لفلي سمايل

الحكم بن هشام (الربضي)

تاريخ الإضافة : 24-11-1432 هـ

الباب الثاني: الدولة الأموية في الأندلس

 

الفصل الثاني: عهد الأمراء الأمويين

 

ثانياً: الحكم بن هشام (الربضي)

 

* عام 180هـ - 769م تسميته  بالربضي:

- تولى إمارة الأندلس بعد وفاة  والده عام 180هـ ولقب بالحكم الأول، ويُعرف بالربَضي، إذ حدثت في عهده ثورة (الطبقة الشعبية) من منطقة الربَض وهي القسم الجنوبي الغربي من مدينة قرطبة والتي يفصلها عن القسم الشرقي نهر قرطبة، وسبب ذلك أن الفقهاء قد أشاعوا بين هؤلاء الناس أن الحكم يلهو ويلعب، وتضيع أعماله وأوقاته في العبث، ويترك إدارة الحكم ضياعاً، فأثار حفيظة هؤلاء وتجمعوا حول رجل أموي وأسرّوا إليه أن يتولى الإمارة بعد عزل الحكم، لكن هذا الرجل وشى بهم لدى الحكم فجمعهم وقتل منهم مقتلة عظيمة في يوم واحد، وطرد قسماً ممن قام بها، وتتبع  آخرين، وكان قضاؤه على تجمعهم  بقسوة وعنف، وتلك من أحداث سنة 202هـ وسنشرح هذه الحادثة بالتفصيل لاحقاً.

- تولى الحكم وعمره ستة وعشرون عاماً، ويذكر من صفاته أنه حازماً قوياً ولم يكن أكبر إخوته.

- ولما وصل نبأ إمارته إلى المغرب (شمال إفريقية) ثار عليه قريبان له:

 

الحكم بن هشام (الربضي)

إحدى حدائق الأندلس الغناء التي كانت ملهمة للشعراء

 

* ثورة سليمان بن عبد الرحمن الداخل:عام 181هـ 797م:

- سليمان بن عبد الرحمن الداخل ـ وقد مرّ ذكره في إمارة هشام ـ جمع أنصاره وأتباعه وكان معظمهم من البربر، وعبر المضيق، وزحف باتجاه قرطبة، وكاد يدخلها لكنه فشل في اقتحامها، ثم انحرف نحو الغرب فتتبعه الحكم بقواته، واستطاع أن يقتله قرب (ماردة) عاصمة الغرب وانتهت ثورة العم على ابن أخيه في عام 184هـ.

 

* عام 181هـ 797م ثورة عبد الله بن عبد الرحمن الداخل:

- عبد الله بن عبد الرحمن الداخل ـ مرّ ذكره أيضاً في إمارة هشام ـ حاول مثل سابقه أن يحشد أتباعه وأنصاره ليثورعلى ابن أخيه الحكم، فأرسل إليه الحكم يعرض عليه الإمارة على بلدة بلنسية ويغريه بالمناصب والأموال، ويحذره من مَغبة ثورته أن تكون نهايته كأخيه سليمان، فرضي عبد الله بولاية (بلنسية) لذلك يُعرف في التاريخ باسم (عبد الله البلنسي)، فأنهى الحكم هذه الثورة بحكمة وتعقل.

 

* عام 181هـ 797م ثورة المولدين:

- كما قامت على عهده ثورة من نوع جديد غير معهود من قبل، وذلك أن المسلمين من العرب والبربر الذين قدموا من المغرب في الفتح وبعده قد تزوجوا بنساء من أهل الأندلس وقد أطلق المؤرخون اسم المولدين أو المستعربين عليهم أو على أولادهم، هم مسلمون ولكن تختلف طبائعهم وأشكالهم عن المسلمين العرب والبربر، فقام هؤلاء بثورة على الحكم يتزعمهم رجل يدعى عبيدة بن حميد، فاختار الحكم قائداً من المولدين أيضاً يدعى عمروس (كل اسم ينتهي بالسين أو النون يعود غالباً إلى أسماء المولدين)..

- ثاروا في طليطلة وسيطروا عليها، وتمكن عمروس من إعادة السيطرة على طليطلة، وفتت جموع القائمين بالثورة، وشتت شملهم وأجهض حركتهم.

- لكن(عمروس) تظاهر بعدائه للإمارة، وأنه ثائر على من أرسله، وأعلن أنه يجمع الثائرين للهجوم على قرطبة، فأخبر الحكم بذلك إذ تجمع حوله الثوار.

- فأرسل الحكم جيشا يقوده ابنه عبد الرحمن، توجه كأنه لا يريد إخضاع طليطلة بل يريد حماية الحدود الأندلسية وثغورها في الشمال، وعندما جاوز حدود المدينة التف عليها وطوقها، وتمكن من الدخول إليها وقتل من قواد المولدين حولي(700) رجلاً، فأحبط بذلك بداية ثورة خطيرة لو نشبت لكان لها دور كبير في إثارة الاضطرابات والثورات.

 

* أوضاع الأعداء حول الإمارة:

 

* أحوال القوط:

- حدث انشقاق في صفوف القوط عام 183هـ، إذ انفصل رجل يدعى (اذوار) عن المملكة الشمالية، فأسس مملكة  دعيت باسم (نافار) وعاصمتها (بنبلونة).

- وبقيت مملكة القوط في أقصى شمال الغرب يحكمها (ألفونسو الثاني) وعاصمتها (جيليقية).

 

* عام 185هـ 801م لويس بن شارلمان:

- وخلف بعد موت (شارلمان) ملك فرنسا ابنه (لويس)، وأراد بعداوته الصليبية أن يحقق شهرة، فقام بالهجوم على شمال الأندلس، وكان جنوب فرنسا بيده أصلاً، إذ أخرج المسلمون بسبب تفرقهم الذي مرّ ذكره، فاحتل لويس شارلمان عام 185هـ برشلونة بعد أن اخترق جبال البيرينية، وفتك بأهلها، فأرسل الحكم أخاه سارية بحملة لرد لويس فهزم هزيمة منكرة، ثم أرسل جيشاً يقوده عبد الملك وعبد الكريم ابنا مغيث عام187هـ فما استطاعا أن يفعلا شيئاً، ويبدو أن لويس قاد عسكره إبان حياة والده شارلمان، لأن شارلمان توفي 198 هـ وهذا من المحتمل جداً..وأراد لويس (الذي يسميه المسلمون لذريق بن شارلمان) أن يوسّع دائرة مملكته فحاصر عام 192هـ طرسونة، فبعث  الحكم ابنه عبد الرحمن في جند استطاع أن يهزمه ويفك الحصار عن المدينة، فكرر الهجوم في العام التالي وطمع ببلاد المسلمين ـ وهذا دأب الفرنج ـ فلاقى مثل ما لقي العام السابق، وفي عام 193هـ عبر ألفونسو الثاني النهر الفاصل بينه وبين المسلمين ولأول مرة، ويصل إلى (قلبيرة) و (لشبونة) ويحتلها ويخرج المسلمين.

 

- وزاد من هذا الصراع والاختلاف بين المسلمين أنفسهم، وهجوم الأعداء من الفرنج والقوط في الأندلس، صراعٌ في المشرق العربي (العباسيين) إذ تحارب الأمين والمأمون على الخلافة بعد موت والدهما هارون الرشيد في عام 193هـ، كما تزامن الصراعَ في فرنسا إذ مات شارلمان الكبير199هـ واختلف أتباعه فيمن يتولى بعده، فأرسل الحكم في عام 200هـ نحو شمال الغرب (جيليقية) مستغلاً نزاعهم عبد الكريم بن مغيث أحد وزرائه، فأنزل بهم ضربات قوية وأوقف تقدمهم.

 

الحكم بن هشام (الربضي)

 

الحكم بن هشام (الربضي)

التسليح لدى الجندي النصراني

 

* ثورة الربض:

- كان شأن الحكم بتصرفاته يثير دهشة الناس، ويوجب التفكير، لذلك احتار الناس في الحكم عليه، هو حاكم ماجن يلهو ويلعب، وهو في الوقت ذاته مجاهد شجاع، فمن يكون؟ وما طبيعته؟

 

* موقف العلماء:

- رأى الفقهاء أن من كان في مثل حاله لا يصلح أن يحكم الناس، ولا يجوز أن يكون مثله سلطان المسلمين، وكان هذا رأي عالمين جليلين هما: (يحيى بن يحيى الليثي) ولد عام 152هـ وتوفي 234هـ،  سمع الموطأ من الإمام مالك، قال عنه ابن عبد البر: قدم يحيى بن يحيى الأندلس بعلم غزير فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار الفقيه عليه وانتهى السلطان والعامة إلى رأيه، وكان فقيهاً حسن الرأي، ومن فتاواه: أن عبد الرحمن بن حكم صاحب الأندلس، نظر إلى جارية له في رمضان فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين فسكت العلماء، فلما خرجوا قالوا ليحيى: مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنه يخير بين العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة، فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود، وكذلك كان رأي العلم الآخر.

- وهو (طالوت المعافري) فدعا العالمان إلى عزل هذا الخليفة الذي لا يصلح للحكم، مما جعل الناس ينتظرون فرصة مواتية للهياج والثورة.

 

الحكم بن هشام (الربضي)

حركة الفكر والثقافة العلمية المزدهرة

 

* عام 202هـ 817م الثورة الشعبية:

- وحدثت حادثة ـ وإن كانت صغيرة ـ لكنها كانت مناسبة  للثورة الشعبية العارمة وكان الناس ينتظرون ذلك، إذ أصلح حداد من عامة الناس سيف جندي من حراس الحكم لم يعجبه عمله فقتل الحداد ظلماً وجبروتاً معتمدا ًعلى سلطة الحكم، واحتشد الناس على هذا الحارس فقتلوه، ثم قامت الثورة الشعبية العارمة – وقد كانت مهيأة في النفوس- فعبر الثائرون قنطرة قرطبة وحاصروا قصر الحكم وأتباعه في الجهة الشرقية، ولم يستطع عبد الكريم بن مغيث الرومي أن يقوما بهجوم مضاد ليخترقا صفوف المحاصرين بثلة من الجنود، فعبرا القنطرة  وصارا يشعلان النار في بيوت الثائرين وعامة الشعب، مما اضطر المحاصرين أن يفكوا الحصار ويسرعوا لإخماد النيران التي تأتي على بيوتهم وأموالهم وأهليهم ولم يبق إلا القليل حول القصر، فأمر الحكم حراسه بالهجوم فقتلوا من بقي منهم، ثم كرّوا على أهل الربض فقتلوا من بقي منهم، ثم كرّوا على أهل الربض قتلوا منهم مقتلاً عظيماً، وأوقف الحكم الهجوم بعد ذلك.

 

* ترحيل الربضيين:

- وأمر بعد ذلك بأمر عجيب هو ترحيل أهل الربض كلهم، أي حاكم يطرد شعباً كاملاً؟!  نعم، قد فعل الحكم بن هشام ذلك! لذلك لُقب بالحكم الربضي كما مرّ، فارتحل الربضيون مجبرين إلى فاس في المغرب ثم إلى الإسكندرية في مصر، ومكثوا عشر سنوات في الإسكندرية، لكن أهلها ضجوا منهم فأمر والي الإسكندرية عبد الله بن طاهر بإخراجهم منها أيضاً، فأين يذهبون؟ وأين يستقرون؟ ارتحلوا بما توفرت لهم من السفن ومخروا عباب البحر الأبيض المتوسط، حتى مرّوا بجزيرة فيها حامية بيزنطية قليلة هجموا عليها وفتحوها، وهي جزيرة كريت الحالية في بحر إيجة، وكان العرب يطلقون عليها اسم (إقريطش)، أسسوا الدولة الربضية المسلمة، وكان قائد الربضين هو عمرو بن عيسى البلوطي، استمرت هذه الدولة المسلمة مائة عام إلى أن استردها البيزنطيون منهم.

 

الحكم بن هشام (الربضي)

الربضيون يغادرون الأندلس إلى مصر مكرهين

 

* عام 206هـ - 821 م نهاية الربضي:

- دام حكم الربضي مدة طويلة: من عام 180- 206هـ، ستاً وعشرين سنة، لما شعر الحكم بدنو أجله، وبلغ من الكبر عتياً، ندم ندماً شديداً على أعماله، وعاتب نفسه على ما اقترفت يداها، فأعلن توبته على الملأ إذ كان يخطب بالناس في الجمعة والأعياد، واعتذر منهم قائلاً:( إن الآخرة هي الأبقى والأولى )، ثم إنه تزين بالتقوى، واعتصم بالعروة الوثقى، مقراً بذنوبه، مستغفراً ربه خاضعاً ذليلاً متواضعاً يستأنس بقوله تعالى:{ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } الأنفال:38.

- وأناب إلى الله ولكن كما يقول المثل: بعد خراب البصرة، وكانت نهايته صالحة، عسى الله أن يغفر له، ومات في عام 206هـ.

- يدفع شعور الناس (معظمهم) بالنقص في مركزهم الاجتماعي، وبالنقص في حقوقهم العامة، وكذلك الشعور بالحيف من المسئولين أو نوابهم ، بالإضافة إلى وجود عناصر تستغل هذا الشعور، إلى الثورة والقلاقل مما يؤدي إلى اضطراب الأمن والاستقرار.

- يدفع هؤلاء إلى النقمة فالثورة مستغلين أي فرصة بادرة، كفرض ضريبة جديدة على الحاجات الضرورية لسواد الشعب مثل المواد الغذائية أو الملابس أو السكن، وعندهم الاستعداد للعصيان وبخاصة إذا كان الحاكم قد عمد إلى إظهار فخامة الملك، وكثرة الخدم والحشم، وبنى القصور وجلب وسائل الراحة المتعددة، وأغرق في الترف والإسراف، ونسي الأحياء الشعبية حسب المصطلح الحديث، فأهمل الجوانب العمرانية  والاقتصادية ولم يلتف إلى تعليم سكانها، ولم يبد التفاتاً إلى العناصر المكونة للمجتمع والمتعددة، ولم يتحسس النار التي تحت الرماد، بل يلجأ إلى التهديد والبطش والتخويف، فتلك إذن قاصمة المُلك والحكم.

- لقد أغفل الربضي تلك الأمور، فكانت الفجيعة في الربض، وكان خراباً بعد خراب، وترحيل قسم كبير، وليس هذا بعلاج! وهو الذي أكثر من جلب المولدين، والفئات الأخرى واستعان بهم.

 

الحكم بن هشام (الربضي)

منظر للمحراب في مسجد قرطبة والذي زين بأجمل ألوان الفسيفساء

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..