الباب الثالث: دويلات الطوائف وملوك المغرب
الفصل الثالث : عهد الموحدين
أولاً: ابن تومرت ودعوة الموحدين:
- في فترة انشغال المرابطين بالجهاد في الأندلس، وانشغالهم بإدارة الدولة المرابطية المترامية الأطراف في المغرب حيث كانت دولتهم دولة جهاد ودعوة، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تحل وجهة سيرها من التقدم على الأدبار والانحلال، إذ وجدت نفسها أمام فئة تقوم على فورة دينية وثورة صغيرة يقوم بها فقيه مغمور وتضطرم هذه الفورة بسرعة مذهلة، فتحرق كل قوى المرابطين لتنتهي بعد صراع عنيف وتصير إلى الزوال.
* دعوة الموحدين:
- هذه الفورة الدينية قام بها رجل، فأنشأ جماعة، تدعو إلى صفاء العقيدة، وتدعو على التوحيد الخالص من الشوائب، وترفض المذهبية والركون إلى التعصب المذهبي، وأظهرت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعت إلى إحياء السنة، وشددت على محاربة البدع والضلالات، وكم يتدخل الشيطان بالمداخل، فإن أي داع يرى أن جماعته فقط على الحق، وأن اتباع الحق يستوجب اتباع من يمثله، أي اتباعه هو، مع أنه لا يخلو هو من بعض الانحرافات، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في عدة مواقع من فتاواه بعض انحرافات ابن تومرت وتخطيه لحدود الشرع في قتل المسلمين وإراقة الدماء وإدعاء العصمة، كما شهد له بطرف من الزهد والعبادة.
- لاقت دعوة ابن تومرت رواجاً بين الناس، والجماهير تتجمع من أجل مبادئ الدين حول قيادة تدعو إليه، ولقد كان العلماء هم القيادة، فلما غاب العلماء عن ساحة الواقع، وانحسروا في داخل الدروس، أو كمنوا داخل أنفسهم (كما سبق ذكره أثناء البحث عن سقوط الدولة المرابطية) برزت إلى الساحة الأفكار التي فيها الصواب والانحراف، وبرز ابن تومرت: فمن هو؟ وما هي جماعته؟ ومن هم الموحدون؟.
قصور السلاطين في إشبيلية
* ابن تومرت:
- هو عبد الله المهدي محمد بن تومرت: بربري الجنس، ينتسب إلى قبيلة "هَرْغة" من مصمودة التي تسكن منطقة السوس جنوب المغرب، واختلف في سنة ولادته، فيجعلها ابن خلكان سنة 485هـ، بينما يذكرها الغرناطي سنة 470هـ، ولا نعرف بالتفصيل عن حياته الأولى في نشأته وصباه.
- وهذا يدل على ما كان يكتنف به الرجل من غموض يقابله غموض آخر حيث ادعى في نهاية الأمر أنه المهدي المنتظر!!!.
* أساتذة ابن تومرت:
* الطرطوشي:
- رحل ابن تومرت سنة 500هـ إلى المشرق الإسلامي لينهل العلم ويتلقى عن علمائه، فأخذ العلم عن عدد من العلماء منهم أبو بكر الطرطوشي: أبو بكر محمد بن الوليد، الأندلسي الطرطوشي، (عالم الإسكندرية، ولد 451هـ في طرطوشة، توفي بالإسكندرية عام 520هـ، قال عنه ابن بشكوال: كان إماماً عالم، زاهداً ورع، ديناً متواضع، متقشفاً متقللاً من الدنيا، راضياً باليسير).
* الشاشي:
- وقرأ على أبي بكر الشاشي (أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي (الشاش: مدينة إسلامية قريبة من سمرقند)، ولد 429هـ ومات في507هـ، وكان يسمى الجنيد لدينه وورعه وزهده).
* ابن الطيوري:
- ودرس الحديث على المبارك بن عبد الجبار ابن الطيوري (ولد 411هـ ومات 500هـ، هو ثقة ثبت كثير الأصول، شُهد له بالطلب والصدق والأمانة، وكثرة السماع، ولم يشتغل قط بغير الحديث، وحصّل ما لم يحصله أحد من كتب التفاسير والقراءات واللغة، و المسانيد، والتواريخ، والعلل والأدبيات والشعر، كلُّها مسموعة، وكتب الحديث وهو ابن إحدى عشرة سنة).
* الغزالي:
- وتذكر بعض الروايات أنه التقى بالغزالي وأخذ منه، وتنفي الروايات الأخرى لقاءه، كابن الأثير إذ يقول: والصحيح أن ابن تومرت لم يجتمع به (الغزالي) في معرض الحديث عنه، وكذلك ينفي ابن الخطيب التقاءه بالغزالي، ويبدو أنه كان قد تأثر بتعاليم الغزالي وعلومه من خلال كتبه، والله أعلم.
مصباح زيتي أندلسي رائع
* دعوة ابن تومرت:
- ولما أتم دراسته، ونال مراده من العلوم عاد إلى المغرب، فبدأ بدعوته في منطقة السوس، إلى التمسك بالدين وتطبيق أصوله من الكتاب والسنة، ورفض كل قول أو عمل لا يرتضيه الإسلام وذلك بتغيير المنكر أو إنكاره، والأمر بالمعروف، ورائده في ذلك قول الله تعالى:{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } آل عمران: 104، وقوله تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} آل عمران: 110.
- وأساس هذه الدعوة هو المبدأ الذي يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي بين الناس، فالأصل أن كل إنسان مسئول في المجتمع المسلم، وأن المسئول الأول هو الحاكم، يأمر بالإحسان في حياة الفرد والمجتمع، وينكر الفساد بكل صوره وأشكاله.
* نشر الدعوة:
- وانتقل ابن تومرت من بلد إلى آخر بل كان يخرج أحياناً غاوياً في الرياسة والظهور، ولما رأى ثمرة دعوته قد نضجت، بدأ يشرح لطلابه وأتباعه شأن المهدي المنتظر، ثم أعلن لهم أنه هو المهدي المنتظر، وقد أشار ابن القطان في نظم الجماعة في رسالة وجهها ابن تومرت إلى الفقيه القاضي علي بن أبي الحسن الجذامي يقول فيها بعد البسملة: أنا محمد بن عبد الله بن تومرت، وأنا مهدي آخر الزمان، فصار أتباعه وأنصاره يدعونه بالمهدي والإمام المعصوم، وسمي المهدي وأصحابه وأهل دعوته (بالموحدين)، فربط البربر بادعاء العصمة، وأقدم على الدماء إقدام الخوارج، وسيجد ما قدمّ أمام الله تعالى.
ابن تومرت يدعي العصمة ويسمي نفسه بالمهدي
* كتبه:
- ومن العجيب أنه كتب لجماعته كتاباً باللغة البربرية سماه "المرشدة" تحدث فيه عن التوحد لكنه انحرف في بعض مسائله عن مذهب أهل السنة، ومن ثمّ وضع كتاباً بالعربية يفتتحه بقوله: "أعزّ ما يطلب"، فأصبحت هذه الجملة عنواناً لكتابه، نقله عنه تلميذه الأول عبد المؤمن بن علي، واتهم من خالف المرشدة بالتجسيم وأباح دمه، ودخل في الدماء لنيل الرياسة المُردية.
* وفاة ابن تومرت:
- كان عبد المؤمن بن علي من أوائل الرجال الذين دخلوا في طاعة المهدي، واعتنقوا مبدأه والتزموا عقيدته، فلما توفي ابن تومرت عام 524هـ أوصى بالأمر من بعده لعبد المؤمن.