الفصل الثالث: عهد الولاة
أولاً: عبد العزيز بن موسى بن نصير:
* عام 95 هـ - 714م:
- قاد الأندلس بعد الفتح عبد العزيز بن موسى، إذ بدأ بفتح من نوع جديد هو الأصل في الفتوحات الإسلامية كما سبق، ألا وهو فتح النفوس، إذ رأى الناس هنا حياة المسلمين في جميع أحوالهم، ضحكهم وحزنهم، أفراحهم وأتراحهم، جَدّهم وهزلهم، ومعاملاتهم وعباداتهم.
- رأوا نمطاً من البشر ما سمعوا عنه، فدخلوا في دين الله أفواجاً ببركة إخلاص هؤلاء الفاتحين، وهم خير القرون بعد قرن الصحابة رضي الله عنهم، وفي مقدمتهم موسى بن نصير إذ ذكرت الروايات: أنه حين كان يأتي نبأ فتح أو نصر من طارق كان يقال عنه للرسول للقادم إنه يصلي ويدعو!.
- هؤلاء جند العقيدة، وهم الجنود الحقيقيون لحمل الإسلام إلى الآخرين، يصفهم أحد مؤرخي الإسبان في هذا الفتح: كأنهم كانوا في نزهة.
- كان الفتح معجزة، ثلاثون ألفاً فقط في ثلاثة سنوات يفتحون إسبانية والبرتغال وجنوب فرنسة، ذللت الصعاب لهم وهانت الأهوال في نفوسهم لأنهم كانوا لا يرجون إلا إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
عبد العزيز بن موسى بن نصير يقود الفتح في الأندلس
* عدل الإسلام وأثره في الأندلس:
- وكان أعظم ما رآه القوط منهم: إزالة الفوراق الطبقية في الأندلس إذ كانوا يقسمون إلى طبقات: طبقة النبلاء والملوك، فطبقة رجال الدين والجيش، فطبقة كبار المزارعين، فصغارهم، وتأتي طبقة المزارعين في أسفل الدرجات. أصبح ذاك المزارع خلال ثلاث سنوات -وقد أزيل عنه ذاك النظام الجائر الذي قهر الناس من قرون- يمتلك الحق في أن يملك أرضاً أو أي شيء آخر، وله أن يقاضي حاكم البلد إن شعر بظلم أو حَيفْ، ومن حقه أن يتاجر فيبيع ويشتري ما يحب ويشاء.
- وبدأ الناس معظمهم يتعلمون اللغة العربية، ويقلدون المسلمين في الملابس والتحيات والعادات، وهذا من شأن الأمم المغلوبة بتقليد الغالبين، أما نلاحظ هذا لدى الأمم المسلمة بتقليد الأعداء من قوى الغرب الطاغية؟. وما أخذ المسلمون كنيسة من كنائس النصارى هناك إلا شراء أو كانت مهجورة، قارن هذا العدل بما فعله النصارى من الإسبان بعد ثمانية قرون لما أخرجوا المسلمين من الأندلس؟ فما أبقوا مسجداً ولا مسلماً ولا أي رمز من شعائر الإسلام، قال الله تعالى:{ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } الإسراء:84.
* عام 95هـ - 714م الوالي الأول عبد العزيز بن موسى بن نصير:
- بدأ هذا العهد بالوالي عبد العزيز بن موسى الذي عينه أبوه قبل أن يعود إلى دمشق وكان رجلاً تقياً قوياً كما كان إدارياً وعسكرياً، نظم أحوال الأندلس، وأتم فتح ما بقي من الجيوب في الشمال الغربي وأخضع كثيراً منها.
- وتزوج أرملة (لذريق) التي أسلمت وتكنت "بأم عاصم"، ومات مقتولاً وهو يصلي في مسجد بإشبيلية في رجب سنة 97 هـ بعد أن دامت ولايته سنة وسبعة أشهر.
- ومن العجيب في كتابة التاريخ وجود من يشوه تاريخ المسلمين قصداً كجرجي زيدان وغيره، إذ يتصيّدون الحوادث ويفسرونها على أهوائهم وأحلامهم، وفي هذا الصدد قالوا: إن أرملة (لذريق) لم تدخل الإسلام، بل إنها أثرّت على زوجها عبد العزيز فتنصر من أجلها ! وما زالت به حتى ألبسته تاجاً كتاج النصارى، فرآه أحد المسلمين فقتله! وجعلته يسكن في كنيسة وما إلى ذلك من الترهات والأحلام.
* ما أحوجنا إلى التوثيق من نقول المستشرقين وتلامذتهم الذين لا يدعون فرصة تفوتهم في تشويه التاريخ الإسلامي وقادته غير آبهين بالأمانة العلمية والتاريخية.
* عهد الولاة: 22 والياً:
- استمر عصر الولاة حوالي اثنين وأربعين سنة، وكان تتمة لعصر الفتوحات من عام 95-138 للهجرة، وتوالي على الولاية اثنان وعشرون والياً، ويتسم هذا العصر بعدم الاستقرار إلى حدّ ما، إلا أنه اتسم بانتشار الإسلام، وبتحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية، وقد سكن الأندلس من أحب من العرب والبربر حسب اختيارهم، وكان معظم الذين بقوا من الجيش الإسلامي في الأندلس غير متزوجين، فتزوج العديد منهم بنساء القوط، فنشأ جيل من هذا الزواج يسميه بعض المؤرخين بالمولّدين، أو المستعرَبين، ومن هؤلاء كان بعض العلماء المشهورين في تاريخ الأندلس.
* عام 97هـ - 716 م الوالي الثاني أيوب اللخمي:
- تولي بعده أيوب بن جيب اللخمي وكان رجلاً صالحاً يؤم الناس لصلاتهم، في رجب 97 للهجرة، ودامت ولايته ستة أشهر ومن أهم الأعمال نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة.
* الوالي الثالث الحر الثقفي:
- وأرسل والي إفريقية -وكانت الأندلس زمن الولاية تابعة لولاية إفريقية- يعينّ الحُرّ بن عبد الرحمن الثقفي فدامت ولايته سنتين وثمانية أشهر لم يكن فيها سوى إجراءات تقليدية لإدارة الولاية واستتباب الأمن.
- حكم بلاد المسلمين في هذه الفترة رجل قل أمثاله، أعاد الصورة المشرقة للمنهج الإسلامي: هو الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، فقد عمل خلال خلافته التي دامت سنتين فقط من الأعمال ما لا يستطيع غيره في سنين طويلة لصدقه وإخلاصه، متميزاً بالتقوى وطاعة الله.
* الوالي المسلم الحر الثقفي مثل يحُتذى، لا يجعل لليأس على العزيمة سبيلاً، فرد كعدد أمة في عمل، بنى مجداً وأسس إمارة، وبهمته التي تخاطب كل شاب.
بدأت حركة التجارة منذ بداية الفتح الإسلامي