الذل والمسكنة والهوان، لعل هذه سياستهم منذ زمن بعيد فانظر كيف كان وزير ألفونسو يهوديا ً(ابن شاليب اليهودي) وكان يفاوض باسمه ويكيد للإسلام تحت حكمه، وكذلك هم يملكون الثقل الانتخابي الذي يضعه زعماء الغرب في الحسبان، فما ينبغي أن نغفل عن عدونا أو نجهله وهو يكيد لنا صباح مساء.

 

* البركة في الجهاد:

- إن البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى بركات في الأشياء، وبركات في النفس، وبركات في المشاعر وبركات في طيبات الحياة، بركات تنمي الحياة وترفعها في آن، وليست مجرد وفرة مع السقوط والتردي والانحلال، فقد ضيع حكام الطوائف البركات، وأضاعوا البلاد وأهله، و انقطع الخير ولن ينقطع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال في الحديث الشريف: "عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله، أذال[أذال: أهان.] الناس الخيل، ووضعوا السلاح، قالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزاره، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن..الآن جاء القتال، ولا تزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" (رواه النسائي).

- فما استطاع الحكام منع الناس عن التوجه للتوحد بطائفة جاءت تنفذ أمر الله سبحانه، فكانت دولة المرابطين، التي بدأت من الجنوب، وإن كان قد بقي شيء من الطوائف في الأندلس.وكانت فترة الضعف عند الطوائف لا تخلو من بروز قوة أو أخرى تضيء جوانب الأندلس بمآثر تبقى شاهدة على أن التمسك قوة وأن القلة المتمسكة بها سيكون لها شأن وأي شأن، وعهد المرابطين شاهد على ذلك.وماذا حدث بعد ذلك؟.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

عناصر منبر مسجد الأندلس: مع الزخرفة الرائعة

 

* بلنسية في يد الخونة:

- كانت بلنسية بيد حاكم يدعى القادر بالله- وقد سبق ذكره- من أسوأ حكام الطوائف، كان قد أعطى ولاءه لألفونسو السادس، وكان يدفع له الأموال (الجزية)، بل كان يوالي "القنبيطور "الذي مرّ ذكره من المرتزقة القتلة، ورضي القنبيطور أن تبقى المدينة بيد هذا الحاكم السيئ الذكر.

- ساءت أحوال أهل بلنسية بسوء تدبير القادر بالله إذ لم يكن همه إلا إرضاء نفسه والتمكن لقضاء نزواته، والتمسك الشديد بمركزه ولو تحت حماية اشد الناس عداوةً للمسلمينَ وله، مما جعل الناس يضجون منه، وسرت فيهم رغبة للتخلص من سيطرته وفساده، كان على رأس المدبرين للخلاص قاضي المدينة المعروف "بابن جحّاف".

 

* قاضي بلنسية يستعين بالمرابطين:

- اتصل القاضي بالمرابطين، فأمدوه بالمال والرجال، وتمكن بمعاونة الشعب من إلقاء القبض على القادر بالله الذي كان متخفياً يريد الهرب من حمام القصر، ويحمل معه صندوقاً من الحلي والجواهر، وتلك نهاية كل من أعماه حب الدنيا والجاه، فكانت نهايته، وبئس تلك النهاية!

 

* حصار بلنسية:

- لم يتحمل "القنبيطور" ذهاب صديقه، ولم يرضَ أن تذهب بلنسية من تحت سيطرته، فقام على الفور وضرب الحصار الشديد حول المدينة، وأفسد ضواحيها وأحرق الأخضر واليابس، وما استطاع المرابطون أن يرسلوا المدد إليها لبعدهم عنها، ولانشغالهم مع بقية حكام الطوائف، وما أعان حاكم "سرقسطة" المستعين بالله أهله، وكان قد طلب إليه القاضي المساعدة والعون، وطال الحصار الشديد، ولما طُلب إلى القنبيطور الصلح اشترط شرطين:

 

أن يدفع أهل المدينة أموالاً لا استطاعة لهم بها.

وأن يخرج من المدينة غير أهلها (المرابطون).

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

ديوان الإنشاء في عهد ملوك المغرب في القرن 13م

 

* غدر الكمبيادور:

- فتم الاتفاق على ذلك وفك الحصار، ولكن "القنبيطور" وهو المعروف بارتزاقه وطغيانه وبسوء طويته طلب غير ما اتفق عليه سابق، وهو أن تدخل قواته بعض مناطق بلنسية، ففعل. ثم طلب من (القاضي) كل شيء يخص المدينة من مال وأعيان وان يسلم إليه ابنه وقادة جنده، فرفض ابن جحاف هذه الشروط التعجيزية، وراسل المستعين الذي أبى أن يساعده، كما راسل المرابطين فما استطاعوا لانشغالهم، فقرر القاضي إغلاق أبواب المدينة، وأحكم الطاغية "القنبيطور" الحصار عليه، وطال الحصار عشرين شهراً لم يبق بين يدي الناس ما يأكلون أو يشربون حتى قال المؤرخون: إنهم أكلوا الفئران والقطط والجيف، ولما أقدم بعض المتخاذلين على الهرب من المدينة، قبض عليهم جنود الطاغية، فأمر بفقء أعين بعضهم، أو تقطيع أيدي بعضهم، أو بتر أقدام الآخرين، أو بقتلهم حسبما تشتهي وحشية الذئب.

 

مــاذا يريــدون آلافــاً مؤلفـة           في نفس أرحمهم وحشيةُ الذئب

 

* عام 487 هـ - 1094م بلنسية تستسلم:

- وانتشر الوباء، وابتليت المدينة بأنواع المحن، وأذيقت بأبشع أنواع الرزايا، فأرسل أهل المدينة وفداً إلى القنبيطور يعرضون عليه استسلام المدينة على أن يبقى جيشه خارج المدينة، وأن يعطي الناس الأمان في النفس والمال والأهل، وألا يمس القاضي بسوء، فأعطى عهداً بذلك، ومتى كان العدو اللدود وفياً؟

 

* عام 487 هـ - 1094م الغدر والخيانة:

- فتحت المدينة أبوابها عام 487 هـ، فاحتل جنده أبراجها فورا، ثم أصدر أمراً بالتجمع فقتل كل الشباب القادرين على القتال، ونفى بل أخرج من لم يستطع القتال منها من الشباب، وأصدر الحكم بالقتل لكل من توجد عنده قطعة حديد، فأخرجت المسامير والإبر والسكاكين، ونكّل بالشعب أي تنكيل، وحول المسجد الجامع إلى كنيسة، أما القاضي فقد حفر له حفرة في ميدان أمام الكنيسة-الجامع الذي تحول إلى كنيسة، وادخل نصفه فيه، وأهيل عليه التراب، ثم أمر بإضرام النار حوله والقاضي لا يزيد أن يقول: لا إله إلا الله، بسم الله الرحمن الرحيم، فاحترق شهيداً رحمه الله سنة 488 م.

- يذكر جزءاً مما حل ببلنسية الشاعر ابن خفاجة الذي عاصر مأساتها:

 

عـاثـت بساحـتـك الظُّـبا يا دارُ              ومـحـا مـحـاسنَكِ البِلى والنارُ

فـــإذا تـردَّد في جـنابـكِ نـاظـر             طال اعـتـبـار فـيـكِ واسْتِـعبـارُ

أرض تقـاذفت الخطوبُ بأهلها             وتمخــضـتْ بخـرابهـا الأقــدارُ

كتبتْ يدُ الحدثان في عَرَصاتِها             لا أنـتِ أنــتِ ولا الـديـار ديـارُ

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

مسجد إسلامي حول إلى كازينو لمعاقرة الخمرة

 

الظُّـبا: [حد السيف القاطع ومفرده ظبية]

 

* القنبيطور بطل النصارى:

- وماذا يقول الغرب عن القنبيطور: جعلوه بطلاً! إنه بطل أسطوري أضيفت له الأمجاد والبطولات، ونُظمتْ عنه الأناشيد الوطنية والحماسية والقومية، واعتبره بعض المستشرفين نموذجاً يُحتذى به في معاملة المسلمين، وأعماله قانوناً لا غبار على التعامل به.

- وهكذا يفعلون! وهل يحتاج الأمر إلى شيء من المقارنة بمعاملة المسلمين مع أهل البلاد التي فتحوها في الأندلس أو في غيرها؟ وارى أن مجرد المقارنة يسيء إلى العدل، وكأنك تقول:

 

ألم تر أن السيف ينقص قدرُه            إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

 

- أما فيه إساءة إلى مكانة السيف؟ فكيف نقارن عدل المسلمين بوحشية وهمجية أعدائهم؟!!

 

* عام 488هـ -1095م انضمام دويلات الطوائف للمرابطين:

- أدى سقوط بلنسية، وفتكُ الطاغية بأهلها وقاضيها إلى استعجال بقية حكام الطوائف للانضمام إلى المرابطين خشية أن يصيبهم ما أصابها!، فانضمت بطليوس وحكامها بنو الأفطس عام 488 هـ، كما انضمت أشبونة.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

القنبيطور يواعد النصارى سراً لخيانة المسلمين

 

عام490هـ1097م العبور الرابع لابن تاشفين:

- ولما استتب الأمر للمرابطين في الشمال الإفريقي، أقدم ابن تاشفين على العبور إلى الأندلس لإدارته، وكانت من قبل بإدارة أمرائه.

- وكان هذا العبور هو الرابع لابن تاشفين:

1. الأول في معركة الزلاقة والانتصار الحاسم على ألفونسو.

2. تلاه الثاني لإزالة خطر حصن "لُييط" عن الشرق الأندلسي.

3. وكان الثالث استجابة للفتوى الصادرة من الغزالي و الطرطوشي وغيرهما لتوحيد الأندلس.

4 .هذا العبور الرابع الذي أشير إليه في عام 490 هـ.

 

* عام491 هـ -1098م معركة كنشرة:

- أعد جيشاً عظيماً وجهزه من جنوب الأندلس وسيّره بقيادة أحد قواده "محمد بن الحاج" وأمره بالتوجه نحو طليطلة (عاصمة النصارى ومقر ألفونسو)، فبادر ألفونسو السادس بنفسه يقود جيشاً لمنعه وصده، والتقى الجيشان في منطقة تدعى "كَنْشرة" ودارت رحى معركة عنيفة، استطاع في النهاية ابن الحاج أن يقهر أعظم جيش للعدو ويدحره، ففروا إلى طليطلة للاحتماء بأسوارها المنيعة، فآثر ابن الحاج التوجه إلى بلنسية لإعادة فتحها، ويأتي بعد ذلك إلى طليطلة، إن قدر الله سبحانه وتعالى.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

ابن الحاج يحاصر طليطلة

 

* عام 493 هـ -1100م المرابطون يحاصرون بلنسية:

- توجه المرابطون عام 493 هـ نحو بلنسية، وأطبقوا الحصار عليها بعد أن انهزم جيش القنبيطور في عدة معارك جانبية حوله، واستمر الحصار، وأرسل ابن تاشفين قوات مرابطية بقيادة "أبي محمد الَمزْدلي" -ابن عم يوسف ابن تاشفين- عام 495 لمساندة المسلمين هناك، وكان القنبيطور قد توفي عام 493 هـ همّاً وغمّ، وتولت زوجته "شَيْمانة" إدارة المدينة، فحاولت الدفاع عنها، لكنها قررت الانسحاب بعد أن ترك النصارى تلك المدينة أطلالاً خربة، وأخذت معها رفات الطاغية والأموال التي جمعها في فترة طغيانه.

- ودخلها المزدلي في رجب عام 495 هـ وفك أسر هذه المدينة الذي استمر ثماني سنوات.

 

* عام 495 هـ -1102م علي ولي العهد:

- قرر ابن تاشفين -وكان قد تجاوز من العمر خمساً وتسعين سنة- أن يعود إلى المغرب، فأخذ البيعة لابنه علي قبل مغادرته الأندلس، ولم يكن علي أكبر أولاده، ولكنه فضّله على إخوته لما رأى فيه من الورع والذكاء والحزم، وأنه أفضل إخوته تقوى وجهاداً وديناً، وقد قال عنه المؤرخون: كان على سيرة أبيه في الورع والتقوى والدين والجهاد، فبويع بولاية العهد.

- واشترط على ابنه أن يكوّن جيشاً يوحده لإدارة الأندلس وحفظه، يوزع أجناده على مختلف الثغور والقواعد، وحدّد قوام هذا الجيش بسبعة عشر ألف فارس: يرابط منها بإشبيلية سبعة آلاف، وفي شرق الأندلس أربعة آلاف، وتوزع الأربعة آلاف الباقية على الثغور والحصون المتاخمة لأراضي العدو.

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

نشر العلم والثقافة رسالة حملها المسلمون معهم أينما حلوا

 

* وفاة ابن تاشفين عام 500 هـ -1107م:

- رجع ابن تاشفين إلى المغرب، ونزل بقصره في مراكش، فمرض واشتد به المرض حتى وافاه الأجل في صبيحة الاثنين في الواحد من محرم الحرام عام 500 هـ، وقد جاوز المائة سنة، ودفن  في العاصمة المرابطية مراكش، وألقيت قصائد على قبره، ورثاه جملة من الشعراء، منهم أبو بكر بن سوار، قال على قبره مرثية ومنها هذه الأبيات:

 

اسمع أميرَ المؤمنين وناصرَ الدين           الـــذي بنــفـــــوسنا نفـــــديـــهِ

جـوزيتَ خيـراً عن رعـيّتـك الـتي           لم ترض فـيهـا غيـرَنا يُرضـيه

وصل الجهـاد إلى الجهـاد موفَّقاً              حَتمَ القضاءُ بكلّ ما تقـضـيـه

مـــتــواضـعــاً للهِ مُظهــرَ ديـنـهِ             في كل مـا يُبــديه أو يُخـفــيه

 

- أنشأ -رحمه الله- دولة الجهاد والعلم والإيمان، ووسّع حدودها من السودان ونهر النيجر إلى المحيط الأطلسي، ومن تونس إلى طنجة وأوقف اعتداءات الأعداء على الأندلس، ثم ضمها إلى دولة واحدة بعد أن كادت تضيع، وكأنه نفخ فيها العزيمة الصادقة للبقاء أكثر من قرن، مثال يحتذى للحاكم المسلم! ونموذج للشباب المسلم في الهمة والعزيمة.

 

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة          فإن فساد الرأي أن تترددا

 

- وقد قامت بلاد الأندلس في عهده سعيدة حميدة، في رفاهية عيش وأحسن حال.

 

* عهد بن تاشفين...حقائق وعبر:

- بعد أن تمزقت الأندلس إلى دويلات وطوائف كان لابد لها أن تتوحد حتى تقف في وجه الغزو الصليبي الاستعماري،،،فكان يوسف بن تاشفين -القائد البربري المسلم- محط الأنظار لتلك المهمة، أهله لذلك صلاحه وقوته، وتعاطف معه العلماء وكافة الشعب ليعلنوا ويحققوا المبدأ الإسلامي السامي أنه (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) فكان فضل يوسف ابن تاشفين القائد البربري على ملوك الطوائف -وفيهم الكثير من العرب- أنه الأتقى والأقوى والأقدر على حمل الأمانة

 

لـعمرك ما الإنسـان إلا بديـنـه            فلا تترك التقوى اتكالاً على النسـب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس            وقد أوضع الشرك الشريف أبا لهب

 

- وما النعرات الطائفية سواء القومية منها والعربية أو التي تقوم على تمييز جنسية على أخرى إلا تراكم ضعف جديد على ضعف المسلمين الحالي، وزيادة شتات على تفرقهم وضعف انتمائهم للإسلام، فالإسلام ملة واحدة وأتباعه إخوة لا تفرقهم البلاد ولا الحدود، فإن كان حكامنا أو كانت قوانيننا تأبى أن تساوي بيننا كمسلمين فينبغي -وهو أقل ما يجب علينا- أن نزيل الفوارق النفسية والاجتماعية بين بعضنا فنكون كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكونوا عباد الله إخواناً).

 

يا أخي في الهند أو في الغرب           أنا منـك، أنت منـي، أنت بـي

لا تسل عن عنصري أو نسبي            إنـــه الإســـلام أمـي وأبــي

إخــوة نحــن بـه مــؤتـلـفـــون             مسلمون مسلـمون مسلمـون

 

إنهاء دويلات الطوائف - عهد المرابطين

صندوق بالنسيا الذي نقش عليه تاريخ 441 من الهجرة، وهو يمثل إحدى القطع النفيسة

 

- -ونقف مع حادثة عجيبة وهي تنازل أبي بكر اللمـتوني لابن عمه يوسف بن تاشفين عن حكم المرابطين لما رأى من قوته وحكمته في إدارة شؤون الدولة! وهل يستطيع أحد أن يثبت عبر التاريخ أن ملكاً تنازل عن ملكه لمثل هذا السبب إلا في ظل الإسلام؟

- وقد سبقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تنازل عن الخلافة، لكن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم  لم يرضوا باستقالته!!.

تلك نفوس صقلها الإيمان فترفعت عن زيف الدنيا وزخرفه،،،

تلك نفوس كان همها أن تعلوا كلمة الله - سيان بيدها أو بيد غيرها - فالغاية واحدة، لا أن تعلوا هي على كلمة الله،،،

تلك نفوس وفت بعهدها مع الله فوفى الله بعهده معها وجعلهم أئمة الدنيا،،،

نقرأ تاريخ أولئك الرجال ثم نرى واقعاً أليماً في التكالب والاستماتة على المناصب من غير أهلية ولا كفاءة فلا نعجب للانحدار الذي بلغناه.

فحينما يتقاتل الإخوة أو يطرد الابن أباه أو يريق الحاكم أنهارا من الدماء لأجل منصب أو حكم فهل نرجو بعد ذلك النصر أو الرفعة؟!!

- إن مراعاة الأهلية والكفاءة في المناصب - بداية من الرئاسة إلى أصغر منصب في الدولة - أمر واجب وضروري لبناء دولة قوية منتجة وهو مطلب ديني قبل أن يكون قانوناً بشرياً فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من استعمل رجلا من عصابة (قبيلة أو مجموعة) وفيهم من هو أرضى لله تعالى منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" (رواه الحاكم في المستدرك وصححه السيوطي).

- لا أدري لم يعتبر القادة المسلمون اليوم بحوادث التاريخ؟؟

- وما فائدة التاريخ والبحث فيه إن لم نأخذ منه العبرة و نخلص منه إلى حقائق ونتائج؟

 

وإذا فاتك التفات إلى الماضي فقد غاب عنك وجه التأسي

 

- لقد أعطى الكمبيادور العهد والمواثيق لأهل بلنسية ثم خان عهده ولم يرع فيهم إلاً ولا ذمة، وهذا حال أعداء المسلمين من زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين خانه يهود المدينة، ولا تزال الخيانات تتوالى ويستمر نكث العهود بغض النظر عن تصنيفهم أو انتماءاتهم فالكفر ملة واحدة كلهم يريد أن يكيد للإسلام على طريقته.

والغريب أن بعض قادة المسلمين اليوم لم يفهم هذه الحقيقة أولا يريد أن يفهمه، فتراه يوالي أعداء الله ويطلعهم على سره وجهره، ويستشيرهم في جميع أمره، ويثق بعهودهم كأنه ما قرأ تاريخهم، ويعقد الحلف معهم على أنهم دعاة السلام والخير والحرية، وهم لا يفوتون فرصة أو يتركون ثغرة إلا ويكيدون للإسلام من خلالها وأن تظاهر بعضهم بالمحبة والصداقة، فما هي إلا أدوار يتقاسمونها ولعبة يحكمونه، والنتيجة واحدة معروفة: كره للإسلام وأهله، وهذه حقيقة قررها الخالق العالم حين قال:{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } البقرة: 120.

 

فمتى نصحو من غفلتنا ونتنبه لما يحاك ويدبر لنا؟!!!

مواضيع ذات صلة

فتح المغرب العربي الأندلس التاريخ المصور فتح المغرب العربي
عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر الأندلس التاريخ المصور عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..