لفلي سمايل

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

تاريخ الإضافة : 16-2-1434 هـ

الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب

 

الفصل الثاني : عهد المرابطين

 

ثانياً: معركة الزلاقة وحصار حصن لييط

 

* عام 479 هـ - 1086م:

- وسار الجيش إلى منطقة تدعى الزلاقة.

- الزلاقة: لا تقل مكانة عن حطين وعين جالوت، وهي حَدَثُ فاصل في تاريخ المسلمين.

 

* استعداد الفرنجة:

- بدأ ابن تاشفين ينظم جنوده في الزلاقة، فلما بلغ نبأ قدوم المرابطين إلى الزلاقة ترك ألفونسو حصار سرقسطة وتوجه نحو الزلاقة، وكتب إلى ملك أرغون "شانجة" يطلب إليه المدد، وإلى ملك فرنسة ما وراء جبال البيرينية يسأله المدد والعون، وأرسل إلى جيليقية ونافارة، وأعلن البابا (حربة المقدسة) وأرسل كبار الرهبان والقساوسة لحض جيش ألفونسو على هذه المعركة الفاصلة، وأعلنت حرباً صليبية مقدسة، فجاء المتطوعون والجنود من فرنسة وإيطالية، وتجمع حول قائدهم ألفونسو حوالي 50 ألفاً، بينما لم يكن المسلمون يتجاوزون 25ألفاً، حتى قال ألفونسو: سأقاتل الجن والإنس  وملائكة السماء!وأرسل إلى ابن عباد وابن تاشفين رسائل يستهزئ بهما، فكان جواب ابن تاشفين:

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

ألفونسو يترك حصار سرقسطة ليتوجه نحو الزلافة

 

* مراسلات ابن تاشفين و ألفونسو:

- بلغنا يا أذفونش (ألفونسو) أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، { وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } غافر:50.

- فما ردّ ألفونسو إلا متوعداً ووصف ما معه من القوة والعُدد والعَدد، لكن جواب يوسف لم يكن إلا هذه الجملة: الذي سيكون ستراه، كتبها على ظهر رسالة ألفونسو.

- ثم عرض عليه ابن تاشفين آخر الأمر واحدة من ثلاث:

1- إما أن يدخل في الإسلام يكون له أو عليه ما للمسلمين أو عليهم.

2- أو أن يدفع الجزية صاغراً.

3- أو الحرب.

 

* الاستعداد للمعركة:

- كان ذلك يدعو للعجب والتكبر لدى ألفونسو، إذ أن جيشه ضعف المسلمين هناك، فحث جنوده وأتباعه على الاستعداد للمعركة الفاصلة، فبدؤوا يرفعون الصلبان ويقرؤون الأناجيل، ويبايعون على الموت.

- بينما المسلمون يحذر بعضهم بعضاً من التوالي يوم الزحف، ويقرؤون سورة الأنفال (سورة القتال)، ويوصي بعضهم بعضاً بالصبر عند اللقاء.

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

التحام القتال في معركة الزلاقة

 

* محاولة الغدر:

- أرسل ألفونسو يوم الخميس رسالة إلى المسلمين "ابن عباد وابن تاشفين" يقول فيها: لتكن الحرب معلومة بيننا وبينكم ليوم الاثنين مثلاً، أو يوم السبت حيث يقع بين عيد المسلمين الجمعة وعيد النصارى الأحد، إلا أن ابن تاشفين وابن عباد أمرا الجند بالاستعداد الدائم فقد ينشب القتال في أية لحظة! وكان ألفونسو يريد أن يأخذهم على غرِّة.

 

* رؤيا صالحة:

- استيقظ رجل من المسلمين وقت السحر وهو فقيه المسلمين ابن رميلة، فطلب مقابلة ابن تاشفين فوراً ومن معه من القادة، وأخبرهم بشرى سارة، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يبشرني بالفتح والنصر ويبشرني بالشهادة في سبيل الله، وانتشر الخبر(رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم) بين الجند ففرحوا وقويت عزائمهم، واغتسل ابن رميلة وتدّهن بالطيب يستعد للشهادة.

 

* عام 479 هـ - م1086 معركة الزلاقة:

- وفي الثاني عشر من رجب عام 479 هـ بدأت الزلاقة.

* انزلاق الخيل:

- زحفت جيوش ألفونسو، وقاتل المسلمون قتالاً عجيباً بينهم ابن عباد وقد عقرت تحته ثلاثة أفراس، كلما عقر فرس قدم آخر، واشتد النصارى في القتال حتى اختلت صفوف المسلمين، وسالت الدماء الغزيرة فانزلقت الخيول والناس ومن هنا جاء اسم المعركة: الزلاقة، وبدأت الهزيمة تظهر ملامحها لدى المسلمين، إلا أن ابن تاشفين ذلك الفذ الفريد، كان محتاطاً لمثل هذه الحالة، وكان قد عزل مجموعة من الجند احتياطاً في مكان قرب الساحة، أمر عند ذلك ابن تاشفين هذه القوة باقتحام ساحة المعركة على مجموعتين:

 

* حركة مجموعتي الاحتياط والنصر العظيم:

- مجموعة هاجمت قلب جيش النصارى، وهي بكامل قوتها وراحتها، ومجموعة التفت التفافاً طويلاً حول جيش ألفونسو بقيادة ابن عائشة – أحد قواد ابن تاشفين- لتضرم النار في مؤخرة الجيش، فقامت هاتان المجموعتان بدوريهما خير قيام، هنا بدأ الاضطراب والخلل في صفوف جيش ألفونسو، ودب الانهزام في صفوفهم، حيث وقعوا بين قوات المعتمد وبين احتياطي المرابطين، كان ابن تاشفين – وهو ابن الثمانين – يقود بنفسه هذه المجموعة، فكان يتعرض للشهادة، واستمر القتال من الصباح إلى المغرب، واستطاعت المجموعة التي يقودها ابن تاشفين من اختراق قلب المشركين حتى تصل إلى ألفونسو وتصيبه بجراح خطيرة في ركبته ظل يعرج منها إلى آخر عمره، ففر ولحقه جيشه، وطاردهم المسلمون حتى حلول الظلام، إلا أن ابن تاشفين أصدر أوامره بالعودة خشية عليهم من أن يقتل واحد منهم، ولم يتوقف ألفونسو إلا في عاصمته طليطلة، ولم يكن معه سوى مائة فارس من خمسين ألفاً كانوا في ساحة الزلاقة.

 

* جهاد العلماء:

- وكان العلماء من خيرة من قاموا بالثبات والصبر، وأبلوا بلاءً حسناً، واستشهد فقيه الناس وقاضيهم ابن رميلة، واستشهد قاضي مراكش المصمودي، والفقيه أبو رافع الفضل بن حزم: ابن الفقيه المعروف، وقد عفّت نفس ابن تاشفين عن أخذ أي شيء من الغنائم، فوزعت على أمراء الأندلس وجندها.

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

معركة الزلاقة

 

* عام 479 هـ - 1086م عودة ابن تاشفين إلى المغرب:

- كانت نية ابن تاشفين أن يتابع غزوته لإخضاع طليطلة وإنهاء ألفونسو وقوته، لكنه قدر الله، إذ وقعت أحداث خطيرة في المغرب، جعلت ابن تاشفين يعود إلى المغرب، فجمع قبل مغادرته أمراء المسلمين وحكامهم، ونصحهم بالاتفاق والتوحد، والاعتصام بحبل الله، وأنهم ما غُلبوا قبل الزلاقة إلا لتفككهم وانخذالهم وتنازعهم.

- فأجابه كل من كان موجوداً، ورجع إلى المغرب عام 479 هـ بعد شهر واحد من معركة الزلاقة، أي في شهر شعبان، وقد ترك في الأندلس قوة من جنده لمتابعة الجهاد بقيادة سير بن أبي بكر، عاد إلى المغرب، وحبذا لو قاد الجيوش وأنهى ألفونسو وانتصر عليه انتصاراً استراتيجياً فحطم قوة عدوه وعاصمته، ولكن ذاك من قدر الله.

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

ابن تاشفين يحمل لواء المسلمين

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

قاموس لاتيني عربي ، يطلق عليه معجم ليدي

 

* تهنئة المعتمد بن عباد:

- رجع المعتمد إلى عاصمته إشبيلية، ورجع كل أمير إلى إمارته، وعاد كل حاكم إلى حكومته، وأقدم الشعراء والخطباء يقدمون ما جادت به قرائحهم، يهنئون المعتمد على هذا الظفر الميمون، وكان من بين الذين وفدوا شاعر يدعى عبد الجليل بن وهبون، الذي يقول: كنت قد نظمت قصيدة لألقيها بين يدي المعتمد، لكن المعتمد أمر القراّء بتلاوة القرآن الكريم، فتغنى أولئك بتلاوته، وزينوا أصواتهم بمختلف القراءات بأجمل التراتيل والأصوات، وقرأ أحد هؤلاء قوله تعالى:{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ } التوبة:40، فأثرت في نفسي تأثيراً بليغاً، وقلت في نفسي أين ما نظمت القصيدة ومن معانيها من معنى هذه الآية الكريمة؟ فلم أنشد ابن عباد شيئاً، وقلت: بُعداً لي ولشعري، والله ما أبقت هذه الآية معنى لي أقوله.

- هكذا كان القرآن الكريم يترك أثراً جميلاً في نفس السامع، ولا يزال إن أحسن الاستماع إليه، وأنصت إليه لتدبر معانيه لا للاستمتاع بحسن الأصوات وأنغامها.

 

* عاد الحكام للفرقة:

- وزالت نشوة النصر، وهدأت المعاني الجليلة المستفادة من معركة الزلاقة، وعادتْ شهوة الحكم إلى نفوس الأمراء أشدّ ما تكون من قبل، فأعمت بصائر الحكام، فما توجهوا للتوحد وإزالة التفرُّق، ولا استعدّوا أو أعدّوا القوى لمتابعة الجهاد لإنهاء سطوة النصارى، وما انتهزوا هذه الفرصة لإعادة طليطلة إلى الحكم الإسلامي حين لم يبق مع ألفونسو إلا قوة ضعيفة لا تتجاوز الخمسين فارساً.

 

* عام 480 هـ - 1087م عاد ألفونسو للهجوم من حصن لييط:

- عاد ألفونسو إلى طليطلة، وجمع المقاتلين الذين تشتتوا في شمال الأندلس بعد الزلاقة، وبدأ يستعد للانقضاض على دويلات الطوائف الواقعة في شرق الأندلس، ففي عام 480 هـ (أي بعد عام واحد من معركة الزلاقة) بنى حصناً جديداً ليكون منطلقاً وقاعدة لقواته التي سيسقط بها تلك الدول قرب مدينة "مرسية" اسمه حصن "لُيَيْط"، وحشد فيه المقاتلين حتى بلغ عددهم ثلاثة عشر ألفاً، وهذه قوة كافية لإسقاط دولة إثر دولة من دول الطوائف.

 

* عام 482 هـ - 1089م المعتمد يعبر لاستنجاد ابن تاشفين في المغرب:

- ومرة أخرى شعر أهل الأندلس بالخطر "خطر ألفونسو"، وأدركوا أنه لا يمكن لهم مجابهته إلا بالاعتماد على قوة ابن تاشفين، لذلك عبر المعتمد بن عباد بنفسه المضيق والتقى بابن تاشفين في المغرب وشرح له الأوضاع وبيّن له حالتهم المزرية مرة أخرى ورجاه أن يأتي ليصد الخطر عنهم، فوعده ابن تاشفين خيراً، واستجاب له فعبر بقواته المضيق عام 482 هـ، واجتمع إليه ملوك الطوائف، وتوجه بجيشه إلى حصن "ليُيَطْ" فحاصره حصاراً شديداً، هنُا أدرك ألفونسو الخطر على مملكته، فجهز جيشاً جراراً توجه لإنقاذ الحصن ومن فيه، رأى ابن تاشفين أنه ليس بإمكانه التصدي لهم وللحصن معاً، فآثر الانسحاب ليراقب عدوّه ماذا سيفعل؟ حتى لا يقع بين قوتين معاديتين، قوة الحصن وقوة ألفونسو.

 

* عام 482 هـ - 1089م ألفونسو يهدم حصن لييط:

- رأى ألفونسو بعد ذلك أن يخلي هذا الحصن، ثم أمر بهدمه، وانسحب إلى طليطلة ليدافع عنها، وبذلك زال الخطر عن دول الطوائف في الشرق الأندلسي.

 

معركة الزلاقة وحصار حصن لييط - عهد المرابطين

جنود ألفونسو ينتهون من تدمير حصن لييط

 

* عودة ابن تاشفين للمغرب:

- عاد ابن تاشفين إلى المغرب فكانت دولته الواسعة الأطراف بحاجة إلى وجوده هناك وما يزال التوتر في بعض مناطقها مشتعلاً، فعاد وترك حامية في الأندلس.

- كان ابن تاشفين مثالاَ للمجاهد الصابر، لا يكاد يستريح من معركة حتى ينتقل إلى غيرها، لم يؤثر الراحة والقصور، بل كان همه أن ترتفع راية الله في البلاد.

 

وإذ كانت النفوس عظاماً        تعبت في مرادها الأجسام

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..