لفلي سمايل

ثورة الخوارج في الشمال الإفريقي

تاريخ الإضافة : 16-9-1432 هـ

الفصل الثالث: عهد الولاة

 

* رابعاً: ثورة الخوارج في الشمال الإفريقي:

- بدأت تظهر في هذه الفترة الفتن والقلاقل في الشمال الإفريقي بشكل خاص من مختلف الفرق وأنصار الولاة، وكانت فرقة الخوارج أكثرها إثارة واضطراباً في المشرق الإسلامي ثم في الأندلس.

- ظهر الخوارج أصلاً في جيش علي رضي الله عنه وكفروه لأنه رضي بالتحكيم، وكفروا كل من رضي بالتحكيم، فقاتلهم علي رضي الله عنه، ودمّرهم وكاد يقضى عليهم في معركة (النهروان) على شاطئ الفرات، لكن الخوارج جمعوا شتاتهم في العهد الأموي عدة مرات، فأثاروا الاضطرابات، وسفكوا الدماء، ونشروا الرعب، لكن الأمويين عاجلوهم ولاحقوهم، ولعلّ الفضل الأكبر في تمزيق هؤلاء يعود للقائد المحنك (المهلب بن أبي صفرة) الذي لا حقهم في كل مكان في المشرق الإسلامي.

- ففر الخوارج فرادى وأشتاتاً وجماعات ٍ إلى الجزائر وتونس وليبية، وتجمعوا بشكل خاص في المغرب الأقصى، وكانوا متعصبين لفكرتهم، شديدي التمسك بمبادئهم، نشروا مذهبهم بين البربر وغيرهم، وساعد على ظهور الخوارج شعور معظم البربر بالظلم الذي كان يعاملهم به عمال بني أمية، وكذلك الشعور بالغبن من عدم مساواتهم في التعامل ببقية المسلمين.

- استغل هذا الوضع رجل يدعى (ميسرة) فقادهم بعد أن جمعهم للثورة على والي طنجة: عمرو المرادي -الذي كان شديداً يبطش بهم- فقتله، وولّى خارجياً على طنجة يدعى عبد الأعلى بن جريج، وبعد احتلال طنجة توجه نحو (السوس) فاحتلها، وتقدم باتجاه القيروان.

 

ثورة الخوارج في الشمال الإفريقي

الخوارج يثورون في الشمال الإفريقي

 

* من هم الخوارج؟

- كان الخوارج من المسلمين لكنهم يتمسكون بظاهر الألفاظ، ويكفّرون أهل الذنوب الكبائر، ولهذا خرجوا على جماهير المسلمين، واعتبروا مخالفيهم مشركين، وأقضّوا مضاجع البلاد والعباد، وكانوا فتنة عظيمة في كل مكان ظهروا فيه، كانوا كثيري العبادة والتلاوة، ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام:( يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمّية ) رواه مسلم وأبو داود.

- وفي حديث آخر:( يخرج في هذه الأمة -ولم يقل منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم -أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرّميَّة ) رواه مسلم وأبو داود.

 

* القتال مع الخوارج:

- أرسل والي مصر خالد الفهري إلى قائد الجيش الذي كان في البحر: أن ِ اترك ِ البحر وأوقفْ تقدم الخوارج، لكن الخوارج انتصروا عليه في أول لقاء بينهما، وازداد اقترابهم من القيروان عاصمة إفريقية، لأن من يقاتل من أجل عقيدة أو مبدأ -حتى وإن كان باطلاً- يكون أشدُّ بأساً، لأنه يقاتل لمبدأٍ لا لغنيمة.

- وشاء الله سبحانه أن يحدث خلاف بين الخوارج أنفسهم، فقد استطاع أحدهم ويدعى (خالد الزيتاني) إقصاء (ميسرة) من زعامة الثائرين وتولى هو شأن الخوارج.

- هنا شعرت الخلافة في دمشق بخطر الخوارج في الشمال الإفريقي شعور جدّ، فأرسلت جيشاً قوامه (30) ثلاثون ألفاً بقيادة (كلثوم بن عياض القسري)، وكان طاعناً في السن شيخاً كبيراً، بلغ الثمانين من العمر، لكن ابن أخيه (بِلج بن بشر) كان يقود الجيش فعلياً ويدير أمره، والتقى الجيشان، جيش الشام وجيش الخوارج  قرب القيروان في قرية تدعى (قدورة)، وجرت معركة قتل فيها كلثوم القسري، وقتل معه (حبيب) قائد جيش البحر، وانتصر الخوارج، واشتد الأمر على المسلمين، إلا أن (بلج بن بشر) استطاع أن يفلت هو وسبعة آلاف من جند الشام وأن يلتجئ إلى (سبتة) ويتحصن فيها، فحاصره الخوارج بقيادة رجل يدعى (عبد الواحد الهواري) وثبت (بلج) وما استطاع الخوارج اقتحام (سبتة).

- تقلص نفوذ الأمويين في شمال إفريقية،وخضع الشمال كله للخوارج ولم يبق إلا (سبتة)، وتقدم جيش آخر للخوراج تجاه القيروان بقيادة (عكاشة الفزاري) يريد إنهاء سلطة الأمويين من العاصمة.

 

* عام 124هـ - 742م تمزيق الخوارج في أفريقيا:

- خشي (هشام بن عبد الملك) الخليفة في دمشق من ضياع هذه المنطقة من بين يديه، فقررّ إرسال جيش ضخم العدد والعدة بقيادة (صفوان الكلبي) سنة 124هـ لإيقاف الزحف الخارجي والقضاء عليه، فاستطاع ضرب الخوراج والبربر، ومزّقهم، وقضى على ثورتهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وطردهم عن المناطق التي احتلوها، ماعدا منطقة (طنجة) فإنها بقيت بيد الخوارج، وتقع (سبتة) ضمن هذه المنطقة، لكن الخوراج يحاصرون الأمويين في مدينة (سبتة) وفيها (بلج بن بشر) الذي لم يبق له منفذ إلا عن طريق المضيق، فراسل واليَ الأندلس عبد الملك بن قَطَن يسأله المدد والمؤن والطعام، لكن هذا الظالم كان يفكر بمنطق العصبية، فلم يساعد (بلجاً) بشيء وما مدّ له يد العون، خشية أن يسلبه ولايته فيما إذا اشتد وقوي شأنه.

- واشتدت الحال على (بلج) وساءت الأوضاع نتيجة الحصار، فسمع بذلك أحد التجار الأندلسيين متأثراً بوضع المسلمين بما يجري هناك فأرسل سفينتين محملتين بالطعام والطحين إلى سبتة، يسُدُّ بذلك بعض حاجات المسلمين، لكن عبد الملك بن قطن أعدم التاجر لما بلغه هذا العون منه.

 

* عندما تنقطع المودة والرحمة بين المسلمين ويبلغون هذا الحد من القسوة فيما بينهم فلا عجب أن يطمع بهم أعداؤهم وتتفرق دولهم.

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (2)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..

أبو مسلم

أخي إبراهيم بارك الله فيك ،أودّ أن أنبّه أنّك ذكرتَ في كلامك " وما لهذا خلق الله الخلق بل خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ، وتحقيق الدّيمقراطيّة - التي فهمتُ من كلامك أنّك مؤيّد لها - يتعارض مع توحيد الله بل هو شرك بالله تعالى ، لأنّ الدّيمقراطيّة مبدأ كفريّ وشركيّ يجعل الحكم للشّعب ، ومن توحيد الله إفراده بالحاكميّة والتّشريع فلا يُحَكّم غير شرع الله -عزّ وجلّ- في قليلٍ أو كثير ، والدّيمقراطيّة ليست من الإسلام فينبغي التنبّه والتّنبيه على هذا الأمر .

Ibrahim

هذا والله حال المسلمين اليوم يتخبطون في بعضهم البعض هذا يقتل ذاك ويكفر بعضهم بعضاً، ويستبيحون أموال وأملاك وحرمات بعضهم البعض، وكل ذلك بحجة الثورات على الظلم وتحقيق الديمقراطية التي لم ولن تتحقق مادام الخلق ينحرفون عن شريعة الخالق وهدي رسوله الكريم، وما لهذا خلق الله الخلق بل خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحرم عليهم إستباحة أعراضهم وأموالهم وذممهم، نسأل الله الهداية.