لفلي سمايل

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

تاريخ الإضافة : 1-6-1433 هـ

الباب الثاني: الدولة الأموية في الأندلس

 

الفصل الثالث: عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

 

رابعاً: غزوة الخندق

- تطور القتال بين المسلمين في الأندلس والنصارى في شمالها، وجرت أحداث معركة تُعدّ من أخطر ما مر على الأندلس زمن عبد الرحمن الناصر، هي "غزوة الخندق".

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

قرطبة ، المسجد الكبير، منظر نحو المحراب، الجناح المؤدي إلى المحراب

( الذي كان هو الجناح المركزي حتى توسع المنصور )

أوسع من الأجنحة المشتركة ونلاحظ أنه قد تحول إلى متحف للزوار فقط.

 

* أوضاع النصارى في الأندلس:

- وقبل أن ندخل في تفاصيلها نلقي نظرة عامة على أوضاع نصارى شمال الأندلس، فقد كانت هناك ثلاث ممالك وقواتها مقسمة تبعاً لذلك إلى:

1- مملكة ليون شمال غرب الأندلس.

2- مملكة نافار التي استطاع الناصر أن يبسط عليها سيطرته في غزوة "بنبلونة" التي سبق ذكرها، وأعاد الملكة "طوطة" وحفيدها "غرسيه" إلى الحكم في أقصى الشمال.

3- منطقة شمال شرق الأندلس ويحكمها الفرنسيون.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

صندوق مجوهرات من العاج في مدينة الزهراء

 

* هجوم ليون:

- وكانت مملكة ليون أخطر هذه الممالك على المسلمين لقربها من بلادهم، وقد تربع على عرشها عام 321هـ "راميرو الثاني" بعد صراع ومنازعات شديدة استمرت بين أعضاء هذه المملكة للاستيلاء على الحكم استمرت سبع سنوات. فأراد "راميرو" إظهار قوته بأول عمل له فتوجه إلى حصن "وَخْشمة"، فخرج المسلمون تاركين الحصن كما انسحبت القوة المدافعة عنه إلى الجبال.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

الملك " راميرو " يتجه لقتال المسلمين عند حصن " وخشمة "

 

* عام 323هـ - 935م خيانة في سرقسطة:

- بادر الناصر على عجل بنفسه يقود جيشه لملاقاة ملك ليون نشاطه، إلا أن "راميرو" رفض المواجهة وتجنب الصدام فآثر الانسحاب، رأى عبد الرحمن الناصر أن يبدد قوة ليون، وأن يزيل خطر مملكة الشمال الغربي "ليون"، فتوجه عام 323 هـ لضربها وتمزيقها، لكن الوالي الذي كان قد عينه الناصر على مدينة "سرقسطة" ويدعى "محمد بن هشام التجيبي" أعلن عصيانه، وثار على الناصر وأرسل إلى حكام المدن والمناطق الإسلامية القريبة منه أن يثوروا، ويعلنوا استقلالهم وانفصالهم عن الخلافة، ولم يكتف بهذا بل أرسل إلى "راميرو الثاني" يعرض عليه خضوعه، ويطلب إليه العون والمساعدة فأرسل إليه ما طلب فوراً، أما حكام المناطق الإسلامية - ولو أعلن بعضهم التمرد على سلطة الناصر - قد رفضوا خيانة المسلمين أو الغدر بهم لما أرسل إليهم "راميرو الثاني".

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

أشكال من الخطوط الكوفية المنقوشة على الأبنية

 

* عام 326هـ - 938م النصارى يسندون الثورة:

- وما لبثت "طوطة" أن نقضت عهدها متأثرة بنشاط ملك ليون ونسيت فضل الخليفة عليها وعلى حفيدها حين أعادهما ملكين إلى حكم "نافار"، فأرسلت إلى "راميرو" تساعده وتحالفت معه بإثارة الهجوم والقتال على حدود المسلمين وثغورهم، وأدت بذلك معونة ضخمة ودعماً قوياً إلى حلف ملك ليون ومحمد بن هشام التجيبي، وشكلت بذلك جبهة ًواحدةً وتحالفاً قوياً، وبدا بذلك التحالف الثلاثي (ليون - نافار - التجيبي) الخطر الكبير على الخلافة الأموية في الأندلس.

 

* الناصر يهجم بنفسه:

- لم ينتظر الناصر تطور هذا التحالف، فأسرع يقود جيشه بنفسه سنة 326هـ، وبدأ جهاده بحصار قلعة أيوب، وهي من أشهر من الحصون المهمة المتمردة التي حالفت النصارى، واستطاع اقتحامها، وقتل قائدها "مطرف بن منذر التجيبي"، وقتل كذلك قادة قوات الدعم الذي أرسله "راميرو الثاني" لمساعدة مطرف.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

الناصر يحاصر قلعة أيوب وهي من الحصون المتمردة التي حالفت النصارى

 

* عام 326هـ - 938م خيانات متتالية:

- وعين أميراً جديداً من أحد أقاربه يدعى أحمد بن إسحاق قائد الفرسان على حصار "سرقسطة" بعد أن وصل إليها ثم جاوزها، كان أحمد بن إسحاق هذا متآمراً يراسل الفاطميين سراً ليتفرد بالسلطة، ولما عيّن حاكماً على منطقة "سرقسطة" - سوى المدينة - ظن أن الفرصة قد حانت له، وآن الأوان لإظهار نواياه السيئة، فتهاون في الحصار، ولم يبذل في تهدئة الأمور شيئاً، فأطلع الخليفة على حقيقته، وأرسل من يقبض عليه ويغتاله، ويقضي على عصيانه، ووصل هذا الخبر إلى "أمية بن إسحاق" أخي أحمد فأعلن العصيان على الإمارة، وتمرد على الناصر في مدينة "شنترين" غرب الأندلس، ولكن قائداً من قواد الخليفة الناصر استطاع أن يتصدى لمؤامرة هذا الخائن الذي فرّ إلى مملكة ليون يستنجد ب "راميرو الثاني"، ويحارب معه، ويدله على عورات المسلمين.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

رأس عمود، في سرقسطة ونقش على المرمر

 

* عام 326هـ - 938م فتح سرقسطة:

- تمكنت قوات الخليفة من فتح "سرقسطة" وإنهاء التمرد، ووقع حاكمها "محمد بن هشام التجيبي" أسيراً فأرسل إلى الناصر فطلب منه أن يعفو عنه وأن يسامحه وأظهر له صدقه وولاءه وخضوعه، فعفا عنه الناصر وأعاده إلى منصبه حاكماً لسرقسطة.

 

* استسلام الملكة  طوطة:

- تابع الناصر تقدمه بجيشه يدمر حصون مملكة نافار وقلاعها ويمزق جيش الملكة "طوطة" التي أصبحت عاجزة عن الاستمرار في القتال فاستسلمت، وتقدمت تطلب الخضوع وتظهر الطاعة تعطي المواثيق، و { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } التوبة:12، فقبل الخليفة طلبها، وأقرها وحفيدها "غرسية" على مملكة نافار مرة ثانية.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

رأس عمود آخر في سرقسطة

 

* عام 327هـ - 939م قلعة سمورة:

- لما استطاع الناصر أن يمزق شمل هذا التحالف الثلاثي: ليون - نافار - المتمردين التجيبيين، لم يبق أمامه سوى شمال غرب الأندلس "مملكة ليون" خصمه هناك اللدود "راميرو الثاني"، فبدأ يستعد لإجراء معركة فاصلة حاسمة ضده، وينظم جيشه الذي وصل تعداده إلى مائه ألف مقاتل. وبعد أن أكمل استعداداته، توجه الخليفة نحو قلعة "سمورة" وكانت أقوى قلعة لمملكة ليون، لها سبعة أسوار، وبين الأسوار خنادق واسعة عميقة تغمرها المياه، بالإضافة أن لها حامية قوية وفيها قوات عديدة للدفاع عنها.

 

- نجح الناصر في اقتحام السور الأول، ثم تابع جنده إلى السور الثاني فجاوزوه ثم إلى الثالث، وانتهى الأمر إلى ذروته، فاشتد النصارى للقتال يدفعهم الخوف بحيث لو سقطت القلعة في "سمورة" لأصبحت أبواب مملكة ليون  مفتوحة.

 

- وكان الغرور قد دب في نفوس بعض القادة من جند الناصر وعلى رأسهم "نجدة الصقلبي" مع وجود بعض القادة غير الأكفاء في مراكز القيادة وظهور العصبيات مع اغترار بعض المسلمين بكثرة العدد، وبالانتصارات التي سبقت، وكأنهم نسوا قوله تعالى:{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } التوبة:25، أدت كل هذه الأمور وأمثالها إلى إنقاص الحماس للقتال، فتهاون هؤلاء واسترخوا وأظهروا قصوراً واضحاً في متابعة زخم الهجوم والتقدم نحو الأمام بقوة.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

الناصر وجنده يفرون من المعركة بعد أن تهاونوا وأصابهم الغرور وظهرت بينهم العصبيات

 

* عام 327هـ - 939م هزيمة الناصر:

- استفادت قوات العدو المدافعة عن القلعة من فتور بعض المسلمين، فنظمت هجوماً مضاداً قوياً تمكنت بواسطته تدمير قوة هجوم جند الناصر، وأثارت الاضطراب في تنظيمه، فبدأت الهزيمة تدب في صفوف الجيش الأندلسي، فأسرع "راميرو الثاني" إلى تطوير هذه الهزيمة بالهجوم المتواصل حتى حولّ هزيمة جيش الناصر إلى مطاردة، وكان ذلك في شهر شوال سنة 327 هـ، فرّ الناصر وجنده نحو "شلمنقه" على شاطئ نهر "دويرة"، وتوقف فيها لإعادة تنظيم قواته ومحاولة الجمع لإيقاف المطاردة المعادية، إلا أن ملك ليون لم يدع له الفرصة، وساندته "طوطة" التي خانت للمرة الثانية وهذا شأن غير المسلمين { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } التوبة:8، كما بينه سبحانه وتعالى:{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } التوبة:10، ودارت رحى معركة ثانية، فانهزم جند الأندلس مرة أخرى.

 

* الخندق:

- وصل المسلمون منهزمين إلى مكان يدعى الخندق يقع جنوب شرق "شلمنقة" فقام الناصر وجنوده بهجوم مضاد قوي، لكن هذا الهجوم لم يفد شيئاً إذ لم يتمكن جيش الأندلس من مجابهة ضراوة هجوم الشمال - مملكة ليون ومملكة نافار- ففروا على غير نظام، وقتل قائد الجيش "نجدة الصقلبي" واستشهد عدد من العلماء، وأسر "محمد بن هشام التجيبي" كما أصيب الخليفة الناصر بجراح، فوّلى باتجاه قرطبة وليس معه سوى خمسين فارساً فقط، ولم ينج من الأسر إلا بأعجوبة.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

درهم مصكوك في عهد عبد الرحمن الثالث، سنة 331 هـ

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

فلس الإمارة الأموية، عبد الله

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

غرناطة الحمراء، ساحة البركة،

يعد هذا البرج من أعظم بروج الحمراء وتوجد فيه قاعة السفراء ( قاعة الإستقبال )

 

* تقدم النصارى إلى العاصمة قرطبة:

- وتقدمت قوات التحالف الشمالي إذ قرر "راميرو" أن يسقط قرطبة فلم يعد أمامه مانع، لقد دمر الجيش الكبير مائة ألف مقاتل، ولم يبق إلا خمسون فارساً.

- لكن "أمية بن إسحاق"- هذا الخائن وأخوه كما مر ذكرهما - أخذته بقية من إيمان، وتحركت فيه جذوة من نور، فخاف على المسلمين، فأقدم على "راميرو" يوقعه في مكر أعده - وقد حفظ له التاريخ هذه المكرمة - يقول له: إن ما عمله عبد الرحمن الناصر خطة محكمة يُغريك لتتقدم فتقع في مصيدة أعدها لك، ليدمرك وقوتك، ولا يزال هناك كثير من الكمائن على مجنبتي الطريق الموصل إلى قرطبة تتربص لك ولجيشك، ثم رغبه بالاكتفاء بما حصل عليه من الغنائم وأنه يكفيه فخراً بما حقق من انتصار كبير على هذا الناصر الذي ظن وجنوده أنهم لن يغلبوا.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

البقية الباقية من الناصر وجنوده الخمسين لم تقع في الأسر تتجه إلى قرطبة

 

* عودة النصارى:

- انطلت الحيلة على "راميرو الثاني" فأوقف المطاردة وكر راجعاً على مملكة ليون.

- تنفس عبد الرحمن الناصر الصعداء وأعاد تنظيم جيشه، ورتب أمور قواته، وهكذا الأيام:

 

فيوم لنا ويوم علينا     ويوماً نُساء ويوماً نُسر

 

- ثم أرسل إلى ملك ليون يفتدي أعداداً كبيرة من أسرى المسلمين ومن بينهم "محمد بن هشام التجيبي" حاكم "سرقسطة"، فأفرج عنهم بعد أن مكثوا في الأسر ثلاث سنوات.

- وأرسل "أمية بن إسحاق" فيما بعد إلى الخليفة الناصر يطلب إليه العفو فأمنّه، وعفا عنه وأكرمه لما قدّم من خدمة بإنقاذ البقية الباقية بعد معركة الخندق.

 

* نتائج الخندق:

1- كان من أبرز نتائج الخندق، تعرض جيش المسلمين للخسائر الفادحة، إذ قتل عند حصون سمورة أربعون ألف مقاتل، وعلى بعض الروايات بلغت الخسارة خمسين ألف قتيل.

2- وعلّمت المسلمين أن النصر بيد الله حقاً، وأن لا يتكلوا على عدد أو قوة، أو تغرهم وسيلة من وسائل الدنيا.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

رأس عمود قرطبة

 

* عام 329هـ - 941م الهجوم الإسلامي:

- واستفاد الناصر من غزوة الخندق- أو هزيمته- فعمل على إزالة عوامل الضعف وكانت هناك محصورة في نطاق ضيق، ولم تتضخم لتشكل وباءً ولم تؤثر على مسيرة الجهاد في تكوين جيش الأندلس حينذاك، فأعاد الثقة إلى الأكفاء من قادته، واعتمد على أهل الخبرة ممن يتوافر فيهم البأس والكفاءة في إدارة المعارك، وبالرغم من توقفه هو عن قيادة الجهاد، فقد وجه عام 329هـ أي بعد سنتين فقط من هزيمته في الخندق قوة استطاعت اقتحام حدود مملكة ليون، وعملت فيها تدميرا وتخريبا، وقد هلك فيها من جند النصارى في الشمال ضعف ما قُتل من المسلمين في الواقعة الأولى "الخندق" كما ذكر المقري في "نفح الطيب".

 

* سالم قاعدة الشمال:

- ثم بنى الناصر مدينة "سالم" عام 335هـ لتكون مركزاً للقوات المدافعة المتواجدة في منطقة الثغور، ولتكون القاعدة قريبة من الشمال، يمد منها العون لأي ثغر يحتاج إلى مساعدة ومدد في أي خطر ما، وأوجد الصائفة والشاتية.

- وبنى مدينة "المرية" في الجنوب الشرقي من الأندلس على البحر المتوسط لتكون قاعدة للأسطول الأندلسي، وجعل فيها داراً لصناعة السفن.

 

غزوة الخندق - عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر

قبة برج أحد القصور تظهر من أسفل

مواضيع ذات صلة

المنذر بن محمد عبد الرحمن الأندلس التاريخ المصور المنذر بن محمد عبد الرحمن
التحرك نحو فتح شمال الأندلس الأندلس التاريخ المصور التحرك نحو فتح شمال الأندلس

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..