الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب
الفصل الثاني : عهد المرابطين
رابعاً: علي بن يوسف بن تاشفين عام 500 هـ -1107م:
* الوضع في الأندلس:
- اختاره أبوه للصفات التي سبق ذكره، وعقدت له البيعة في نفس اليوم الذي مات فيه والده قبل أن يُوارى جثمانه، وكان في الثالثة والعشرين من العمر لما بويع، وبايعه قبل كل الناس أخوه تميم حرمه لوصية والده، وكان كما أراد له والده: فاقتفى أثر أبيه، وسلك سبيله في تعضيد الحق، وإنصاف المظلوم وتأمين الخائف، وقمع المظالم، وسدّ الثغور ونكاية العدو، فلم يعدم التوفيق في أعماله، والتسديد في حسن أفعاله، وذكر عنه المؤرخون بأنه كان عالي الهمة، فسيح المعرفة عظيم السياسة، يحب العلماء ويؤثر مجالسهم.
- فجاز المغرب وأتى إلى الأندلس لينظم أمورها في عام 500 هـ ، وعين أخاه تميماً قائداً عاماً للجيش المرابط في الأندلس، وأرشده إلى المبادرة لإتمام المساعدات اللازمة لمتابعة الجهاد، ثم عاد إلى المغرب.
منظر لفناء مسجد قرطبة وقد حول إلى مزار للسياح وأوقفت فيه الصلاة والعبادة منذ خروج المسلمين من الأندلس إلى الآن - فتراه يحن لصوت مؤذن الصلاة وقراءة القرآن وخشوع المصلين
* عام 501 هـ -1108م معركة أقليش (معركة الأمراء السبعة):
- وأرسل إلى أخيه تميم في عام501 هـ ليستأنف القتال باتجاه شرق الأندلس لتدمير الثغور الباقية لدى النصارى، فاتجه صوب مدينة "أُقليش" الواقعة شرق طليطلة وفيها حامية تقدر بعشرة آلاف فارس، لكن هؤلاء فرّوا منها تحت ضغط الجيش المرابطي، واحتموا بحصن منيع لهم قرب المدينة يدعى"أُقليش" أيضا، فأرسل ألفونسو مدداً على عجل بقيادة ابنه الوحيد "شانجة"، وكان صغيراً لم يجاوز الأحد عشر عام، لكنه أرسله رمزا، يعاونه سبعة أمراء من أمراء دولته، حتى سُمّيت هذه المعركة بمعركة الأمراء السبعة، وكسر جيش قشتالة، وقتل ولي العهد كما قتل معه أولئك الأمراء، فتأثر ألفونسو تأثراً بالغاً لضياع شرق الأندلس من سيطرته ولمقتل ولي عهده، ذلك أن الأمير الصبي هجم في قلب المعركة إلى جانب الأمير الذي يشرف عليه، فلم يلبث أن أحاطت به جماعة من فرسان المسلمين وتوالت عليهما الطعان، فسقط شانجة من فوق حصانه، وقد أصابته طعنة قاتلة وسقط فوقه مربيه، ولجأ كثير من القشتاليين إلى الفرار بعد مقتل الأمير ومربّيه، وارتد القائد الكبير "البَرهانش" صوب طليطلة، كما حاول الفرار الأمراء السبعة (الكونتات السبعة)الذين كانوا من أهم القادة في ذلك الجيش القشتالي، وتمت الهزيمة المخزية عليهم، وقتلوا كلهم أثناء هزيمتهم، لذلك أطلق على تلك المعركة: معركة الأمراء السبعة، وغنم المسلمون مغانم كثيرة، لكن المعركة سميت باسم المنطقة التي وقع القتال عليها: "معركة أقليش" وتضاهي معركة الزلاقة أهمية بنتائجها وآثاره، فكانت أعظم نصراً أحرزه المرابطون على قوات ألفونسو السادس، ودعمت مركزهم في المناطق الشرقية والوسطى من الأندلس.
- وقد وقع النبأ المحزن على ألفونسو وقع الصاعقة، فاستسلم للتأوه والنحيب بمحضر من أعضاء البلاط الملكي.
- وقد استشهد من المسلمين جمع غفير، ذكر منهم الإمام العالم الجزولي رحمه الله.
معركة أقليش
* عام 502 هـ - 1109م انقسام دولة النصارى:
* وانقسمت دولة النصارى بعد ممات ألفونسو السادس إلى دولتين:
1- دولة في الشرق والشمال والوسط، وملكها ألفونسو المحارب.
2- دولة في الغرب "البرتغال" و"جيليقية" شمال الغرب، ويحكمها ألفونسو السابع.
* عام 503 هـ - 1110م علي بن يوسف يعبر لحصار طليطلة:
- عزم أمير المسلمين علي بن يوسف على عبور المضيق والوصول إلى الأندلس لمتابعة الجهاد، فأعد جيشاً توجه نحو طليطلة للضغط عليها حتى تستسلم، وكان ألفونسو المحارب قد أعدّ نفسه، وجهّز قواته لتفادي ضغط المرابطين، والصمود إن هاجموا.
* عام 503 هـ - 1110م معركة القضاة:
- فتصدى النصارى للمرابطين على الطريق في منطقة "مجريط" (مدريد) في عام 503 هـ، فاقتحمها عليهم علي، ثم تابع فلحقهم في "طَلَبيرة" وجرت معركة كبرى عنده، وكانت تدعى معركة القضاة ما وجد في الجيش من القضاة، إذ أرسلت كل مدينة أو بلدة قاضيها، وتمكن علي من إلحاق الهزيمة بالنصارى هناك أيضاً.
مخطوطة معالجة لابن وافد
* عام 505 هـ - 1112م إنهاء دويلة سرقسطة:
- ثم توجه المرابطون إلى الشمال حيث سرقسطة ودويلتها في عام 505 هـ، كان قد قرر علي أن يضرب طوقاً على طليطلة من أطرافها ثم يقتحمها، لذلك توجه إلى سرقسطة، فأنهوا هناك دويلة سرقسطة وضموها إلى دولتهم.
* ألفونسو يستعين بأوربا:
- أدرك ألفونسو المحارب أن بقاءه في طليطلة يجعله في خطر إن لم يتدارك بجمع الجيوش وحشد الإمدادات إليه، فأرسل إلى نصارى أوروبا يستصرخهم، ويستغيث بهم أن يرسلوا المدد رجالاً أو عتاد، فأتته الإمدادات الأوروبية من فرنسا وإيطاليا بشكل خاص.
المرابطون يتوجهون نحو سرقسطة
* عام 508 هـ - 1114م حلف نصراني بحري:
- أما في عام 508 هـ فقد حدث تحالف ثلاثي بين حكومة برشلونة البحرية الذين كان لهم نفوذ كبير في البحر، وبين بيزا الإيطالية، وانضم إليها جنوه، وهما إمارتان إيطاليتان، شكل هذا الحلف الثلاثي أسطولاً من ثلاث مائة سفينة حربية، وتوجهوا بها نحو الجزر الشرقية (جزر البليار)، واستطاع هذا الحلف الثلاثي إسقاط أولى الجزر وأصغره، وتدعى جزيرة "يابسة"، ثم تابع هذا الزحف البحري فحاصر الجزيرة التالية الوسطى جزيرة "مَيُوْرقَة"، فاستنجد حكامها عبد الله المرتضى مستصرخاً المرابطين، فلبّى أمير المسلمين علي بن يوسف نداءه وأرسل على الفور ثلاث مائة سفينة بقيادة أمير البحر "تاقِرْطاس"، وصل بأسطوله وطوق الحصار على السفن النصرانية التي استطاعت أن تنسحب، إلا أن هبوب العواصف في البحر قد أغرق بعض سفنهم، وأسر المسلمون ثلاثاً منها.
اتحاد النصارى في 300 سفينة حربية لقتال المسلمين في الأندلس
* عام 511 هـ -1117م فتح قلمرية عاصمة البرتغال:
- لم تبق دويلة من دول الطوائف إلا وقد ضمها المرابطون إلى سلطانهم، كما حاولوا استرداد الجزيرة الوسطى التي وقعت بيد الأسطول الثلاثي المتحالف، وليجعلوا خَطّة الحصار الاستراتيجي على طليطلة، وكان علي بن يوسف يتابع الانتقال من الأندلس إلى المغرب وبالعكس، فجاء إلى الأندلس في عام 511 هـ مرة أخرى، ووجه الجيوش نحو الغرب وتمكن من إخضاع مدينة "قلمرية" عاصمة البرتغال في الغرب.
* عام 512 هـ -1118م أوروبا تساند ألفونسو لإسقاط سرقسطة:
- شعر ألفونسو المحارب ملك النصارى بالخطر يداهمه، فأرسل إلى ملوك أوروبا يستنجد بهم، ويطلب إليهم المدد والعون، فجاءته العُدد والعَدَد من فرنسا وإيطاليا ومن مناطق أوروبية أخرى، واحتشد حوله خمسون ألف، وتحرك ليكسر الطوق على مدينته طليطلة، وتوجه نحو عاصمة الشمال سرقسطة عام 512هـ وضرب الحصار عليه، واستمر الحصار تسعة أشهر، فهلك الناس جوعا، وما استطاع أمير المسلمين أن يهيئ قوة على عجل ليساعد أهل المدينة، وكذلك ما أحسن الجيش المرابطي الموجود في المدينة الدفاع عنها، وبعد مفاوضات جرت بين ألفونسو المحارب وحاكم سرقسطة بعد أن بلغ الهلاك أشدّه نتيجة الحصار، استسلمت سرقسطة وفتحت أبوابها في رمضان 512 هـ، فغادرها معظم أهلها، إذ تركهم ألفونسو المحارب يسيرون إلى حيث شاءوا بأمان، ثم حوّل الجامع إلى دَيْر للرهبان، وقد استولى بعد ذلك على الثغور الشمالية للمسلمين في الأندلس.
- كان سقوط سرقسطة بعد سقوط طليطلة بثلاثين عام، وقد بقيت بيد المسلمين أربعة قرون، وكان لها دور كبير في ثغور شمال الأندلس، وبسقوطها كسر الطوق الذي كان أمير المسلمين يريد أن يضربه حول القشتاليين.
الهندسة المعمارية المحيرة لمسجد في سرقسطة والمشابه في بنائها لمسجد قرطبة الكبير
* عام 514هـ - 1120م معركة قَتَنْدة لإعادة سرقسطة:
- اهتم علي بن يوسف لسقوط سرقسطة، فأرسل إلى أخيه إبراهيم بن يوسف والي إشبيلية يأمره بتجهيز الجيوش والمبادرة إلى السير لإعادة سرقسطة، ولوضع حد لعدوان ألفونسو المحارب، كما أرسل إلى بقية الأمراء أن يتجمعوا ويحتشدوا مع القائد العام للجيش، وكان النصارى قد اجتمعوا بأعداد غفيرة مع ألفونسو المحارب، وتصدى جيشهم لجيش المسلمين، حيث التقى الجيشان في قرية قريبة من "دَرقة" (مدينة تابعة لسرقسطة)، ودارت معركة هائلة شديدة، اقتتل فيها الخصمان اقتتالاً عنيفا، ولكثرة العدو وقلة المسلمين أو لأمر آخر هزم المسلمون هزيمة منكرة، ودارت الدائرة عليهم، واستحرّ القتل فيهم، فقد بلغ عدد القتلى على بعض روايات عشرين ألف، وكان من بين الشهداء عدد من العلماء والأفذاذ وعدد من القضاة الأفاضل، منهم العالم الشهيد أبو علي الصّدَفي الذي ولد عام 454 هـ واستشهد عام 514 هـ وهو من أبناء الستين، رحل إلى المشرق وأخذ من علمائه بالبصرة وبغداد ودمشق وغيره، ورجع بعلم جمّ، وبرع في الحديث إسناداً ومتناً مع حسن الخط والضبط وحسن التأليف، والفقه والأدب مع الدين والتواضع، قال القاضي عياض عنه ممن سمع منه: قال له أبو علي الحافظ الصدفي: خذ الصحيح، فاذكر أي َّمتن شئت منه، أذكر لك سنده، أو أيَّ سند أذكر لك متنه.
- وقاضي المرية محمد بن يحيى المعروف بابن الفرّاء، ويصف أبو بكر بن العربي القاضي المعروف في إشبيلية ومؤلف كتاب "العواصم من القواصم" أنه حضر تلك المعركة وشهد مقتل الآلاف من المسلمين.
- يرى بعض المؤرخين أن سبب الانكسار كان لضعف الموارد والمدد ولقلة العدد لبعدهم عن أراضي المسلمين، بينما يأتي عدوهم المدد لا من الأندلس (المقاطعات النصرانية) فحسب، بل كانت أوربة تمدّهم تباعاً بكل الموارد البشرية والطبيعية، والبابا يحرض ملوكها وأمراءها لمحاربة الكفار(المسلمين).
محراب المسجد قي سرقسطة
* عام 515 هـ - 1121م تزعزع المرابطين:
- وارتد الأمير إبراهيم بن يوسف في فلول الجيش المرابطي إلى بلنسية، وكأنّ هذه المعركة قد زحزحت شيئاً من هيبة المرابطين العسكرية.
- وزاد من زعزعة المرابطين ما حدث من مؤامرة في المغرب عام515هـ ضد المرابطين المعروفة بحركة ابن تومرت، سنتعرض لها فيما بعد.
- الوضع العام كما يُرى، سقوط مدينة سرقسطة عاصمة الشمال، وانكسار جيش المرابطين في قتندة، وتربُص العدو بباقي المناطق الإسلامية، وحركات داخلية مريبة تجري في المغرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
درهم ملوك ميورقة وموبشير بن سليمان
* العالم الحق:
- رأينا استشهاد عدد من كبار العلماء في المعركة السابقة، واشتراك الآخرين، فأولئك جند الله حق، وجند الإسلام والمسلمين، فالعالم الحق في حلقته إمام في العلم والفقه، وفي المجتمع خبير يعرف أحواله، ويتفقد أوضاعه، وفي ساحات المعارك يصول ويجول بالسيف أو الرمح وبصنوف الأسلحة.
- يوصف العالم الحق بأنه رجل القلم والكتاب وبطل الحروب، يقوم بكل ما تتطلبه ظروف الحياة من حوله، ويدرك واقع أمة المسلمين، ويستنهض الهمم، وهو المقدم في كل ميادين الحياة، ألا أين العلماء في القرن الحادي والعشرين!
* عام 515 هـ - 1121م علي بن يوسف يعبر إلى الأندلس:
- عبر أمير المسلمين علي بن يوسف المضيق إلى الأندلس للمرة الرابعة، لوجود حوادث بين المسلمين أنفسهم، ونزاعات لا تهدأ في قرطبة، ولم تهدأ إلا بمجيء ابن يوسف وذلك بعد أن دامت أربع سنوات إلى عام 515 هـ.
زخرفة أقواس إسلامية لقصر في سرقسطة
* عام 519 هـ - 1125م غدر أهل الذمة:
- لما سقطت سرقسطة في أيدي القشتاليين، وتوالت انتصارات ملكهم ألفونسو المحارب أخذت طوائف المعاهدين –أ هل الذمة - في التحفز، وبدأت تعمل في الخفاء أحياناً ربما جهراً إذا ما سنحت الفرص لهم وما أكثرها في تلك الفترة، فقد تولت المحن على المسلمين، تحفزت تلك الطوائف لعمل شيء ما لضرب المسلمين وتوهينهم، وكان أكثر الطوائف النصرانية غلواً ونشاطاً في تدبير المؤامرة بالأندلس هم معاهدو مدينة غرناطة، مع أن المعاهدين جميعاً قد عاشوا في ظل الحكومات الإسلامية أيّاً كان اسمها متمتعين بكل شيء من تقاليدهم ودينهم وشعائرهم، آمنين من كل عنت أو مشقة تجاه أفرادهم أو معابدهم، في حرية تامة، وقد شغل بعضهم مناصب حكومية في الدولة الإسلامية، لكن هؤلاء قد عرفوا طوال التاريخ الأندلسي بنكران النعمة وجحودها، وما والَوْا إلا أبناء ملتهم النصارى، وما توقفوا عن الكيد لهذا المجتمع المسلم ملتهم النصارى، وما توقفوا عن الكيد لهذا المجتمع المسلم الذي عاشوا فيه منعمين عقيدة واقتصاداً وأخلاقاً وتقاليد.
مرثية أبو حمامة بن أتشاح
* عام 519 هـ - 1125م حملة صليبية لأخذ الأندلس:
- راسل ألفونسو المحارب هؤلاء الخونة من جميع المدن، وابدوا استعدادهم له بأن ينجدوه إذا قدم الرجال، وأن يمدوه بالطعام والمؤن، كما دلّوه على عورات المسلمين -أماكن الضعف لديهم-، وأن كثيراً منهم مهيئون للقتال جنباً إلى جنب معه، غرّ ألفونسو المحارب تلك المراسلات فخرج من سرقسطة سنة 519 هـ بحملة تحمل الطابع الصليبي تماما، فاتجه شرقاً وهو ينشر الفساد، ويعبث في الأراضي التي يجاوزها حرقاً وتدميرا، ثم دخل مملكة بلنسية ينسف الزروع ويحرق القرى، ولم تستطع القوات المرابطية القليلة إيقافه أو التصدي له، إذ كانت جموع المعاهدين تنضم إليه في كل منطقة يمرّ بها حتى احتشد حوله خمسون ألفاً.
* تساقط المدن لألفونسو:
- ثم اتجه صوب "دانية" ومرّ بشاطبة حتى وصل إلى المرية جنوب، وما كان يقف في مكان إلا أيام، وكان المعاهدون الذين انضموا إليه يدلونه على الطرق والمسالك ويكشفون له أماكن الضعف لدى المسلمين، وتحرك حتى نزل غربي وادي "آش" القريب من غرناطة، فاشتد الخوف على أهل غرناطة، واستعدوا لمنعه ومحاربته.
* عام 520 هـ - 1126م حصار غرناطة:
- ووصل إلى غرناطة عام 520 هـ ضرب الحصار حوله، ولله جند لا تقهر، إذ جاء الجليد ونزلت الأمطار، وانتشر الوباء في جيشه، كما أن هجمات المسلمين المتعددة كعصابات متفرقة أجبرته على أن يفك الحصار لبأس المدافعين عن مدينتهم غرناطة.
* القوات الإسلامية تلاحق ألفونسو:
- فانحدر غربا، والقوات الإسلامية تلاحق مؤخرته، ثم تحول باتجاه الجنوب الشرقي ثم انعطف غرباً حتى وصل قريباً من مدينة مالقة على المضيق، وكان فرسان المسلمين تضيق عليه بمناوشات عديدة.
القصبة ( قلعة الحمراء )
* عام 520هـ - 1126م عودة ألفونسو إلى طليطلة:
- ولما رأى أنه لم يحقق أي شيء يذكر، قرر العودة إلى طليطلة، فاتجه شرقاً إلى مرسية فشاطبة فبلنسية، تبعه عشرة آلاف من المعاهدين خشية انتقام المسلمين منهم لخيانتهم ولقتالهم إلى جانب ألفونسو المحارب، وقد ألقى الله عليهم الوباء حتى وصل إلى طليطلة بعد خمسة عشر شهراً قد حطمه الإعياء والوهن، وفرسان المسلمين يلاحقونه وجنده.
ناقوس نقش على العاج
- كشفت هذه المغامرة -مغامرة ألفونسو المحارب- أن طريقة الدفاع المرابطي عن الأندلس لم تكن سليمة في تلك الفترة، وأن الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين من المعاهدين لم يعرفوا-ولن يعرفوا- إلا بالولاء لبناء ملتهم، وأنهم يمثلون خطراً حقيقاً إذا ما أتيحت لهم الفرصة.
* عام 521هـ1127م ابن رشد الجد يعبر إلى الأندلس:
* ولذلك قام القاضي أبو الوليد بن رشد الجد الأكبر بعبور البحر المضيق متوجهاً إلى المغرب وغايته أن يلتقي بأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وليشير عليه بأمور ثلاثة:
1- تغريب المعاهدين الذين يخونون العهد ويخرجون على الذمة، وأفتى بوجوب إخراجهم، وهذا أخف عقاب لهم، فأصدر الأمير أمراً بذلك، وأجلي الكثيرون إلى المغرب في سنة 521هـ.
2- وأشار على الأمير أن يبني سوراً للعاصمة مراكش، فأمر الأمير بإنشاء السور وتم خلال فترة وجيزة، كذلك أمر ابن يوسف بإنشاء سور لكل مدينة لا سور له، وتحصينه، وقال له: لا يحل لك أن تكون هذه المدينة دون سور.
3- وبيّن ابن رشد الجد لأمير المسلمين خطورة الأوضاع في الأندلس، وأنها بحاجة إلى رجل قوي، حازم، عاقل، يعرف المجتمع وأحواله، وضروب السياسة وأخذَ الحيطة وجانبَ الحذر من العدو، وإن أخا الأمير "تميماً" لا يصلح في هذا الوقت لإدارتها لضعف إمكانيته الشخصية، ونصحه أن يعزله ويولي رجلاً كفئا، فاستجاب له أمير المسلمين، وعزل أخاه وولى على الأندلس ابنه تاشفين بن علي بن يوسف بعد استشارته ابن رشد.
* عام 523 هـ - 1129م تفرق في دول النصارى:
* كانت حكومة النصارى في هذه الفترة منقسمة إلى مملكتين:
1- مملكة أراغون في الشمال والوسط ، وملكها ألفونسو المحارب.
2- مملكة ليون وجيليقية وتسمى أحياناً قشتالة، وملكها ألفونسو السابع.
3- وقام رجل منهم في عام 523 هـ في منطقة البرتغال يدعى ابن الرَنْق أو "ابن الرَّنك" فأعلن استقلاله عن هذه المملكة، وأطلق على حكومته: مملكة البرتغال.
* عام 528 هـ - 1134م معركة إفراغة:
- كان أكبرهم لألفونسو المحارب ملك أراغون، وأعظم إصراره أن يعيد بلنسية ومرسية ويضمهما إلى مملكته، فبادر في عام 528 هـ وقد أعد جيشاً جراراً من الفرسان نحو بلنسية، وكان يطمح أيضاً أن يسقط ما بقي من الثغور الأندلسية في الشمال ويضمها إلى سلطته، وتمكن أثناء توجهه إلى بلنسية من أن يحتل بعض القرى والثغور، لذلك أسرع والي بلنسية ومرسية التصدي لهذا الطاغية بجيشه القليل وتقابل الجيشان قرب مدينة صغيرة تدعى "إفراغه" جنوب غرب مدينة "لاردة".
* القلة المسلمة أمام الكثرة الكافرة:
- وتقدر بعض الروايات عدد جيش ألفونسو المحارب باثني عشر ألف فارس، يقابلها من المسلمين ثلاثة ألاف فارس، وجرت بينهما معركة حامية، وقتال شديد، حيث أبدى كلٌ من الجيشين ضروباً من القتال العنيف، فكان المسلمون يقاتلون وهم قلة ولكن سلاح الإيمان أمضى، وقلب يثق بالله لا يمكن أن يتزعزع، وكان النصارى يقاتلون بشجاعة وعناد قائدهم المحارب لشهرته وغلظته.
- وكانت النتيجة -بما جرت سنة الله سبحانه وتعالى- أن ينتصر جند الهداية على جند الضلال، واشتد الأمر على جيش العدو وكثر القتل فيهم، ومُزقت صفوفهم، فلاذوا بالفرار، وأصيبوا بهزيمة منكرة بينما تركوا كبار قادتهم صرعى في الميدان، كما سقط ألفونسو المحارب قتيلاً ممزقاً، فصار لهذا النصر المؤزر في إفراغه صدى عميق في الأندلس وغيرها، إذ سُرّ المسلمون بنصر الله، وأعادت هذه المعركة ذكريات الزلاقة وبرَباط وأقليش، فأعادت الأمل إلى وجوه الأندلسيين، وعادت سمعة المرابطين القتالية إلى مكانتها، وأثبتوا أنهم أهل السلاح والساحة والميدان، فزال الخطر عن بقية الثغور الأندلسية في الشمال.
- كسر الجيش الصغير تكبّرَ ألفونسو المحارب، فقد كان من أشد ملوك الفرنج بأساً وأكثرهم تجرداً لحرب المسلمين وأعظمهم صبراً، وكان ينام على طارقته بغير وطاء، وقد كان يظن أنه لن يُغلب، وأقسم أنه لا يغادر إفراغه إلا منتصراً، وتحقق الوعد الرباني في كتابه الكريم: { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } الروم: 47.
- ولو تابع المرابطون تقدمهم إلى سرقسطة لما اعترضهم أحد، وما وجدوا مقاومة ولأعادوها إلى سلطة المسلمين، ولكن قدّر الله وما شاء فعل.
* عام 528 هـ - 1134م السليطين ألفونسو السابع:
- يستغل ألفونسو السابع مقتلَ ألفونسو المحارب ملكُ ليون وجيليقية، فيضم مملكة أرغون إلى مملكته ويوحدهما، فأصبح الحاكم للأندلس النصرانية ولقب نفسه بالسلطان بينما تذكره الروايات الإسلامية باسم السليَطين (الملك الصغير)، أما البرتغال فقد بقيت تحت حكم ابن الرَّنق "الرَّنْك".
- أراد السليطين أن يعززّ مكانه، ويثبت وجوده فتقدم بجيش مهاجماً صوبَ بطليوس، فأسرع إليه تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين وصدّه في مكان قرب معركة الزلاقة، وكسره وهزم جيشه كما هزمه في عدة معارك أخرى، وقتل وأسر من جنوده جموعاً كثيرة.
بناء يمثل مستشفى صحي للاستشفاء في مالقة
( من معالم الحضارة التي اشتهرت به عموم الأندلس في العهد الإسلامي )
* عام 528 هـ - 1134م معركة البكار:
- خرج تاشفين في شهر ذي الحجة عام 528هـ بقواته يريد الغزو، وكان أمامهم ممر لا بد للمرور فيه، فوضع العدو خطة كمين، وباغتوا المسلمين في جنح الظلام واستطاعوا أن يمزقوا صفوفهم، فدّب الخلل، وظهر الاضطراب بين المسلمين، عند ذلك فرّ معظمهم، وعلا الصياح للفرار حتى وصل بعض فرسان العدو إلى خيمة الأمير تاشفين، فنصحه بعضهم أن يفرّ ويسلمَ، لكن القائد العظيم أبى ذلك وقال مقالة عظيمة:: ( لا أسلمُ وأسلَّم الأمة، ولا أبرح حتى تنجلي عما انجلت عليه هذه الكرّة، لن أهرب وأترك العامة لتضيع )، وكان معه أربعون فارساً فقط، وفضّل الثبات ولو أدى إلى استشهاده، إذ لولا ذلك لضاع المسلمون!
مرثية مقبرية
* رباطة جأش تاشفين بن علي بن يوسف:
- يقول أحدهم في وصفه في ذاك الموقف: لم أرَ أربطَ منه جأشاً، ولا أشهم نفساً في مطلع ذلك الهول، وكأنه كما قال الشاعر:
وقفتَ وما في الموت شكُّ لواقفِ كأنك في جفن الرَدى وهو نائمُ
- وظل يقاتل حتى انكسر السيف بيده، وقاتل بالدرع من بعد، فلما وصل الخبر إلى باقي الأفراد بادروا بالتجمع إليه، وأحدق به فرسان المسلمين وأبطال المرابطين واستطاع أحد الجند أن يقضي على قائد النصارى المهاجمين بطعنة قاتلة، وولّى بذلك المهاجمون الأدبار، وانكشف الظلام بهزيمة القشتاليين، وقد تركوا مئات القتلى، وانتصر المسلمون بثبات تاشفين، إذ ذكرهم ببطولة جده يوسف بن تاشفين، { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } آل عمران: 34، وهذا الشبل من ذاك الأسد كما يقال.
- أي نوع من الرجال هؤلاء؟ { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } الأحزاب: 23، بهؤلاء كُتب مجد المسلمين، وبهؤلاء فُتحتِ البلدان، وبأمثالهم بُلَّغ الدين، فكان لتاشفين في رسول الله أسوة حسنة، في غزوة حنين.
- ونذكر بعض أبيات من قصيدة وجهها إلى تاشفين كاتبه أبو بكر يحيى بن الصيرفي يمدحه، ويصف مشاهد من تلك المعركة ويشيد بثباته ويشير عليه أن يأخذ بالحذر:
يا أيها الملأ الذي يتــــــقنّـعُ من منكم البطل الهـمـام الأورعُ؟
ومن الذي غدر العدو به دجىّ فانفض كلٌّ وهو لا يتـــزعــزع
يا تاشفين أقم لجيـشك عـذره بالليل والقدر الذي لا ينفع
هجم العدو دجى فروّع مقبـلا ومضى يُهَيَنْمُ وهو منك مروع
لا ضـيعّ الرحمن سـعيـك إنه سعيٌ به الإسلام ليس يضـيع
نسـتـودع الرحمن منك وديعة فهو الحفيظ لكل ما يسـتـودع
يُهَيَنْم ُ"يخفي صوته".
دولة المرابطين صفحة مشرقة من تأريخ الاسلام ومعركة الزلاقة شاهد على عظمتها