الباب الثاني: الدولة الأموية في الأندلس
الفصل الأول: عبد الرحمن الداخل (صقر قريش):
أولاً: تزعزع الدولة الأموية في الشام:
* الوليد بن يزيد الخليفة اللعوب:
- ولد في دمشق الشام سنة 113هـ، وكانت أحداث خطيرة تجري في المشرق الإسلامي، والمسلمون أمة واحدة كالجسد الواحد يرتبط بعضه ببعض بأعصاب وجوارح، كما يجري في الدم الواحد والشعور ذاته، وكان في الشام الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان رجلاً صاحب لهو ويهوى الصيد، ويستمع إلى القيان شغوفاً بالجواري، ويعتبر بعض المؤرخين أن زوال الدولة الأموية من ابتداء حكم الوليد هذا. وفي تلك الفترة نشط الدعاة العباسيون من أمثال أبي سلمة الخلال في العراق. وأبي مسلم الخراساني في المشرق، مع عبد الله بن علي وغيرهم.
مجالس الأنس والطرب التي انتشرت في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك
* أبو مسلم الخراساني داعية العباسيين:
- كان أبو مسلم الخراساني شاباً أظهر كفاية ومقدرة في الدعوة العباسية، وكان يأخذ البيعة من الأتباع على الصورة التالية كما ذكرها الطبري:
أبايعكم على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله، وعلى أن لا تسألوا رزقاً ولا طمعاً حتى يبدأكم به ولاتكم، وإن كان عدو أحدكم تحت قدمه فلا تهيجوه إلا بأمر ولاتكم.
* نصر بن سيار يحذر:
- وبدأ بجمع الأنصار في أقصى بلاد المشرق(خراسان)، ولكن والي الأمويين (نصر بن سيار) "وكان رجلاً بعيد النظر قوي الذكاء داهية مجرباً"، نظر إلى الأمور نظرة عميقة، فعمد إلى إصلاح الوضع، وأرسل إلى الوليد بن يزيد يُطلعه على ما يجري في الخفاء، ويلفت نظره إلى خطورة الوضع في خراسان، لكن الوليد بن يزيد لم يلقِ لها بالاً، واستمر على لهوه وعبثه، إلا أن الأمويين شعروا بخطورة الوضع، وأن الدولة صائرة إلى الزوال: كما قال واليهم نصر بن سيار:
أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام
فـإن النـار بالعـودين تـذ كــو وإن الحــرب أولهــا كـــلام
فإن لـم يطفِـها عقـلاء قـومي يكون وقـودهـا جــثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيـقــاظ أمـيــة أم نـيـام؟
* ثورات الأمويين على بعضهم:
- فقام يزيد بن الوليد بن عبد الملك عام 125هـ يعلن الثورة ويضع يده على الأسلحة الموجودة في مسجد دمشق، ويطلق المال في سخاء لمن يجتمع حوله، حتى التفَّ حوله نحو ألف رجل، وأرسل قائده إلى (الغدف) في البادية وكان الوليد بن يزيد هناك حين ترك دمشق، فما استطاع الوليد أن يقاوم كثيراً فدخل غرفته ووضع المصحف بين يديه يقرأ فيه ويقول: يوم كيوم عثمان، فيقتل.
- وكان مقتل الوليد بن يزيد سنة 126هـ إيذاناً بسقوط الدولة الأموية، وتولى قاتله الخلافة وبالرغم من أنه أعلن رغبته في أن يسير بالناس سيرة عمر بن عبد العزيز(رحمه الله)، فإن الناس لم يجمعوا على بيعته بل اضطربت الحال، وحدث الصراع بين الأمويين أنفسهم.
1ـ فثار عليه سليمان بن هشام بن عبد الملك في عمان.
2ـ وثار أيضاً مروان بن عبد الله بن عبد الملك في الأردن.
3ـ وثار مروان بن محمد في إرمينية، وكل هؤلاء يدعون أنهم ما أرادوا إلا الثأر والانتقام.
بدأ المسلمون يتحدثون عن الصدع والفتن التي أصابت كيان الدولة الإسلامية
* عام126هـ 744م مروان الحمار:
- على أن خلافة يزيد بن الوليد لم تطل إلا نحواً من ستة أشهر فقد مات في العام نفسه الذي ولّي فيه، وهو عام 126هـ، إبان هجوم مروان بن محمد بن الحكم، فأصبح هذا هو الخليفة ويلقب بمروان (الجعدي أو الحمار)، وكان رجلا قديرا ًداهية، صبوراً في الشدائد ولا يكلّ ولا يملّ، فثار عليه إبراهيم ابن الوليد -أخو يزيد المقتول- فدحره مروان في أول اشتباك بينهما ودخل مروان دمشق ولم يجد مشقة في أن يبايعه الناس فيها خليفة، وبايعه إبراهيم أيضاً، كذلك ثار عليه عبد الله بن معاوية بن جعفر الطيار في الكوفة واستطاع مروان أن ينهي تلك الثورة أيضاً، كذلك ثار عليه سليمان هشام وهو محارب قديم، ولكنه لم يكن سياسياً فثار معه أهل الرصافة إلا أن مروان استطاع أن يخضعهم ويشتت تجمعهم ، وهكذا تمكن مروان من قهر أعدائه في بلاد الشام، فاستتبّ له الأمر فيها.
- كذلك انتصر في المواقع التي ظهرت القلاقل فيها كالعراق والشام والحجاز واليمن.
* عام 130هـ 748م أبو مسلم الخراساني يعلن الثورة العباسية:
- في مثل هذا الوضع المتأزم الثائر كان أبو مسلم يجمع أنصار العباسيين ويدربهم تدريباً جيداَ، وبعد أن تفاقم الوضع في الخلافة سنة 130هـ فاجأ أبو مسلم الأمويين بإعلان ثورته، والسيطرة على مدينة (مرو) أولاً في أقصى المشرق في خراسان، وقاوم (نصر بن سيار) وظل يدافع عن الدولة الأموية ويمنع تقدم العباسيين، وهو الذي أخرّ سقوط الدولة عدة سنوات، لكنه مات في عام 131هـ وكأن القدر يسهل الأمر للعباسيين، فاحتل أبو مسلم الخراساني خراسان كلها، ثم يعهد بالحرب إلى رجل من طيء يدعى (قحطبة) لقيادة الحرب في العراق، ثم بعد ذلك يعهد بقيادة الحرب في الشام إلى (عبد الله بن علي)، الذي قاد الجيش وفرّ مروان بن محمد إلى حرّان ثم قنسرين ثم إلى حمص فأراد أهلها قتله إذ لم يبق إلا رجال أقلة معه، لكن مروان قدّم الكمائن على الطريق والذين صدّوا غارات أهل حمص. وصل بعد ذلك مروان إلى دمشق وولى صهره (الوليد بن معاوية بن مروان) عليها.
* عام 132هـ 750م نهاية الأمويين:
- دخل عبدالله بن علي دمشق، وقتل الوليد، وسيطر على مدينة دمشق الشام، وانحاز مروان إلى الأردن، وانضم والى الأردن إليه، ثم عبر إلى فلسطين ثم إلى صحراء سيناء فمصر، وكان عبدالله ابن علي يتابعه حيثما وصل، ولما التقى به في (بو صير) حدثت المعركة المتوقعة الحاسمة بين الأمويين بقيادة مروان بن محمد، وبين العباسيين بقيادة عبد الله بن علي، ودامت المعركة عشرة أيام، وقتل مروان فيها، فانتهت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية.
سامراء: مكان إقامة العباسيين على ضفاف دجلة
* أسباب سقوط الدولة الأموية في الشرق:
- هكذا انتهى حكم الأمويين في المشرق صدعته الفتن والثورات والانقلابات بعد أن ملأ الدنيا حضارة وعلماً وتوسعت فيه الفتوحات في كل اتجاه، وإن المتأمل في حكمهم يلحظ أموراً خطيرة ظهرت أواخر حكمهم مهدت لسقوط تلك الدولة العظيمة:
1ـ عدم اختيار الأصلح للخلافة:
- وهذا الانحراف بدأ أواخر الحكم الأموي، فإن كان للحكم الوراثي ما يبرره من استقرار الحكم و حسم النزاع فإن الواجب أن يختار الأصلح من بين الأبناء والإخوان والأهل، ولقد كان هذا متبعاً في بداية حكم الأمويين حيث قدموا عمر بن عبد العزيز على أولاد سليمان بن عبد الملك، ثم انحرفت الأمور وتولى الوليد بن يزيد الخلافة ولم يكن أهلاً لها، بل كان صاحب لهو وانشغال بملذات الدنيا، وإذا كانت هذه أوصاف الخليفة لم ينتظر منه توطيد دعائم المملكة ولا رفع راية الدين، يقول عبد الله بن المعتز:(الملك بالدين يبقى، والدين بالملك يقوى) فإذا كان الملك صاحب لهو ولعب فأي قوة تنتظر منه؟!.
2ـ ظهور الثورات والانقلابات:
- وهذه طامة كبرى ثانية لا ينتظر معها شيوع الأمن والاستقرار للحكم وإنما يشجع على الثورة أمران: إما ضعف الخليفة وإما الطمع في الملك وكلا الأمرين شر مهلك.
3ـ عدم تحري الأهلية والعدل في اختيار الولاة:
- فتولى في عهدهم ولاة ظلمة مثل الحجاج الذي ملأ الأرض ظلماُ ورواها بالدماء فكان هو وأمثاله سبباً في نقمة الله عليهم ونقمة الناس أيضاً.
4ـ انتشار الفساد المالي:
- والفساد المالي كأي فساد آخر في جهاز من أجهزة الدولة يظل ينخر في جسدها حتى تقع.
5ـ ابتعادهم عن العلم:
- ولا نقصد بالعلم هنا العلم الشرعي فقط وإن كان يشمله، فالعلم بمختلف أصنافه يثمر الوعي السياسي والحضاري والاجتماعي ويجعل نظرة الحاكم والمحكوم إلى الأمور أرقى وأشمل وأبعد.
6ـ ميلهم إلى الدنيا وانشغالهم بملذاتها:
- وإن لم يكن ذلك منتشراً في جميع خلفائهم، لكن تعودّ البعض على هذه الحال كان سبباً في الانحدار وتدهور الأوضاع.