أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
أولاً:
مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
الباب الثاني:
هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام, وبناء البيت, ودعوة الناس للحج إليه.
* قصة الحجر الأسود:
* الحجر الأسود: حجر لونه أسود مائل للحمرة, موجود في الركن الجنوبي الشرقي, يسار باب الكعبة المشرفة, يرتفع عن أرض المطاف بـ 1,10م, وهو مغروس داخل جدار الكعبة المشرفة.
- والجدير بالذكر: أن الحجر الأسود قد تكسَّر على مر الحوادث التي مرت به, كان قطر الحجر الأسود حوالي 30سم, أما الآن فلم يتبق منه سوى ثمان حصوات صغيرة جداً في حجم التمرات, ويحيط بها إطار من الفضة, وليس كل ما داخل الطوق الفضي من الحجر الأسود, وإنما هناك 8 قطع صغار في وسط المعجون, وهذه القطع هي المقصودة في التقبيل والاستلام.
- ومن الحجر الأسود يبدأ الطواف وينتهي؛ ولذا يقال له: الركن باعتبار وجوده في الركن الأهم من البيت الحرام, وهو الركن الذي يبتدئ الطواف منه وهو الركن الشرقي, وأصل لونه أبيض عدا ما يظهر منه فإنه أسود, ولعل ذلك بسبب حريق وقع في الكعبة في عهد قريش, ثم الحريق الذي حصل مرة أخرى في عهد ابن الزبير؛ مما أدى إلى تفلقه إلى ثلاث فلق, وقد قام ابن الزبير بشدِّه بالفضة حينما بنى الكعبة.
- والطواف: ركن من أركان الحج في جميع المذاهب (طواف الإفاضة) وفي العمرة كذلك (طواف الركن), وبدء الطواف يكون من الحجر الأسود, فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه, قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمَّل ثلاثاً ومشى أربعاً... .
- قال الشوكاني: فيه دليل على أنه يستحب أن يكون ابتدأ الطواف من الحجر الأسود بعد استلامه, وحكي في البحر عن الشافعي والإمام يحيى: أن ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض, وقال ابن رشد صاحب بداية المجتهد: والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجباً كان أو غير واجب, أن يبتدئ من الحجر الأسود... فإن ابتدأ من غيره لم يعتد بما فعله حتى يصل إلى الحجر الأسود.
* الحجر الأسود:
- الحَجَرُ الأَسود: قال عبد الله بن عباس: ليس في الأرض شيءٌ من الجنة إلا الركن الأسود والمقام, فإنهما جوهرتان من جواهر الجنّة, ولولا من مسهما من أَهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله.
- وقال عبد الله بن عمرو ابن العاص: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما, ولولا ذلك لأَضاءَا ما بين المشرق والمغرب.
- وقال محمد بن علي: ثلاثة أحجار من الجنة: الحجر الأَسود, والمقام, وحجر بني إسرائيل.
- وقال أبو عرارة: الحجر الأَسود في الجدار, وذرع ما بين الحجر الأَسود إلى الأَرض ذراعان وثلثا ذراع, وهو في الركن الشمالي, وقد ذكرت أَركان الكعبة في مواضعها.
- وقال عياض: الحجر الأَسود يقال هو الذي أَراده النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: إني لأَعرف كان يسلّم عليَّ, إنه ياقوتة بيضاءُ أَشد بياضاً من اللبن فسوّده الله تعالى بخطايا بني آدم, ولَمسِ المشركين إياه؛ ولم يزل هذا الحجر في الجاهلية والإسلام محترماً معظّماً مكّرماً يتبركون به ويقبِلّونه إلى أَن دخل القرامطة لعنهم الله في سنة 317هـ إلى مكة عنوة, فنهبوها, وقتلوا الحُجّاج, وسلبوا البيت, وقلعوا الحجر الأَسود وحملوه معهم إلى بلادهم بالأَحساء من أَرض البحرين وبذل لهم بَجكم التركي الذي استولى على بغداد في أيام الراضي بالله أُلوف الدنانير على أَن يردوه فلم يفعلوا! حتى توسَّط الشريف أَبو علي عمر ابن يحيى العلوي بين الخليفة المطيع لله في سنة 339 وبينهم حتى أَجابوا إلى ردّه, وجاؤوا به إلى الكوفة, وعلَّقوه على الأسطوانة السابعة من أَساطين الجامع, ثم حملوه وردّوه إلى موضعه واحتجوا وقالوا: أَخذناه بأَمر, ورددناه بأَمر, فكانت مدة غيبته اثنتين وعشرين سنة... .
* لماذا يُقبَلّ المسلمون الحجر الأسود؟
- اشتهرت مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" أنه جاء إلى الحجَرِ الأسوَدِ فقبَّله، فقال : إني أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أني رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك " صحيح البخاري.
- قال الحافظ ابن الحجر: قال الطبري: إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام, فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار, كما كانت العرب تفعل في الجاهلية, فأراد عمر أن يعلم النَّاس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته, كما كانت تعتقده في الأوثان.
- وقال الحافظ: وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين, وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها, وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله, ولو لم يعلم الحكمة فيه, وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصيةً ترجع إلى ذاته, وفيه بيان السنن بالقول, والفعل, وإن الإمام إذا خشي على أحد من فعله أن يفسد اعتقاده, أن يبادر إلى بيان الأمور ويوضح ذلك.
- من هنا يظهر أن تقبيل الحجر الأسود ليس على سبيل التعظيم, وإنّما هو سبيل الحبّ, كما يُقَبِّل أحدُنا أولادَ أو زوجتَه. فلو كان التقبيل دليلاً على التعظيم, لا ستلزم أن الجميع يعبد زوجته. ومن الواضح أنّ ذلك غير معقول؛ فعُلمَ أن التقبيل لا يستلزم العبادة والتعظيم؛ فقد يكون مصدره الحبّ!.
- وقد أبان هذه الحقيقةَ عمر الفاروق رضي الله عنه على رؤوس الأشهاد؛ فعندما أراد أن يقبِّل الحجر الأسود لدى الطواف, قال على مرأى من الأعراب ما معناه: إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر, ولا تنفع, ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتُك؛ فلو كان الحجر معبوداً, لما قال له عمر رضي الله: إنك لا تضر, ولا تنفع؛ فعُلمَ أن الدافع إلى تقبيله هو الحبّ.
* مقام إبراهيم الخليل ((عليه السلام)):
* مقام إبراهيم:
- هو الحجر الذي كان يقوم عليه إبراهيم عليه السلام, عند بناء الكعبة لما ارتفع جدارها, فكان إبراهيم يصعد عليه, وإسماعيل يناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع جدار الكعبة, وكلما كملت ناحية انتقل إلى الأخرى, يطوف حول الكعبة, ينتقل من جدار إلى آخر حتى تمت جدران الكعبة, فكانت آثار قدمي إبراهيم ظاهرة فيه, ولم يزل هذا معروفاً تعرفه العرب في جاهليتها؛ ولهذا قال أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم في قصيدته المعروفة اللامية:
وموطئ إبراهيم في الصخرة رطبةٌ على قدميه حافياً غير ناعلِ
- واستمر ذلك الحجر يراه الناس, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "رأيت المقام فيه أصابعهُ عليه السلام, وأخمص قدميه, غير أنه أذهبه مسحُ الناس بأيديهم".
* موضع المقام:
- روى الأزرقي بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم), وأبي بكر, وعمر, في الموضع الذي هو فيه الآن, حتى جاء سيل في خلافة عمر (رضي الله عنه), فاحتمله حتى وجِد أسفل مكة فأُتي به, فرُبطَ إلى أستار الكعبة, حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول, فأعاد إليه, وبنى حوله.
- إن مقام إبراهيم عليه السلام أثرٌ عظيم, حفظه الله. تعالى. على مر الدهور, منذ زمن إبراهيم عليه السلام, إلى عصرنا الحاضر, بل قال بعض المؤرخين:
إنه لا يوجد عند أمة من الأمم غير الأمة الإسلامية أثرٌ حفظه الله. تعالى. ـ طيلة الدهور مثل: الحجر الأسود, ومقام إبراهيم عليه السلام. وهما لا يزالان محفوظين بعناية الله. تعالى ـ, وحفظه لبيته الحرام إلى يوم القيامة.
* حُلية المقام:
- أول من حلّى المقام الخليفة المهدي العباسي؛ لما خشي عليه أن يتفتت فهو من حجر رخو, فبعث بألف دينار, فضببوا بها المقام من أسفله إلى أعلاه, وفي خلافة المتوكل زيد في تحليته بالذهب, وجعُل ذلك فوق الحلية الأولى, وذلك في صدر سنة 236هـ.
- ولم تزل حلية المهدي على المقام حتى قلعت عنه في سنة 256هـ؛ لأجل إصلاحه, فجدد وصب عليه حليته الأولى, فعمل له طوقان من ذهب فيهما 992 مثقال, وطوق من فضه, وأحضر المقام إلى دار الإمارة, وأذيبت له العقاقير بالزئبق, وشد بها شداً جيداً حتى التصق, وكان قبل ذلك سبع قطع قد زال عنها الالتصاق, لما قلعت الحيلة عنه في سنة 255هـ؛ لأجل إصلاحه. وكان الذي شده بيده في هذه السنة بشر الخادم مولى أمير المؤمنين المعتمد العباسي, وحمل المقام بعد اشتداده, وتركيب الحلية إلى موضعه وذلك في سنة 256هـ.
- ومن المعلوم أيضاً أن هذا الحجر كان داخل مقصورة نحاسية مربعة الشكل, وعليها قبة قائمة على أربعة أعمدة, تحتل مساحة كبيرة بجوار الكعبة, إلا أن كثرة الحجاج في السنوات الأخيرة أوجبت توسعة المطاف بعد أن ضاق بالطائفتين, فكان وجود القبة عائقاً لهذه التوسعة, ودارت مناقشات بين علماء المسلمين حول جواز نقل المقام من موضعه, واختلفت الآراء بين القول بالجواز أو عدمه.
- وانتهى الأمر إلى قرار من رابطة العالم الإسلامي في جلسة الرابطة المنعقدة بتاريخ (25 من ذي الحجة سنة 1384هـ) بإزالة جميع الزوائد الموجودة حول المقام, وإبقاء المقام في مكانه على أن يُجعل عليه صندوق بلوري سميك قوي على قدر الحاجة, وبارتفاع مناسب يمنع تعثر الطائفين, ويتسنى معه رؤية المقام, ووافق الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية ـ رحمه الله ـ وأصدر أمره بتنفيذ ذلك, فعمل له غطاء من البلور الممتاز, وأحيط هذا الغطاء بحاجز حديدي, وعملت له قاعدة من الرخام نُصبت حول المقام لا تزيد مساحتها عن 180سم في 130سم, بارتفاع 75سم, وتم ذلك في رجب سنة 1387هـ؛ حيث جرى رفع الستار عن الغطاء البلوري في حفل إسلامي مهيب, واتسعت رقعة المطاف, وتسنى للطائفين أن يؤدوا مناسك الطواف في راحة, ويسر, وخفت وطأة الزحام كثيراً.
- قال تعالى:( وَإذ جَعَلنَا البَيتَ مَثاَبًة للنَّاسِ وَأَمناً واَّتخذُوا مِن مَّقَام إبرِاهيمَ مُصَلَّى وَعَهدنا إلِى إبِراهيمَ وأسمعيِل أَن طهّرَا بَيتَي للّطائفِينَ والعَكِفينَ والرّكَّع والسُّجُودِ ) البقرة: 25.
- في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك/ فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ تم تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه السلام من النحاس المغطى بشرائح الذهب, والكريستال, والزجاج المزخرف, وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري, القوي, الجميل, المقاوم للحرارة, والكسر, على مقام إبراهيم عليه السلام, وشكله مثل القبة نصف الكرة, ووزنه 1,750 كجم, وارتفاعه 1,30 م, وقطره من الأسفل 40سم, وسمكه 20سم من كل الجهات, وقطره من الخارج من أسفله 80سم, ومحيط دائرته من أسفله 2,51م.
- حدَّثنا آدم,ُ حدَّثنا شعبةُ, حدَّثَنا عمرُو بنُ دينار, قال: سمعتُ ابنَ عمرَ رضيَ الله عنهما يقول:( قِدمَ النبي صلى الله عليه وسلم فطَاف بالبيِت سبعاً, وصلَّى خَلفَ المقام ركعَتين, ثم خرجَ إلى الصَّفاَ, وقد قال الله تعالى:" لقد كانَ لكم في رسول اللهِ أسوةٌ حَسَنةٌ " ) الأحزاب:21.
جزاكم الله خيرا معلومات جدا قيمه اللهم زدنا علما