أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
ثانياً :
المدينة النبوية
الباب الخامس:
من أبرز المعالم في المدينة النبوية
* صور ومرتسمات تاريخية عن المدينة النبوية:
- حظيت المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة, باهتمام المصورين عرب وأجانب, فعلى مدى عقود وقبل اكتشاف التصوير الشمسي والفوتوغرافي, كانت المدينتان محط أنظار الرحالة الأوروبيين الذين تجولوا في الجزيرة العربية, التي كانت معظم مناطقها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي شبه مجهولة بالنسبة للمصورين الأجانب, باستثناء بعض الصور لمدن جدة وعدن ومسقط, التي التقطها على ما يبدو مصورون كانوا في طريقهم إلى الهند. ولم تظهر أية صورة شمسية لمناطق شبه الجزيرة العربية قبل عام 1861م, علما أن اكتشاف التصوير الشمسي تم الإعلان عنه في عام 1830م.
- ويذكر مؤرخو التصوير بأن الرحالة الأوروبيين الذين تجولوا في شبه الجزيرة العربية من أمثال دومينغو باديا ليبيليش, والمعروف باسم ((علي بك)), وجون لويس بوركهادرت وغيرهما, نشروا مخططات طبعت بطريقة الحفر لمدن جدة, وينبع, ومكة المكرمة وغيرها من المدن, وكانت تسبق عملية نشر تلك المخططات مرحلة يقوم فيها رسامون محترفون, وحفارون بوضع اللمسات الفنية التي يرونها مناسبة على هذه المخططات, وفي أكثر الأحيان كانت هذه الرسوم تختلف عن الرسم الانطباعي الأصلي الذي نقلت عنه, لكن على النقيض من ذلك, فإن الصور الفوتوغرافية في مجملها كانت عبارة عن سجل بصري دقيق لما سجلته عدسة المصور في لحظة معينة من الزمن.
- ونجحت مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض في اقتناء مجموعة من الصور النادرة لكل من مكة المكرمة, والمدينة المنورة, بعدسات مصورين عرب, وغربيين أثناء رحلاتهم للديار المقدسة؛ لذلك رأى معالي الأستاذ/ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر, نائب وزير التربية والتعليم, والمشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض, أن اقتناء هذه الصور وتضمينها في كتاب, يؤكد ان النهج الحضاري للمكتبة التي تحظى بدعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ سلمه الله ـ؛ لتكون مركزاً للحياة الثقافية, والفكرية, والاجتماعية, وملتقى لتواصل الثقافات والحوارات الإنسانية, من خلال ما تقتنيه من مصادر معلوماتية متنوعة في مجالات المعرفة المختلفة, والحرص التام على جمع الإنتاج الفكري, والعربي, والأجنبي وتوثيقه بجميع أشكاله, خاصة التراث العربي, والإسلامي, ويأتي على رأس ذلك مجموعة الصور النادرة والقديمة لمكة المكرمة, والمدينة المنورة, التي استفدت منها كثيراً في هذه الأطلس الخاص عن الحج والعمرة ((تأريخاً وفقهاً)).
صورتان للمسجد النبوي الشريف من الداخل, الأعلى للروضة الشريفة, والجانبية للمسجد من الداخل تصوير محمد حلمي سنة 1366هـ
مرتسم للمدينة النبوية من كتاب ((دليل إلى العتبتين المقدستين)) غلام علي؛ جمادى الآخرة 990هـ-1582م.
مصدر المرتسم, وحدة الفن الإسلامي معرض عن الفن الإسلامي بقاعة الفن الإسلامي بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية, الرياض1405هـ.
جزء من منظر ((مرتسم)) للمدينة النبوية حيث تظهر اللوحة المسجد النبوي الشريف, تم رسمها من قبل برتن خلال رحلته إلى الديار المقدسة مابين عام 1835م-1854م.
المرتسم, كتاب ((الديار المقدسة قبل قرنين بريشة ريتشارد برتن وآخرين))
* مكانة الحج في الإسلام:
- قال تعالى:( إنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضعَ للنَّاسِ لَلَّذي ببَكَّة َمُبَاركاً وهُدىً للعَالَمِينَ* فيِهِ آياتٌ بَينَاتٌ مَّقَامُ إبرَاهِيم وَمَن دَخَلَهُ كاَنَ آمِناً وللهِ عَلى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيِه سَبِيلاً ومَن كَفَر فَإنَّ الله غَنُي عنِ العَالَمِينَ ). آل عمران .
- وفريضة الحج ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور, فعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:( بُنِيَ الِإسلام ُعَلى خَمسٍ: شَهادَةِ أَن لا إِلهَ إلاّ الله, وَأَنَّ محمداً رسولُ الله وَإقامِ الصلاةِ, وإيِتاءِ الزَّكاةِ, والحَجَّ, وصَومِ رَمَضان ).
- وقد فُرِض مرة واحدة في العمر على كل مسلم ومسلمة, فعَن أبي هُرَيرَةَ, قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَقَالَ:( إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَد فَرَضَ عَليَكُمُ الحَجَّ ) فَقَالَ رَجُلٌ: في كُلّ عَام؟ فَسَكَتَ عَنهُ, حَتَّى أَعَادَهُ ثَلاَثاً فقَالَ:( لَو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَت وَلَو وَجَبَت مَا قُمتُم بَها ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُم فَإنَّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤَالِهِم وَاختِلاَفِهِم عَلَى أَنبِياَئِهِم فَإذَا أَمَرتُكُم باِلشَّيِء فَخُذُوا بِهِ مَا استَطَعتُم وَإذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَاجتَنِبُوهُ ).
- فهذا الركن العظيم؛ فرضه الله ـ تبارك وتعالى ـ في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح من أقوال العلماء, قال تعالى:( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ الله غَنيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ) آل عمران.
- وقد افترضه الله ـ تبارك وتعالى ـ على المسلم العاقل, البالغ المستطيع في العمر مرة واحدة, وهو من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله ـ عز وجل ـ, وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث كثيرة في فضائل الحج, نذكر منها ما تيسر, فمنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضيَ الله عنهُ قال:( سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: إيمانٌ بالله, ورسولِهِ. قيل ثمَّ ماذا؟ قال: جهادٌ في سبيلِ الله. ثم ماذا؟ قال: حجٌ مَبرُورُ ). وروى البخاري ومسلم عن عائشةَ بنتِ طلحةَ ( عن عائشةَ رضي َالله عنها أنها قالت: يا رسول اللهِ, نرى الجهادَ أفضلَ العملِ, أفلا نُجاهِدُ؟ قال: لكُنّ أفضلُ الجهادِ حَجٌ مَبرور ).
* والحج؛ هذا الركن العظيم, هجرة إلى الله تعالى؛ استجابة لدعوته الكريمة:( وَأذّن في النَّاسِ بالَحج يَأُتوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُل فَجٍ عَمِيقٍ ) وموسماً دورياً, يلتقي فيه المسلمون كل عام على أصفى العلاقات وأنقاها؛ ليشهدوا منافع لهم على أكرم بقعة, وأطهر أرض, وأقدس مكان, ـ شرفه الله تعالى ـ, وسنتعرف على شيء من هذه الشعيرة العظيمة من الناحية الفقهية في الصفحات القادمة ـ إن شاء الله تعالى.