الفصل الثالث: عهد الولاة
ثانياً: السمح بن مالك الخولاني:
* عام100هـ - 719م الوالي الرابع السمح الخولاني:
- فأشرف عمر بن عبد العزيز على رعاية الأندلس واختار السمح بن مالك الخولاني، فأرسله من الشام والياً في عام 100 للهجرة، وهو نوع فريد من الرجال يكفي أنه من اصطفاء عمر بن عبد العزيز، وأنه أقام ما أمره الخليفة به من القيام بالحق واتباع العدل والصدق، وأعاد تنظيم البلاد مستقلة عن الشمال الإفريقي خاضعة للخلافة مباشرة، فنشر الأمن وقسم الأندلس إلى كُور (مفردها كورة) والكورة قرية كبيرة تتبعها عدد من المدن والأقاليم، ويتبع المدينة عدد منها، ويتبع القرية عدد من المزارع والأرياف.
تخريمة على الرخام في قرطبة
باب أحد المساجد في إشبيلية
* النهضة الحضارية:
- وأنشأ المدارس والمساجد والموانئ ليصل الناس ببلاد إفريقية، وأنشأ قنطرة قرطبة العظيمة التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم. وجاء من خبر بنائها أنْ كتب السمح إلى عمر بن عبد العزيز: يستشيره ويعلمه أن مدينة قرطبة تهدمت من ناحية غربها، وكان لها جسر يعبر على نهرها ووصفه بحمله وامتناعه من الخوض في الشتاء عامة، فإن أمرني أمير المؤمنين ببنيان سور المدينة فعلت، فإن قبَلَي قوةٌ على ذلك من خراجها بعد عطايا الجند ونفقات الجهاد، وإن أحبّ من صخر ذلك السور بنيت جسرهم، فيقال إن عمر رحمه الله أمره ببنيان القنطرة بصخرة السور، وأن يبني السور باللبن إذ لا يجد له صخراً، فبنى القنطرة في سنة 101 للهجرة، ويفهم من هذا أن الخليفة قدّم الناحية الاقتصادية ببناء القنطرة بالصخر على الناحية العسكرية، إذ بنى السور باللَّبن.
* عام101 هـ - 720 م القنطرة:
- ويكفينا الإدريسي وصفاً حين يصف القنطرة التي بناها السمح بن مالك الخولاني بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز: لقرطبة القنطرة التي علتِ القناطر فخراً في بنائها وإتقانها، وعدد أقواسها سبع عشرة قوساً بين القوس والقوس خمسون شبراً، وسعة القوس مثل ذلك خمسون شبراً، وسعة ظهرها المعبور عليه ثلاثون شبراً، ولها ستائر من كل جهة تستر العامة، وارتفاع القنطرة من موضع المشي إلى وجه الماء في أيام جفاف الماء ثلاثون ذراعاً، وإذا كان السيل يصل الماء منها إلى حلوقها، وتحت القنطرة يعترض الوادي رصيف سدَّ مصنوع من الأحجار القبطية والعمد الجافية من الرخام. وعلى هذا السد ثلاثة بيوت أرحاء، في كل بيت منها أربع مطاحن، ولها أهمية حيث تصل جنوب الأندلس بقرطبة والشمال الإفريقي.
* هذه القنطرة بحد ذاتها نهضة وعمران، سد وطواحين وجسور، هذا ما كان المسلمون يعملون في البلاد التي يدخلونها فتحاً تحت الحكم الإسلامي.
* قارن إن شئت بما يفعله غيرهم في البلاد التي يستعمرونها.
* عام 102 هـ - 721م الإسلام في جنوب فرنسا:
- تحرك السمح وهو صاحب همة عالية في أواخر ذي القعدة عام 102 نحو جنوب فرنسة ليضع حداً للاضطراب هناك ( وأنشأ حكومة إسلامية سميت باسم: حكومة (سَبْتِمانية الإسلامية) وفتح مدينة (طولوشة)، وجرت معارك عديدة بينه وبين دوق (اقيطانية) يسمى (أوديس) الذي فرّ وطلب المدد من شارل مارتل في مدينة (طَرَسْكونة)، فأمده الأخير بالعتاد الوفير والرجال الكثر الذين حاصروا المسلمين عند (طولوشة) حيث قتل السمح ورجاله الأقلة في يوم التروية سنة 102 للهجرة، ولذلك مدلوله العظيم، قال تعالى:{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ } الأحزاب:23، وكانت مدة إمارته سنتين وشهرين.
* توحيد أوربا:
- وفي هذه الفترة استطاع ملك فرنسة أن يوحد أوربة، وقد أطلق البابا عليه لقب (مارتل) أي: المطرقة، وهو الملك المسمى شارل مارتل، وكان لابد أن يقع الصدام بينه وبين المسلمين.
شارل مارتل ملك فرنسا
* عام 102هـ - 721م الوالي الخامس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي:
- فاجتمع أمر المسلمين على رجل من الجيش مباشرة على تعيينه والياً هو عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي في شهر ذي الحجة عام 102 للهجرة، وهو تابعي جليل يروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، لكنه لم يبق في الولاية إلا شهرين (وهذه ولايته الأولى).
حركة التجارة والعمارة الإسلامية الكبيرة
* عام 103هـ - 722م الوالي السادس عنبسة الكلبي:
- حتى قدم الأندلس عَنْبَسة بن سُحيم الكلبي في صفر 103 للهجرة، أرسله والياً إليها والي إفريقية في تلك الفترة بشر بن صفوان الكلبي.
- فاستمرت ولايته أربع سنوات ونصف وهي فترة طويلة إن قورنت بحكم الولاة في تلك الفترة، فأكمل خطة السمح بالاستقرار في بلاد الأندلس،والهجوم على الروم وجهادهم، وكان تقياً ورعاً وإدارياً ومجاهداً أميناً.
- 30 كم عن باريس:
- فسار من الأندلس حتى وصل إلى (سبتمانية) متجهاً إلى شرقي فرنسا ثم شماليها وقضى على قوة أوديس (دوق أقيطانية)، ثم مال غرباً حتى وصل مدينة (سانس) التي تبعد عن باريس 30كم فقط، ولم يصل من المسلمين أحد حتى هذا التاريخ في غزوة إلى مكان قريب مثله من باريس، فطار صواب (شارل مارتل) وكاد يفقد رشده، فجمع حوالي أربعمائة ألف مقاتل، هاجموا جيش عنبسة وحاصروه وهدّوه بالمطارق فمات شهيداً هو وبعض أصحابه رحمهم الله تعالى أجمعين، وذلك في شعبان 107 هـ.
* عام 107هـ - 726م الوالي السابع عذرة الفهري:
- وتولى من بعده عذرة بن عبد الله الفهري في شعبان 107 للهجرة، ولم يبق إلا شهرين فقط في ولايته، وكان من الصلحاء الفرسان الذي رافقوا عنبسه.
* عام 107هـ - 726م الوالي الثامن يحيى الكلبي:
- حتى جاء الوالي الجديد المعين يحيى بن سلمة الكلبي في شوال 107 للهجرة والذي دام حكمه سنتين ونصف.
* عام 110هـ 729م الوالي التاسع حذيفة القيسي:
- ثم أرسل حذيفةُ القيسي في ربيع الأول عام 110 للهجرة وكانت ولايته ستة أشهر.
* عام 110هـ 729م الوالي العاشر عثمان الخثعمي:
- وولي من بعده عثمان بن أبي نِسعة الخثعمي في شعبان 110 للهجرة وولايته خمسة أشهر.
* عام 111هـ - 730م الوالي الحادي عشر الهيثم الكلابي:
- ثم جاء الهيثم بن عدي الكلابي من قبل والي إفريقية، والذي استمرت ولايته عشرة أشهر، فقد كان متعصباً للقيسية، يريدها قبَلية لزعامة عروق جاهلية، جعل الحجاجَ رائده في معاملة الناس، فكان يأخذهم بالقوة، ويرد بالقمع على الحوار، فساءت سياسته في القيروان وفي الشمال الإفريقي مما أدى إلى ثورة البربر في المغرب، وكان واليه على الأندلس الهيثم مثله يتبع السياسة السئية نفسها، إلا أنه كان صاحب جهاد أيضاً، فبدأ باستئناف الفتوحات حتى وصل إلى بلدة (مقوشة) ففتحها، وقد تكون هذه مدينة ماسون الفرنسية.
- وثار الناس يطلبون عزلة نتيجة القسوة والأخذ بالشدة، فعزل.
* عام 111هـ - 730م الوالي الثاني عشر محمد الأشجعي:
- وجاء من بعده محمد بن عبد الله الأشجعي سنة 111 للهجرة، وكان ضعيفاً ما استطاع أن يفعل شيئاً ولم تدم ولايته إلا شهرين.
* ويلاحظ هنا التغيير السريع للولاة، وهذا يعني أن الحضارة تتوقف، ويلف الناسَ الركون والدعة، كذلك تتوقف الفتوحات لهذه التحولات السريعة، وتضطرب الأمور والأحوال، فالاستقرار السياسي مهم لأي نهضة حضارية.