الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب
الفصل الثاني : عهد المرابطين
خامساً: نهاية عهد الطوائف عام 537هـ - 1143م:
* تاشفين بن علي بن يوسف:
- عاد الأمير تاشفين في عام 533 هـ إلى المغرب بناء على أوامر أبيه، حيث التقى بأبيه فعينه ولياً للعهد، وكان أهلاً لذلك بعد موت أخيه الأكبر، وأخذ لابنه ولاية العهد في حياته.
- وتوفي علي بن يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى عام 537 هـ، وتولى ابنه تاشفين الحكم، وذكر عنه الرواة أنه كان بطلاً شجاعاً، وأنه لم يشرب مسكراً ولا استمع إلى قينة (مغنّية) ولا اشتغل بلذة صيد، فكان تقياً ورعاً صائماً قائماً.
* عام 539 هـ - 1145م ظهور حركة ابن تومرت:
- وكانت قد ظهرت في المغرب تطورات وأحداث عظيمة، من ظهور دعوة المهدي بن تومرت، و تلتها قيام دولة الموحدين، وبدأت هذه التغيرات عام 539هـ.
* عام 539 هـ - 1145م وفاة تاشفين:
- لم تدم ولاية تاشفين كثيراً، فقد توفي عام 539 هـ، وكان في طريقه إلى وهران مع قلة من أصحابه ليلاً، فسقط من فرسه في حافة الوادي، وذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان، وقد تمكن الموحدون من جيشه ففرقوه.
انعكاس صورة القصر على الماء في قصر غرناطة
* صراع المسلمين والنصارى:
- كما ظهرت عدة اشتباكات في الأندلس بين المسلمين والنصارى بعد مغادرة تاشفين لها، وكانت سجالا ًبينهم، وكان قائد الجيوش المرابطية من قبل تاشفين: يحيى بن غانية، وبقي هناك، لكن معظم جهوده كانت لوقف هجوم الموحدين الذين عبروا الأندلس بعد أن تمكنوا في المغرب كما سيأتي.
* إبراهيم بن تاشفين:
- وتولى الحكم من بعد الأمير تاشفين ابنه، إذ بويع إبراهيم بن تاشفين، وكان صغيراً بلغ السادسة عشر من عمره وكانت الدولة المرابطية في نزعها الأخير، لظهور الموحدين بقوة على الساحة في بلاد المغرب، كما ظهر الخطر النصراني واستفحل في الأندلس، فهل يكون إبراهيم الصغير نجماً كعبد الرحمن الناصر؟ أم تضيع الأندلس؟ وتضيع دولة المرابطين في المغرب؟
* عام 540هـ - 1146م غليان الأندلس واضطراب المغرب:
- كانت الأندلس في غليان وهياج، وكانت منطقة الشمال الإفريقي، وبالأخص المغرب مضطربة الأوضاع، متشابكة الحوادث في كل بلدة، لتقوم دولة الموحدين، وتجمع قواتها وأنصارها للقضاء على المرابطين، وكانت قد استولت على مدينة فاس، وبسطت سلطانها على معظم المغرب ما عدا مراكش، فكانت الدولة المرابطية تنتظر مصيرها.
جيش النصارى يستعد لملاقاة جيش المرابطين
* عام 540 هـ - 1146م الوقيعة الكبرى:
- وفي عام 540 هـ وفي هذا الوضع الخطير، تجمع النصارى في الأندلس بجيش كثيف لإخراج المسلمين والمرابطين من الشرق حيث نشبت معركة عظيمة تسمى أحياناً الوقيعة الكبرى على المسلمين في منطقة "الّلج" والبسيط قرب "جلنجاجة"،وأصيب المسلمون هناك بهزيمة نكراء، وكانت من أولى الإشارات بضعف إبراهيم وتهاوي دولته.
* عام 540هـ - 1146م معركة البسيط ونهاية ابن هود:
- وكانت معركة البسيط التي دارت رحاها بين سيف الدولة بن هود وبين نصارى الشمال وقتل فيها ابن هود الذي كان ألعوبة لملك قشتالة، وآثر أن يعيش في حماه، وكم فرّق وشتت بين المسلمين في قرطبة وغرناطة وجيان ومرسية، ولكنه قتل آخر عمره في معركة لم تكن من تدبيره، وسقط دفاعاً عن أمته، وذهب للقاء ربه ليسأله عما جنت يداه، وآل الأمر من بعده لقائد جند الثغر في مرسية و بلنسية الذي نجا ببقية الجيش إلى بلنسية وهو: أبو محمد عبد الرحمن بن عياض المعروف بابن عياض.
- مد ّهذا سلطانه على سائر الثغور من بلنسية، واستمر في حكمه عاماً وأشهراً إلى أن لقي مصرعه خلال حروبه مع القشتاليين، عام 542هـ وكان قد أوصى من بعده إلى صهره ونائبه في بلنسية "محمد بن سعيد بن مردنيش".
* إمارة محمد بن سعيد بن مردنيش في شرق الأندلس:
- صفحة من الصراع المرير بين هذه الإمارة وبين الموحدين من بعد، فقد لبث أميرها المعروف بابن مردنيش عشرين عاماً.
النصارى يهاجمون ابن هود
* أغرب شخصيات الأندلس:
- كان من أغرب الشخصيات في الأندلس، جمع خلال العصر ورذائله معاً، وبالغ جداً في خدمة النصارى "ألفونسو السابع"، وكذلك أمير برشلونة يدفع لكل منهما جزية قدرها خمسون ألف مثقال من الذهب، والراجح أنه كان من المولدين، فقد كان شغوفاً بالتشبه بالنصارى في الزي والملابس، والسلاح والسروج، يؤثر اللغة القشتالية ويجيدها في الحديث، جمع حوله كثيراً من مرتزقة النصارى وقد بلغ عددهم اثني عشر ألفاً، ذكر المقري شجاعته في نفحه فيقول: إنه من أبطال عصره، وأنه كان يدفع في المواكب ويشقها شقاً، يميناً وشمالاً منشداً:
أكر على الكتيبة لا أبالي أحتفي كان فيها أم سـواها؟
- ومّد سيطرته فاستولى على بسطة ووادي آش في الجنوب، وأصبحت حدوده على تخوم الدولة الموحدية، لذلك كان الصراع الحاد بينه وبينها.
- ابن مردنيش هذا هو(الذئب) باللقب الذي عرف به بين النصارى في الأندلس، قارع الموحدين، واشتطّ في الضرائب التي فرضها و في الإتاوات التي أرهق بها المسلمين الذين رزحوا تحت حكمه فترة من الزمن إرضاء لأسياده ملوك النصارى في الأندلس.
* ابن همُشُك:
- وجمعت المصلحة وتلك الصفات بين ابن مردنيش وشخص آخر يشبهه يدعى إبراهيم بن محمد بن مفرج المعروف "بابن هَمُشُك": وهو مثله شخصية متميزة، وصار من أهم أعوان ابن مردنيش شجاعة وإقداماً، وتزوج ابنته بعد أن توطدت الصلة بينهما.
- وستأتي بقية أخبارهما فيما بعد.
* عام 541 هـ - 1147م الموحدون ينهون حكم المرابطين:
- أما في المغرب فقد قام الموحدون في بداية المحرم عام 541هـ بضرب الحصار على مراكش العاصمة المرابطية، وسيأتي تفصيل ذلك، وكان الشعور العام بأن مصير الدولة باتت وشيكة السقوط، وبعد حصار طويل دام تسعة أشهر، استولى الموحدون على العاصمة، وأسر الأمير إبراهيم ومن معه فقتلوا جميعاً، وقتل إبراهيم الذي لم يدم حكمه إلا سنتين، وانتهى بذلك آخر من حكم المرابطين، وانتهت دولتهم التي تأسست عام 462 هـ في مراكش وذلك في نهاية 541 هـ، أي ما يقرب من ثمانين عاماً.
* عام 542 هـ - 1148م خلع إبراهيم بن تاشفين:
- وبعد تولي إبراهيم للحكم بنحو عامين خلعه المرابطون لما رأوا من ضعفه وعجزه وبويع عمه اسحق بن علي بن يوسف بن تاشفين
* نظرة عامة إلى دولة المرابطين:
- تأسست دولة المرابطين وقامت على خط الدعوة الإسلامية، فقد أسسها العلماء وأدارها العلماء، حكمت بالقرآن والسنة، وكان دولتهم دولة خير وجهاد و(عافية) كما قال ابن الخطيب، لم ينقطع الجهاد فيها خمسين عاماً، وحدت المغرب أولاً، ثم وحدت الأندلس فقضت على الجاهليات الممزقة، وجعلت المسلمين أعزةً، كما أزلت دول الطوائف، ولو لم يكن لهم ـ للمرابطين ـ فضيلة ولا خير إلا وقيعة الزلاقة لكان ذلك من أعظم فخرهم وأربح تجرهم كما قال ابن العربي.
- وصف العالم الكبير والقاضي الشهير أبو بكر بن العربي المرابطين بأنهم قاموا بدعوة الحق و نصرة الدين، وكانت دولتهم أكثر الدول جرياً على السنة.
- ولولا قدوم المرابطين على الأندلس لسقطت قبل أربعة قرون من سقوطها باتفاق المؤرخين على هذه المقولة، إن المرابطين أخروا سقوط الأندلس أربعة قرون.
ازدهرت التجارة وساد العدل في عهد المرابطين
* ملخص أحداث عهد المرابطين:
485هـ |
أهل بلنسية يثورون بقيادة قاضيها على حاكمهم الخائن. |
487هـ |
سقوط بلنسية بعد حصار شديد ثم غدر الكمبيادور المرتزق بأهلها. |
488هـ |
تم توحيد الأندلس على يد يوسف بن تاشفين. |
495هـ |
فتح بلنسية بعد حصار طويل. |
495هـ |
تعيين علي بن تاشفين وليا للعهد. |
500هـ |
وفاة يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى وتولى ابنه علي الحكم. |
501هـ |
انتصار المسلمين في معركة أقليش. |
512هـ |
استسلام سرقسطة بعد حصار من تحالف ألفونسو وملوك أوربا. |
515هـ |
تزعزع المرابطين بعد هزيمتهم في معركة قتندة. |
519هـ |
حملة صليبية لأخذ الأندلس. |
528هـ |
انتصار المسلمين في معركة إفراغة وعودة الأمل والعزة للجيش المرابطي. |
528هـ |
انتصار المسلمين في معركة البكار. |
537هـ |
وفاة علي بن تاشفين وتولي ابنه تاشفين. |
539هـ |
وفاة تاشفين بن علي. |
540هـ |
انهزام ابن هود في معركة البسيط وموته فيها. |
541هـ |
نهاية حكم المرابطين في المغرب. |
* العلماء في عهد المرابطين:
- وانتشر فيها العلم والعلماء في جميع الميادين الحياة، وقد سبق ذكر بعضهم، وهؤلاء بعضهم:
1- الحجاري:
- أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الحجاري: أديب كبير وشاعر وعالم، مؤلف كتاب "المسهب"، أصله من وادي الحجارة، ولما سقطت بيد النصارى، طاف بالأندلس ثم استقر في قلعة "تحصب" قرب غرناطة، وقع أسيراً بيد النصارى مرة، فافتداه ابن سعيد صاحب يحصب، توفي سنة 550هـ.
مسلمون يتدارسون علم الفلك
2- ابن بشكوال:
- ابن بشكوال: خلف بن عبد الملك: محدث الأندلس، صاحب "تاريخ الأندلس"، متسع الرواية، شديد العناية بها، ولد عام 494 هـ، وتوفي عام 578 هـ.
- كان حجة مقدماً على أهل وقته، حافظاً إخبارياً تاريخياً، وصفوه بصلاح الدَّخلة (باطنه) وسلامة البسطة (أمين) وصدق الصبر للطلبة، وطول الاحتمال، ترك خمسين مؤلفاً في شتى أنواع العلوم.
3- ابن باجة:
- ابن باجة الذي برز في الفلك والرياضيات والفلسفة، فيلسوف الأندلس، كان يضرب به المثل في الذكاء، وآراء الأوائل، والطلب والموسيقى ودقائق الفلسفة، مات بمدينة فاس عام 533هـ.
4- الخزرجي:
- وبرز الخزرجي صاحب الفضل العظيم على الطب.
5- ابن قزمان:
- وابن قزمان أمير الزجل الأندلسي، وهو أول من تكلم بالزجل، كان أديباً بارعاً حلو الكلام مليح النثر مبرزاً في نظم الزجل، والطريقة الزجلية بديعة تتحكم فيها الألقاب البديع، وتنفسح لكثير مما يضيق على الشاعر سلوكه، وبلغ بها أبو بكر بن قزمان مبلغاً حجره الله عمن سواه، فهو آيتها المعجزة، وحجتها البالغة، وفارسها المُعْلم، كما قال المقري في نفخ الطيب عنه.
انتشار العلم والعلماء والمفكرين في الأندلس
* قرطبة العاصمة ثم غرناطة:
- كما نقلوا العاصمة من طليطلة إلى قرطبة، ثم نقلوها إلى غرناطة، فكانت بداية نهضتها، ثم أعيدت إلى قرطبة.
* عدل المرابطين
- وكان المرابطون في منتهى العدل، لا يأخذون من الناس إلا ما أوجب الشرع عليهم من زكاة الأموال، وعشر الخراج، وقاموا بين الناس بالإنصاف والحق فكلّ يصل إلى مبتغاه من الطريق الطيب، لذلك فُقد قطاع الطرق، وفقُد السراق في مدن الأندلس وقراها.
- يقول مؤلف كتاب "روض القرطاس" عن المرابطين:
كانت لمتونه (القبيلة التي منها المرابطون) أهل ديانة ونية صادقة خالصة، وصحة مذهب، ملكوا الأندلس من بلاد الفرنج إلى البحر الغربي المحيط، ومن مدينة بجاية من بلاد العدوة (المغرب) إلى جبال الذهب من بلاد السودان، لم يجر في عملهم طول أيامهم رسم مكروه، (ضريبة) ولا خراج في بادية ولا حاضرة، وخطب لهم أزيد من ألفي منبر، وكانت أيامهم أيام دعه ورفاهية ورخاء متصل، وعافية و أمن..
- وكثرت الخيرات ي دولتهم، وعمرت البلاد، ووقعت الغبطة، ولم يكن في أيامهم سراق ولا قطاع طريق، ولا من يقوم عليهم، وأحبهم الناس إلى أن خرج عليهم محمد بن تومرت مهدي الموحدين سنة 515هـ.
رأس عمود مدون عليه، قرطبة
* النهضة في عهد المرابطين:
- بدأت الرباط في سبيل الله كما تقدم، ونهضت إلى العز بالعلم والجهاد، واهتمت كثيراً بالموارد الزراعية والعمرانية والصناعية، وأنشأت المدارس والصناعات الحربية، وأسست مصانع الأقمشة والحرير، وكذلك آلات النحاس والحديد، كما اهتمت كثيراً بخدمات المصلحة العامة.
* القوة العسكرية:
- وكان السمة البارزة للدولة المرابطية هي الناحية العسكرية، وهذا أمر لا بد منه إذ أن الاستعداد لابد منه تجاه الأعداء لا يزالون يتربصون بها، والله سبحانه وتعالى يقول:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً } النساء: 71.
- فأنشئت فرق الصائفة والشاتية، واستمرت السرايا والغزوات طيلة خمسين عاماً في الأندلس في عهدهم، قال عنهم مؤلف "الحلل الموشية": قَدِم أشياخ المرابطين فيها، وكانوا أقواماً ربتهم الصحراء، نيتهم صالحة، لم تفسدها الحضارة ومخالطة الأسافل.
* الإدارة:
- أما عن الناحية الإدارية فقد كان للأندلس قائد عام يتبعه قواد المدن الأخرى، يقومون بما تتطلب الأوضاع الإدارية والعسكرية والاقتصادية، وكانوا يسمون أحياناً بالولاة، وهم مسئولون أمام أمير المسلمين عن أعمالهم، فيحاسبون إن قصّروا أو يعزلون.
- وقد كانت الأندلس مقسمة إلى عدة ولايات في زمانهم بلغت أحياناً ستاً.
قرطبة المسجد الكبير، واجهة المحراب يظهر النقش في الفسيفساء الذهبية فوق قعر أزرق آيات قرآنية واسم الحكم الثاني
أحد أبواب مسجد قرطبة
* القضاء:
- وكان القضاء مستقلاً لا سلطان لأحد عليه، وكان الأمراء يأخذون بحكم القضاة ويعملون بنصحهم كما رأينا حين جاء القاضي ابن رشد إلى علي بن يوسف ونصحه بأمور ثلاثة، فأخذ أمير المسلمين بذلك كله.
هذه الدولة القوية العتيدة، دولة العلم والإيمان، دولة الجهاد والغزو، دولة الاستعداد الدائم، ما بالها سقطت؟ كيف سقطت؟ و ما هي أسباب سقوطها؟
* أسباب سقوط المرابطين:
- نرى أن العوامل التي أدت إلى سقوط دولة المرابطين في ثلاثة أسباب:
* ضعف القيادة:
1- تسليم الحكم أحياناً لمن لا يستحق – إذ يسند الأمر إلى غير أهله – فقد رأينا كيف وُسدَّ الأمر إلى طفل في السادسة عشر من عمره، وأوضاع المرابطين كانت في مهبَّ الريح، إذ قُلدّ إبراهيم بن تاشفين، مع أن الحالة تستدعي أن يتولى رجل قوي الإرادة، عالمٌ بشؤون الدولة، مطلّع على أحوالها، خبيرٌ بمكائد الأعداء، آخذٌ بالوسائل والاستعدادات لحفظ الدولة وردّ خطط المتربصين.
* الصراع السياسي الداخلي:
2- الصراع الحاد بين الفئة التي ظهرت في مجتمع المسلمين وقام بها ابن تومرت باسم الإسلام، وبين المرابطين في عقر دولتهم في المغرب، فقد استهلك هذا الصراع قوة المرابطين وأزال هيبتهم.
لعل هذا السبب هو من أخطر الأسباب التي أدت إلى انهيار دولة المرابطين، فالقوى الداخلية المعارضة تنخر في كيان الأمة وتمزق صفوفها والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } الأنفال: 46.
* انشغال العلماء:
3- انصرف العلماء من معرفة الواقع ومعايشة الأحوال العامة للناس وعدم مخالطتهم لهم، وبهذا يتركون المجال لأن يتصرف الجهال في واقع الناس وأحوالهم، ترك العلماء إلا أقلهم الساحة التي ينبغي أن يكونوا عليها وخلّوا الميدان الفسيح إلى أشباه العلماء أو من يتزيا بزّيهم.
- وانصرفوا إلى المبالغة في الفروع والشروح في قضايا الفقه المذهبي، وذلك أدى إلى الانفصام بين العلماء والناس، كما أدى إلى ظهور جماعة العلماء إن صح التعبير، يلتقون على مسائل لا تمت إلى الواقع، وإلى بحث ما سيكون أو يحُتمل، وكان بالنتيجة الفراغ الهائل بين الناس وبين ما ينبغي أن يكونوا عليه من علم بأحوالهم وواقعهم في دنياهم، كما حدث ذلك في عصور عدة إذ كان هناك انفصام نكد بين المعاملات، وبذلك قد ينشأ النفور من أحكام الدين، أو تذهب الحكمة والأثر للأحكام الشرعية.
المقاتلون المغاربة في الأندلس ( لوحة مرسومة في القرن الحادي عشر الميلادي )
* المرابطون....حقائق وعبر:
- دولة تأسست على التقوى فأنجبت رجالاً أعادوا سيرة الفاتحين الأوائل زهداً وتقوى وشجاعة وعلماً.
- يكفيهم فخراً أن يكون فيهم أمثال يوسف بن تاشفين.
- ويكفيهم عزاً أنهم وحدوا الأندلس بعد الفرقة وأعادوا لها شموخها وهيبتها.
- وقد توقفنا مع واسطة عقدهم يوسف بن تاشفين في الفصل الماضي فلننتقل إلى بعض الأحداث بعده:
- حينما تولى علي بن يوسف بن تاشفين الحكم بعد أبيه كان عمره ثلاثاً وعشرين سنة!! فقام بأعباء الحكم خير قيام وأتم ما بدأه أبوه من الجهاد وكان خير خلف لخير سلف، وما كان ليتم له ذلك لولا أنه أعد لمثل هذه المهمة وغرست في نفسه صفات القيادة منذ الصغر، وأنشئ على تحمل المسؤولية والقيام بأعبائها، وهكذا يخرج الإسلام شباباً طموحاً جلداً على مشاق الحياة قادراً على صنع القرار والنهوض بما يناط به من مسؤولية ومهام
شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام ديناً
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا
وإن جن الظلام فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا
كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً طاهراً حراً أميناً
- فالشباب هم نبض الأمة، ويدها القوية الضاربة، ومستقبلها الذي تبينه، فيجب أن تتلاقى الجهود لإصلاحهم وغرس روح القيادة والطموح فيهم، كما تتلاقى جهود أعدائنا لإفسادهم وإماتة عزيمتهم في الجهاد، وتعويدهم على التنعيم والتخنث، فيبنون لهم بدل كل مسجد ملهى للفساد والرذيلة، وبدل أن يسمعوا صوت القرآن والأذان يسمعونهم أغاني خليعة ماجنة، ويحاولون طمس تاريخهم البطولي المجيد واستبداله بأحبار نجوم ونجمات مائعين تافهين، ليخرجوا لنا شباباً بلا عزيمة أو طموح، حتى قال فيهم القائل:
لا تلوموني فقد عز الخطاب وبكى القلب على حال الشباب
بين نشوان يهز الخصر جذلاً يتثنى مثل ربات الحجاب
أتميلون بأنغام السكارى ويحيط القدس أبناء الكلاب
يا شباب اللهو أين المجد منكم وله إن صح عزم ألف باب
- الموقف الذي وقفه تاشفين حفيد يوسف بن تاشفين في معركة البكار حيث أبى أن يفر من المعركة حتى بعدما فر جنده!!
- لقد رأى مصير الأمة مرتبطاً به ماثلاً أمامه – لأنه القائد والرمز – فإما أن ينهزم فتسقط الأندلس وإما أن يثبت فلعل الله أن يثبت المسلمين وهذا ما كان.
- وقال مقالة القائد المخلص المؤتمن (لا أسلم وأسلم الأمة)
سبحان الله!! هذا كلام رجل أحدق به الأعداء من كل جانب وفتح له الموت بابه،،،
سبحان الله!! ما كان همه إلا حال الأمة يخاف أن تضيع من بعده،،،
وتلاشت معزة الروح والحياة أمام معزة الدين،،،
سبحان الله!! لقد عزى موقفه العظيم مواقف قادة القصور والحسابات السرية الذين حسبوا على الأمة قادة، لا يشعرون بهّم الأمة ولا يرون في شعوبهم إلا مجموعة عبيد لا تصلح لهم إلا العصا ولا يصلحون إلا للطاعة، همّ أحدهم إشباع نزواته وإرضاء غروره ولتمت شعوبهم من بعد ذلك
إنما دنياي نفسي فإذا تلفت نفسي فلا عاش أحد
- مما يؤلم ويحزن القلب أن تنتهي دولة المرابطين بعبث الصغار وتفريط الكبار بعد أن أشرقت شمسها وعلا ذكرها، وهذه آفة عامة لا تكاد تقوم دولة مسلمة على الحق والعدل والقوة وتكون محط آمال الناس حتى تبدأ بالذبول، ويفسد الأواخر ما أصلح الأوائل، ويضيع الأحفاد ما بنى الأجداد، واقرأ ما يقوله الشاعر والمفكر الإسلامي محمد إقبال في ذلك (أنا أحكي لك قصة الفتوح وقصة الحكومات ورجالها في لفظ وجيز: إنهم يبدؤون بالسيف والسلاح وينتهون إلى المزمار والغناء، تلك بدايتهم وهذه نهايتهم)
- صدق ولله فهذا حقاً ما ابتليت به أمتنا – ولا أقولها إلا لائماً لا مبرراً – فكلما جاء قائد أو مجدد و بنى لنا عزاً أو مجداً جاء من بعده عابثون لاهون أضاعوا بغفلة ساعة جهد سنوات طوال، وما أسهل الهدم لكن ما أصعب البناء
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فلو كان ألف خلفهم هادم كفى فكيف ببان خلفه ألف هادم
صورة من الحياة الرغيدة في الأندلس
صفحة من القرآن الكريم من العهد الأندلسي
القرآن بالكتابة المغربية: الحبر الملون والأصباغ
هل بالامكان الحصول على كتب او رسائل تخص دور العلماء السياسي في الاندلس في عهد المرابطين