لفلي سمايل

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

تاريخ الإضافة : 23-7-1439 هـ

الباب الثالث:

دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثالث: عهد الموحدين

 

خامساً: محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب

- بويع له صبيحة اليوم التالي لوفاة والده المنصور، وكانت سنة دون العشرين، ثم جاءت البيعة له من عامة المغرب والأندلس، ومرت البيعة بسلام.

- ومكث الناصر في مراكش ينظم إدارة المغرب ويدير أمورها، ويسعى لتهدئة الأوضاع والحوادث الخطيرة التي وقعت في الجزر الشرقية، أو في إفريقية (تونس) ويحاول إخضاع الثائرين بإرسال قوات موحديه.

 

* عام 606هـ - 1210م ألفونسو الثامن يهاجم الأندلس:

- وفي هذه الأثناء وصلته الأخبار بأن ألفونسو الثامن قد بدأ بمهاجمة بلاد المسلمين في الأندلس عام 606هـ، كأنه يتوق ليأخذ الثأر من الهزيمة التي لحقت به، فاستولى على عدة حصون، كما أغار على أرياف المدن يخرب البيوت ويحرق المزارع ويسوق الأنعام، ويقتل ويسبي، ثم يعود إلى طليطلة، ولم تتمكن وحدات الحماية الموحدين الصغيرة من إيقاف عدوانه وغاراته، ثم جاءت الوفود الأندلسية تستنجد بالناصر وخاصة من شرق الأندلس، لأن ملك أرغون هاجمهم هو يجاري حليفه ألفونسو الثامن.

 

* عام 607هـ - 1211م مقدمات معركة العقاب:

- عزم الناصر على أن يعبر إلى الأندلس بعد أن دعا إلى الاستعداد والتهيئة، ولم يلتفت إلى نصيحة والي إفريقية (تونس) الشيخ محمد بن أبي حفص (وكان أخبر منه بمعرفة العدو وإمكاناته، وكذلك وضع المسلمين وأحوالهم) بأن الوقت غير ملائم، وإن الوضع العام ليس لصالح المسلمين في الوقت الراهن، فعبر الناصر بجيشه الزاخر الذي ازداد بالمتطوعة والمجاهدين سنة 607هـ، وكان قد أرسل إلى جهات المغرب والأندلس لأخذ الأهبة والانطلاق للجهاد، واستقر في إشبيلية لحلول فصل الشتاء، ووصل عدد قواته بعد التحاق أهل الأندلس والمجاهدين إلى مائتي ألف بين فارس وراجل، أما عدوه ألفونسو فكان قد أخذ استعداداته من قبل أن يأتي الناصر، فقد تحالف النصارى كلهم في الأندلس وفي أوروبا معه، إذ كان على كرسي البابوية "أنوصان الثالث" يغذي بالحقد الصليبي كل أهل ملته، فأرسل مواعظه إلى أرجاء أوروبا وإلى نصارى الأندلس للمرة الثانية، يحثهم على الالتحاق بالأندلس وبجيش ألفونسو والتحالف معه، حتى إنه هدد ملك "نبارة" شانجة إن لم يبادر بنقض العهد مع الموحدين بالحرمان، ومازال به حتى نقض العهد وأمد التحالف بالجنود وهو يقودهم، وقد بلغ عدد هذا الجيش الذي اتسم بالطابع الصليبي على أقل تقدير مائة ألف مقاتل بين رجل وفارس وأعلنوا شعارهم المشهور (كلنا صليبيون).

 

* معركة العقاب:

 

* عام 609هـ - 1213م انشقاق بين النصارى بسبب النصر:

- نزلت جموع النصارى من طليطلة حتى وصلت إلى قلعة رباح، وكان المنصور قد افتتحها كما سبق، فحاصرتها، ثم استسلمت حاميتها القليلة، بعد أن أخذت الأمان على نفسها فتسبب ذلك بالانشقاق في صفوف النصارى، فالصليبيون القادمون من أوروبا متعطشون لدماء المسلمين، أما ألفونسو الثامن فلا يريد قتلهم، إذ ينظر إلى الموضوع نظراً حربياً استراتيجيا، فلو غدر بهذه الحامية فسوف يمتنع كثير من الحاميات التسليم من بعدهم وستظل تقاتل حتى الموت.

- فقال الصليبيون لملك قشتالة: إنما جئَت بنا لتفتح بنا البلاد، والآن تمنعنا من قتل المسلمين؟ مالنا في صحبتك من حاجة، فانصرفوا إلى ديارهم في أوروبا، وغادروا الصفوف المتجهة نحو الجنوب نحو ديار المسلمين.

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

المسلمون يتقدمون في معركة العقاب

 

* التوجه جنوباً:

- ثم اتجهت جيوش التحالف النصراني (قشتالة، أرغون، نبارة، وفرسان النصارى، ومتطوعون من أوروبا) نحو الجنوب، فأشرفت طلائعها على المرتفعات المطلة على السهل القريب من حصن العِقاب.

 

* عام 609هـ - 1213م الناصر يخرج للمواجهة:

- وخرج الناصر في جيوشه من إشبيلية في العشرين من محرم 609هـ متجهاً صوب جيّان إلى الشمال، واحتل موقعاً في موضع السهل الواقع على أحد ممرات جبال الشارات، وكان واثقاً من النصر، مغتراً بضخامة حشوده، وتفوقه العددي؟!

 

* المراسلات والصلح:

- بدأت المرسلات بينه وبين ألفونسو الثامن للتشاور في أمر الصلح، ووجد ألفونسو أن ذلك خير للفريقين، وكان الناصر يعلم أنه بحاجة لتوطيد سلطانه في دولته، وتم التصالح ولكن على غدر مبيت من الصليبيين.

 

* عام 609هـ - 1213م الغدر والقتال:

- إذ بدأ الهجوم المباغت في الصباح الباكر من يوم الاثنين الخامس عشر من صفر سنة 609هـ وبشكل  شديد على مجنبتي الجيش الموحدي، فرد المسلمون زخمة الهجوم، ولاح في الأفق ارتداد النصارى للفرار، هنا تدفق القشتاليون بقيادة ألفونسو الثامن وكان قد أعد فرقة احتياطية لهذا الهجوم، وارتدت المجنبتان للهجوم بمنتهى العنف والشدة في كل الأطراف، فولى المسلمون بالمجنبتين الفرار، وتركز الهجوم النصراني على قلب الجيش حيث خيمة الناصر، واشتبك الفريقان بقتال عنيف وسقطت عشرات الألوف من القتلى، وثبت الناصر حتى آخر لحظة يحث على الصبر، ولولا ثباته على هذا النحو لاستؤصل الجيش كله، ثم اضطر الناصر أن يمتطي صهوة فرس قدمها إليه أعرابي كان إلى جانبه، وأن يفر مع نفر من خاصته على جناح السرعة جنوباً نحو بياسة ثم إلى جيان، وتمزق الجيش الموحدي  إلى كل الجهات، والعدو يطارده حتى دخل الليل.

 

* هزيمة نكراء:

- فكانت هذه المعركة من أكبر الهزائم التي مني بها المسلمون في الأندلس، وكانت خسائرهم كثيرة جداً، وفادحة جداً، إذ لم تقم للموحدين بعدها قائمة.

 

* استشهاد العلماء:

* واستشهد جلة من العلماء، وذلك دأب العلماء العاملين إذ لا يتخلفون عن ساحات الجهاد، فهم في ميدان الجوامع، وساحات المصلى، والمساحات القتال، ومنهم:

- إسحاق بن إبراهيم بن يعمر الجابري:

من مدينة فاس، رحل إلى الأندلس وولي قضاء بلنسية ثم جيان، وفقد في موقعة العقاب في شهر صفر سنة 609هـ.

 

- أبو عمر أحمد بن هارون النفزي:

من أهل شاطبة، يغلب عليه الزهد والورع، وكان موصوفاً بالدراية والرواية، وكان آية في الحفظ، فقد يوم العقاب ولم يوجد حياً ولا ميتاً.

 

- أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الحضرمي:

من أهل اليُسّالة (قرب قرطبة) ولي قضاء بلدته مدة طويلة، مضافاً إلى ذلك الصلاة والخطبة بجامعة، وله تأليف في رجال الموطأ، واستشهد في وقيعة العقاب في منتصف صفر سنة 609هـ.

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

آثار مئذنة مسجد موحدي قرب إشبيلية وقد حول مع مئذنته إلى كنيسة ورفع عليها الصليب

 

* السبب في الهزيمة:

- نعم، أخذ ألفونسو ثأراً من المسلمين، وأخذ النصارى الغنائم الكثيرة ومنها العلم الموحدي الذي مازال محفوظاً في متحف إسباني (الدير الملكي بمدينة برغش).

وكان السبب في انكسار المسلمين:

- سوء تنظيم الإدارة العسكرية لهذا العدد الكبير.

- عدم وجود قادة أكفاء يقدرون الموقف حق التقدير.

- سوء التموين وقلة الموارد لبعد القوات عن قاعدتها.

- وجود نفور حصل بين أهل الأندلس، والموحدين لتصرفات طائشة.

- اغترار الناصر بكثرة عدة قواته.

- عقاب من الله تعالى نتيجة التفرق والتخاذل، وللمجون والفسق الذي المجتمع الأندلس، { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } [محمد: 38].

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

قتال المسلمين والنصارى في معركة العقاب

 

* آثار هزيمة العقاب:

- وكانت نتائجها أنها كانت كقاصمة الظهر للموحدين أولاً، حيث ضعف شأنهم في الأندلس والمغرب بعد ذلك.

- وكانت سبب هلاك الأندلس وخرابها، يقول بذلك أبو إسحق إبراهيم بن الدباغ الاشبيلي:

 

وقائلةِ أراكَ تطيل فكراً               كأنك قد وقفتَ لدى الحسابِ

فقلت لها: أفكّر في عقاب             غدا سبباً لمعركة العقابِ

فما في أرض أندلس مُقام ٌ            وقد دخل البلا من كل بابِ

 

- وصل الخليفة بعد ذلك، بعد الهزيمة النكراء إلى إشبيلية، عاصمة الأندلس، ووجه كتابه إلى الجهات بالاعتذار المنمّق! عن الكارثة، وبقى فيها حتى رمضان، ولم يستعد لشيء بأن يجمع قواته أو يحشدها مرة أخرى.

- وكانت العقاب مقدمة لنهاية الدولة الموحدية، المعركة الفاصلة التي كسرت المسلمين وأدت إلى تراكم الأحداث، والكم الهائل من التساقطات في منطقة الأندلس.

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

فن إسلامي إشبيلي ضائع من أيدي أصحابه

 

* النصارى يخربون الأندلس:

أراد ألفونسو الثامن أن يحصل على نتائج أعظم مما أخذها، فأخذ يستولي على الحصون الإسلامية يخرب ويدمر حتى المساجد فما ترك مسجداً إلا دمره، وما ترك الأسرى حتى النساء والأطفال والشيوخ إلا وأعمل السيف بهم يتفنن بالقتل.

 

* عام 609هـ - 1213م الغدر بأهل أبده:

- فحاصر "أبده" بعد أن مر على مدينة "بياسة" خالية من سكانها، فأحرق الدور وقتل من وجد بها من الجرحى والضعاف والأطفال، فدافع أهل أبده دفاعاً مستميتاً ثلاثة عشر يوماً، وصمد المسلمون، لكن جيش الصليبيين كثير العدد يقدر بمائة ألف عسى أن يفعل أهل أبده؟

اتصلوا يعرضون الصلح والأمان على دينهم وأنفسهم مقابل أن يدفعوا ألف ألف دينار "مليوناً"، فوافق ملوك النصارى (ألفونسو الثامن، شانجة، بيدرو الثاني)، على ذلك لكن القساوسة والرهبان عارضوا تنفيذ العهد وأصروا على الاستسلام دون قيد أو شرط، والمسلمون لا يعلمون من ذلك شيئاً، ففتحوا الأبواب لعهد الملوك، و{ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون } [النمل: 34].

 

* مأساة أبده:

- فكان الغدر وهذه سمة غالبة على الروح الصليبية، واستباح الجند الصليبي المدينة، وحاول أهلها الدفاع فقتل منهم ستون ألفاً – أكثر مما قتل في معركة العقاب – وأسر منهم ستون ألفاً أرسلوا إلى ممالك أوروبا يبُاعون في كل أرجائها، حتى إن الرواية النصرانية تزيد العدد إلى مائة ألف وخربت المدينة حتى أصبحت قاعاً صفصفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

* عام 610هـ - 1214م وفاة الناصر:

- عاد الناصر بعد ذلك إلى المغرب، واستقر في مراكش، وأخذ البيعة لابنه أبي يعقوب الذي لقب بالمستنصر، ثم لزم قصره لا يكلم أحداً ولا يخرج إلى أحد إلى أوائل شهر شعبان سنة 610هـ، حيث توفي متحرقاً، همّاً وغمّاً لما أصاب المسلمين في عهده، على الأغلب، وإن كانت هناك روايات تذكر غير هذا السبب، رحمه الله تعالى.

محمد الناصر بن يعقوب ومعركة العقاب - عهد الموحدين

بعض الخدم في إحدى القصور وظيفتهم هي الطرب للسيد وضيوفه

مواضيع ذات صلة

فتح الأندلس...حقائق وعبر الأندلس التاريخ المصور فتح الأندلس...حقائق وعبر

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..