لفلي سمايل

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

تاريخ الإضافة : 12-11-1439 هـ

الباب الرابع:

 

نهاية الأندلس

 

الفصل الأول: تفكك الأندلس

 

أولاً: تساقط المدن:

 

* ظهور بني الأحمر:

- أبو عبد الله، الغالب بالله محمد بن يوسف بن محمد بن خميس بن نصير بن قيس بن سعد بن عبادة، (والأخير من سادات الخزرج)، ومن الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم (في بيعة العقبة، وكان أحد النقباء الإثني عشر) كان يقيم في وسط الأندلس في حصن يدعى "أرجونة" على مقربة من الوادي الكبير، وقد عرف بتواضعه، وبكثير من الشجاعة والإقدام، ويتمتع بالرواية والدهاء وحسن السياسة، وانتقل من حصن أرجونة إلى مدينة جيان، وبدأ يدعو للموحدين ثم لبني حفص ثم للخليفة العباسي المستنصر بالله، واشتهر باسم ابن الأحمر.

 

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

كان المسجد مكانًا للعبادة ومجلساً لإدارة شؤون الأمة

 

* ابن هود في مرسية:

في هذه الأثناء ظهر أمر ابن هود، وهو أبو عبد الله محمد بن يوسف (سليل بني هود ملوك مدينة سرقسطة أيام الطوائف) وقد ظهر أمره على مقربة من مدينة مرسية، ثم بسط سيطرته على مرسية، وبويع له سنة 622هـ وأرسل إلى الخليفة العباسي المستنصر بالله يقرّ له، وانضوى اسمياً تحت راية العباسيين، وخلع طاعة الموحدين، ثم امتدت دولته إلى إشبيلية إذ راسله أهلها كما انضمت إليه مدن أخرى، ولقب نفسه (أمير المسلمين) سيف الدولة والمتوكل على الله، ولم يكن ذا صفات تؤهله للقيام بدور حماية الأندلس، فقد هزم في عدة معارك ضد مملكة قشتالة، فقد سقطت قرطبة كما رأينا، ولم ينصر به جيش، ولا وفق له رأي لغلبة الخفة عليه، واستعجاله الحركات، ونشاطه إلى لقاء الأعداء من غير كمال استعداد، كما ذكر عنه ابن الخطيب، ولم يكن في وفاق مع بني الأحمر أحياناً، ثم توفي في مدينة المرية سنة 635هـ.

 

* عام 635هـ - 1238م توسع حكم بني الأحمر:

- أرسل أهل غرناطة إلى ابن الأحمر يستدعونه، وهنا أعلن أنه أمير يدعو للعباسيين، وبويع بذلك أميراً لمملكة غرناطة، وذلك في يوم الجمعة 26 رمضان سنة 635هـ، ومدّ سلطانه على المرية، ودخلت مدينة مالقة تحت طاعته سنة 636هـ.

 

* دولة بني الأحمر (الأندلس الصغرى):

- وهكذا بدأت الدولة الجديدة (الأندلس الصغرى) دولة بني الأحمر في جنوب الأندلس، واجتمع في ظلالها مجموعات أهل الأندلس النازحين من المدن التي تتساقط بيد النصارى الصليبين.

 

* عام 636هـ - 1239م سقوط بلنسية:

- علم ملك أرغون "خايمي" (أو جايميس الأول) أن معركة أنيشة قد ثبطت همم المسلمين في بلنسية، وأن مئونتهم قلت، ونقصت أعدادهم، وأن حاكم مرسية أو غيره من أمراء المسلمين لن يستطيعوا أن يمدوهم بقوة، وخشي أن يسبقه إليها فرناندو الثالث ملك قشتالة التي ضمّت قرطبة قبل عام، كما حرض البابا من قبل أن تكون معركة بلنسية حرباً صليبية، لذلك كله بدأ بإتمام المرحلة الأخيرة لإسقاط بلنسية، ولم يكن قد بقي سواها للمسلمين في شرق الأندلس، فأقسم خايمي أنه لن يرجع قبل أن تسقط، ولذلك سيصحب معه زوجته الملكة وابنته الأميرة.

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

الأدوات الجراحية الطبية التي اخترعها المسلمون

 

* خايمي يحاصر بلنسية:

- فسار بقواته قاصداً إياها، ودانت الحصون والقرى الإسلامية في الطريق إليها، وتوالت الإمدادات والأعداد وهو يقترب منها حتى بلغ عدد جنده من الفرسان عشرة آلاف، ومن المشاة ستين ألفاً، فأحكم الحصار على المدينة، وكان أهلها قد عزموا للدفاع عنها حتى آخر رمق بالرغم من قلة عددهم وضعف مئونتهم، ووجه أميرها رسله إلى المواقع الإسلامية القريبة في طلب النجدة والمدد، كذلك أرسل كاتبه ووزيره أبو بكر بن الأبار إلى إفريقية إلى بني حفص، وأميرهم أبو زكريا الحفصي فألقى في مجلسه قصيدة تعد من أروع القصائد الأندلسية تستثير الهمم، وتحرك الشجون:

 

- استنهاض بني حفص في المغرب:

أدرك بخيـلـك خيلَ الله أنـدلسـا                        إن السبيل إلى منجاتها درسا

يا للجزيرة أضحى أهلها جزراً                       للنائبات، وأمسى جدّها تعسا

تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم                         إلا عقائلها المحجوبة الأنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة                               ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا

مدائن حلّها الإشراك مبتسماً                           جذلان، وارتحل الإيمان مبتئسا

يا للمساجد عادت للعدا بيِعاً                            وللنداء غدا أثناءها جـرسا

صلْ حبلها أيها المولى الرحيم فما                    أبقى المراس لها حبلاً ولا مَرَسا

هذي رسائلها تدعوك من كثب                        وأنت أفضل مرجوَّ لمن يئسا

واضرب لها موعداً بالفتح ترقبه                      لعل يوم الأعادي قد أتى وعسا

 

* الحفصي يرسل الإمدادات:

هذه بعض أبيات من قصيدة طويلة تصف حال الأندلس في تلك الفترة العصبية، فتأثر الأمير الحفصي وجهز أسطولاً من ثماني عشرة سفينة محملة بالإمدادات، ولكن حال الحصار الشديد من وصولها إلى أهل المدينة، واشتد البلاء، فراسلوا ملك أراغون، واتفقوا على أن تسلم المدينة بعد خمسة أيام صلحاً، وينتقل أهلها إلى مدينة دانية.

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

الأدوات الجراحية الطبية التي استعملها المسلمون

 

* هجرة أهل بلنسية:

- وانتقل أهلها (خمسون ألفاً من المهاجرين) يأخذون المدد والقوات في دانية من السفن التي وصلت إليها والتي بعث بها بنو حفص.

 

* عام 636هـ - 1239م احتلال بلنسية:

- وفي يوم الجمعة السابع والعشرين من صفر سنة 636هـ، دخل الملك الأراغوني وحاشيته وجنده المدينة، فحولت المساجد في الحال إلى كنائس بعد أن بقيت بيد المسلمين خمسة قرون أو أكثر.وكانت مصيبة كبيرة فادحة نزلت بأهلها أولاً ثم بالأندلس، وبسقوطها لم يعد من قواعد الشرق شيء بيد المسلمين، إذ توالت سقوط المدن الإسلامية وكأنه قد فرط العقد الضّام لها.

 

* سقوط جزيرة شقر:

- فسقطت جزيرة شقر سنة 639هـ الواقعة جنوب بلنسية.

 

* عام 640 هـ - 1243م انفراط أمر الأندلس:

- وفي سنة 640هـ مات الرشيد آخر حاكم من حكام الموحدين، فبقيت الأندلس بدون قيادة ولو اسماً، فلا الموحدين باقون، ولا بنو مرين في طور نشوئهم يستطيعون، ولا بنو حفص في إفريقية يتمكنون، ولا بنو زيان قادرون.

- ويا لها من فرصة، فترة كغنيمة باردة أو لقمة سائغة للنصارى القشتاليين أولاً (وهي أقوى مملكة النصارى في الأندلس)، وللنصارى الأراغونيين ثانياً: (وهي المملكة التي تلي قشتالة قوة)، وكلتاهما تنهشان الجسد الذي بدا عليه الضعف والخور.

 

* توالي التساقط:

- سقطت دانية سنة 641هـ ،وتلتها مدينة جيان فسقطت سنة 643هـ من أهم مدن الأندلس الشرقية، فشاطبة التي سقطت بعدها في سنة 644هـ.

 

* عام 644هـ - 1246م سقوط مرسية:

* كان المسلمون في مرسية سنة 636هـ يدفعون الجزية للقشتاليين ليحموهم، واستمر ذلك إلى أن تم الاتفاق بين مملكة أراغون وملك قشتالة على أن يأخذوها ويقتحموها، يقول ابن عذارى:

- بدأ الضغط الأراغوني، واشتد على أهل مرسية حصار العدو وتألبه، فأعطوا مرسية للنصارى سنة 644هـ وتركوها وخرجوا منها بالأمان إلى "الرشاقة"، إلى أن أخرجهم بالأمان بعد عشرة سنوات، ولكنهم غدروا بهم بموضع يعرف "ببوركال"، فقتلوا الرجال، وسبوا النساء والأطفال، وتحكموا فيهم كيف شاؤوا بالسيوف وبالرماح.

- ضاع الشرق الأندلسي، وتوالت التساقطات، وماذا عسى أن يفعل أهل الأندلس، فانتهت سيادة الإسلام في تلك البقعة الكبيرة.

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

النصارى يدخلون المدن الأندلسية

 

* سقوط إشبيلية:

 

* عام 645هـ - 1247م حصار إشبيلية:

- كانت إشبيلية تجلب أنظار ملك قشتالة فرناندو الثالث، وكذلك أطماع الرهبان والقسيسين والفرسان من متطوعة النصارى، فقد كانت عاصمة الموحدين، وكانت تتمتع بنوع من الاستقلال الخاص بها، فبدأ فرناندو الثالث بحصار إشبيلية سنة 645هـ، وكانت قد فقدت معظم أعمالها وحصونها، وكذلك خطوطها الدفاعية الأولى من الحصون الأمامية منذ سنة 644هـ.

- بدأ القشتاليون بحصار إشبيلية، ولم يكن حصارها سهلاً إذ لابد لحصارها من القوات البحرية والبرية، كما أن أهل إشبيلية قد تهيؤوا للدفاع  عنها وقد جهزوا الطعام والمؤن، وقد سجل التاريخ دفاعهم المستميت عن المدينة.

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

إشبيلية، الأسوار: جهات السور المغربي بجدرانها المسننة وبروجه ومقدم داره مبنية بالآجر الذي ظل حاله محفوظاً بشكل مذهل

 

* عام 646هـ - 1248م جلاء أهل إشبيلية:

- كانت تقع بعض المناورات بين أهل إشبيلية والمهاجمين، مرة لهؤلاء ومرة لأولئك، ولكن أين من يأتيه المدد ممن لا يأتيه مدد، فقد كانت جحافل النصارى من الأندلس، وجماعات المتطوعة من الفرسان تفد إلى القشتاليين من بقية الممالك النصرانية، ومع ذلك بقيت إشبيلية صامدة طوال تسعة أشهر، حتى بدأت تدب إليها ويلات الجوع، وشحت الموارد، وقلت المؤن، فراسل أهلها فرناندو الثالث على أن يخرجوا آمنين فرضي بذلك، وأعطاهم الأمان فخرج منها أهلها (ما يقدر بأربعمائة ألفاً)، فتفرقوا أشتاتاً إلى الأندلس أو إلى المغرب، يقول ابن عذارى: تجرع أهل إشبيلية كثيراً من الأذى، ونالهم الأسى أشدّ منه، وأدى رحيلهم عنها وقلوبهم حزنى، يجللهم النكد، ويفريهم (يقطعهم) فراق البلد، وذلك في السابع والعشرين من رمضان سنة 646هـ، حيث جرعُ أهلها كأس الحمام من كثرة المجاعة، وعدم الطعام، فكل منهم في بحر المنايا غائص وعام، مما حل بهم من الأوجاع والآلام.

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

رسم تذكاري يرثي لنا إشبيلية بعد ضياعها من أيدي المسلمين

 

تفكك الأندلس - نهاية الأندلس

بعض الأبراج الإسلامية في إشبيلية الباقية حتى اليوم

 

* ضاعت إشبيلية:

- ضاعت إشبيلية لضياع أهل الأندلس، وإنما البلاد بالرجال، فإذا ولّوا ولَّتْ، أو ليس من الأحداث المؤلمة التي تنفطر لها النفس، أن يكون أمير غرناطة المسلم على رأس قوة من فرسانه يقاتل إلى جانب القوات النصرانية المحاصرة؟

- ضاعت إشبيلية ذات التاريخ العظيم، موطن العلم والعلماء، وسقطت عروس الأندلس تبكي على فرقة المسلمين وتمزقهم وتشكو قلوباً ميتة لم تعد تصحو من غفلتها.

- بقيت إشبيلية بيد المسلمين أكثر من خمسة قرون، وتلا سقوطها سقوط الحصون التابعة لها، فلم يعد للأندلس من يحميها أو يدافع عنها!

مواضيع ذات صلة

موسى وطارق يفتحان الأندلس الأندلس التاريخ المصور موسى وطارق يفتحان الأندلس

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..