المشاعرُ المقدسةُ + مِنى - هجرة إبراهيم الخليل وبناء البيت ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
أولاً:
مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
الباب الثاني:
هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام, وبناء البيت, ودعوة الناس للحج إليه.
* المشاعرُ المقدسةُ:
- نلتقي على أرض المشاعر المقدسة ـ حيث تؤدي مناسك الحج ـ جموع الحجاج القادمين من كل صوب, وحدب, وتلتزم أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ في أداء المناسك؛ ولذلك من شرع الله ـ عز وجل ـ حكم كثيرة ـ ومعانٍ عظيمة, منها درس الوحدة, والمساواة, قال تعالى:( وَأذّن فِي النَّاسِ بالحَجُ يأَتوكَ رِجاَلاً وَعَلى كُل ضَامرٍ يَأتِينَ من كُل فَجٍ عَميقٍ ) الحج:27.
- هذا النداء الرباني منذ عهد الخليل إبراهيم عليه السلام ما يزال يتردد صداه في أنحاء الكون, وفي سائر المعمورة, وعبر جميع العصور, والأزمنة, وما تزال تهفو به قلوب, وتتحرك به أقدام, وتسير به جموع, وتؤدى به فريضة الله عز وجل.
- فقد أحرم الحاج لربه, وترك مشتهياته, وشاهد المشاعر المقدسة, وساهم مع الطائفين بالبيت, وبالصفا والمروة, ودعا بالأدعية المأثورة, وأكثر من الذكر, والتلبية, والتكبير ونحوه, ورأى كثرة الطائفين, والقائمين, والركّع السجود, وسمع ابتهالهم وتضرعهم, وشاركهم في البكاء والخشوع والإِخبات, والتذلل لله ـ تعالى ـ, وكل هذه الأعمال إذا كانت خالصة لله ـ تعالى ـ فإن أثرها يبقى معه مدى حياته, بحيث يشعر بمحبة الطاعة, والتلذذ بالعبادة, وفي هذه المشاعر المقدسة تتحقق المساواة بصورة أشد وضوحاً وظهوراً, حيث تلتقي العناصر البشرية المؤمنة كلها, من بيضاء وملونة, على صعيد واحد, وبثياب واحدة؛ لأن شعيرة الإحرام تفرض على الحجاج, والمعتمرين, أن يتجردوا من ملابسهم العادية, ويلبسوا ثياباً بيضاء لم يدخلها التكلف, والتفصيل, شبيهة بأكفان الموتى, يستوي فيها الملك, والسّوقة, والأبيض, والأسود, والغني, والفقير, وينطلق الجميع ملبين بهتاف واحد (لبيك اللّهم لبيك). مبتهلين إلى رب واحد, معظمين لشعائره, لا فرق بين سيد, ومسود, ولا بين آمر, ومأمور, ولا أبيض, وأسود إلا بالتقوى ... .
* أشهر الأماكن الدينية والتاريخية بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة:
- الأماكن التي يتعلق بها قلب كل مسلم والتي يجدر به أن يعرفها في مكة المكرمة, والمشاعر المقدسة؛ من مواضع مباركة شرّفها الله تعالى وفضَّلها على غيرها, منها مواضع للعبادة, والتأمل, والاعتبار, والاتعاظ, ومنها للزيارة, والمشاهدة, فهناك أهميةٌ كبيرةٌ لمعرفة هذا المواضع والأمكنة, من ناحية تاريخ الإنسانية بصفة عامة؛ ولأن تاريخ مكة المكرمة الذي يشكل قسماً كبيراً من تاريخ الإنسانية, مرتبط في أغلب الأحوال بتاريخ الكعبة, وبالحج إلى بيته الحرام منذ القدم إلى يومنا الحاضر؛ لذا ينبغي على كل مسلم أن يكون على بصيرة, ودراية تأميّن, عن شعيرة الحج والعمرة, كما يجب عليه أن يكون كذلك في سائر العبادات؛ حتى تكون هناك قيمة للعبادة التي يؤديها على النهج السليم, والطريق الأمثل.
* مِنــــــى:
- يُعرف مسجد الخيف بمنى بمسجد المعيشومة لشجرة كانت في موقعه, وإن غلبة عليه تسمية ((الخيف)) التي تعني المكان المرتفع عن الأرض, فهو يقع على خيف جبل الصابح, وشُيد لأول مرة في العهد النبوي, ثم أُجريت فيه ترميمات, وإصلاحات, وتوسعات على مر القرون الإسلامية .. وظلت نفس العمارة قائمة حتى العهد السعودي الذي شهد فيه أكبر توسعة, لتصل مساحته إلى 13 ألف متر مربع؛ ليصبح بذلك؛ ثالث أكبر مسجد بمنطقة مكة المكرمة بعد المسجد الحرام, ومسجد نمرة, ويصلي فيه آلاف الحجاج في كل موسم حج.
- وتشمل المساجد الأثرية المندثرة في مِنى مسجد المنحر, الذي كان موقعه بين الجمرتين الأولى, والوسطى, وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلَّى في مكانه, ونحر فيه هديه.
- وكذلك اختفى أي أثر لمسجد الكوثر, الذي كان مسجداً صغيراً شُيِّد في موقع وسط مِنى, نزلت فيه ((سورة الكوثر)) على النبي صلى الله عليه وسلم, ومن المساجد الأثرية بمِنى أيضاً مسجد السرر, الذي يُسمَّى أيضاً مسجد عبد الصمد؛ نسبة إلى عبد الصمد بن علي بن عبد الله العباس.
- وكان موقع مسجد الكبش قبل أن يندثر في أسفل ((جبل ثبير)) مما يلي مِنى على يسار الذاهب إلى عرفة .. ويقال: إنه نحر فيه الكبش الذي فدى الله سبحانه وتعالى به إسماعيل عليه السلام.
- أما مسجد المرسلات: فكان مسجداً صغيراً في موقع بسفح جبل الصابح جنوبي مسجد الخيف, وقد نزلت سورة المرسلات في غار بمكانه, ومسجد عائشة الذي يعرف كذلك باسم معتكف عائشة, أو بيت أم المؤمنين, فكان موقعه بسفح جبل بثبير مما يلي مِنى فوق مكان مسجد الكبش.
* مِنــــــى:
- مِنًى: بالكسر, والتنوين, في دَرج الوادي الذي ينزله الحاجُ ويرمي فيه الجمار من الحرم, قيل: لأن آدم, عليه السلام, تمنّى فيها الجنّة, وقيل: مِنًى من مهبط العقبة إلى محِسّر, وموقف المزدلفة من محِسّر إلى أنصاب الحرم, وموقف عرفة في الحلّ لا في الحرم, وهو مذكر مصروف, وقد امتنَى القومُ إذا أتوا مِنى, عن يونس, وقال ابن الأعرابي: أمنَى القوم ومنى الله الشيء قدّره وبه سمي منًى, وقال ابن شُمَيل: سمي مِنى؛ لأن الكبش مُنِيَ به أي ذبح, وقال ابن عُييَنة: أُخذ من المنايا: وهي بُليدة على فرسخ من مكة, طولها ميلان, تعمر أيام الموسم وتخلو بقية السنة إلا ممن يحفظها.
- وقَلّ أن يكون في الإسلام بلد مذكور إلا ولأهله بمنى مضرب, وعلى رأس منًى من نحو مكة عقبة تُرمى عليها الجمرة يوم النحر, ومنًى شعبان بينهما أزقّة, والمسجد في الشارع الأيمن, ومسجد الكبش بقرب العقبة, وبها مصانع وآبار, وخانات, وحوانيت, وهي بين جبلين مطلّين عليها.
- وقد ذكر منًى العراء فقال بعضهم:
ولما قضينا من منًى كلّ حاجة, ومَسّحَ بالأركان من هو ماسحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا, وسالت بأعناق المطيّ الأباطحُ
- وقال العرجي:
نَلبَثُ حولاً كلّه كاملاً لا نلتقي إلا على مَنهَج
الحج إن حَجّت, وماذا منًى وأهلهُ إن هي لم تحجُج؟
- ذكر البلادي في كتابه: أن مِنى أحد مشاعر الحج وأقربها إلى مكة وشهرته تغني عن تعريفه, فيه المعالم التاريخية والأثرية: الجمرات الثلاث, ومسجد الخيف, ومسجد الكبش, وأكثر الشعراء من ذكره وسموه المنازل, أو أضافوا المنازل إليه.
منظر عام لمِنى أثناء الحج ويظهر مسجد الخيف في وسط الجزء الأيمن من الصورة
- أمكان رمي الجمرات بمِنى وهو اقتداء بإبراهيم الخليل عليه السلام, لذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما رواية البيهقي بعد أن ذكر القصة: الشيطان ترجمون؟ وملة أبيكم إبراهيم تتبعون.
- وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: فكان الرمي رمزاً وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله ـ تعالى ـ بها في قوله: ((إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً)) فاطر: 6. أ. هـ.
مسجد الخيف أحد المساجد التاريخية في الإسلام, وهو علامة بارزة في مشعر مِنى, وتمت توسعته وإعادة عمارته في سنة 1407هـ ـ 1987م
- مسجد الخيف: يقع في سفح جبل مِنى الجنوبي قريباً من الجمرة الصغرى, وتوجد بصفة دائمة أعداد كبيرة من الحجاج, وفي فضل هذا المسجد, فقد روى الإمام البيهقي بإسناده في سننه الكبرى عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه قال: صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً.