الفصل الثاني: موسى وطارق يفتحان الأندلس
رابعاً: التحرك نحو فتح الشمال عام 95هـ -714م:
- اتجه جيش المسلمين بعد انتهاء الشتاء وحلول الربيع نحو (سرقسطة) عاصمة الشمال، وجعل موسى طارقاً في مقدمة الجيش الذي اتجه نحو الشمال الشرقي وافتتح مدينة (سرقسطة) بسهولة ويسر ودون مقاومة تذكر.
* بناء مسجد سرقسطة:
- وبعد وصول الجيش كاملاً أسس حنش بن عبد الله الصنعاني بأمر من موسى بن نصير (مسجد سرقسطة)، وهو إن صح التعبير مهندس المساجد في الأندلس. ( أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها )، هو بيت الأتقياء ومكان اجتماع المسلمين يومياَ، ومركز مؤتمراتهم، ومحل تشاورهم وتناصحهم، منه خرجت جيوشهم ففتحت مشارق الأرض ومغاربها.
- يعزي المسلم أخاه إن أصابته مصيبة في المسجد، ويهنئه إن ناله فرح أو سرور، مدرسة يتخرج منها العلماء والفقهاء، فكما قال أحد العلماء:
المسجد هو المعبد في الإسلام، وهو البرلمان، وهو المدرسة، وهو النادي، وهو المحكمة ، وهو ملتقى الأمة في أحوالها كلها، لذلك ما كان المسلمون يطؤون أرضاً جديدة، إلا ويؤسسون المساجد أسوة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي اهتم بإنشاء مسجده حين قدم المدينة المنورة، فشأن المسجد شأن الإسلام نفسه متكاملاً في مختلف جوانب الدين والسياسية والاجتماع.
ساراقوس الجعفرية، الجانب الشرقي للقصر معبر إلى داخل مسجد سرقسطة
* اتساع الفتح ومهاجمة فرنسا:
- ثم فتحت المناطق التابعة لسرقسطة وما حولها من المدن التالية: (وشقة)، (لاردة)، (طرّكونة)، و(برشلونة) دون جهد أو قتال يذكر، وبعد إقامته مدة في (سرقسطة) غزا كما في بعض المصادر التاريخية جنوب فرنسا حين أرسل طارقاً نحو الغرب، وأرسل غيره إلى بعض الأطراف والحصون، فتحرك هو متجهاً نحو جنوب فرنسا ينوي فتح القسطنطينية والوصول إلى دمشق، أي أنه كان ينوي فتح فرنسا، وشمال إيطاليا، ثم يوغوسلافيا وبلغاريا، فيصل إلى الدولة البيزنطية، فتركية إلى دمشق!.
- كان صاحب طموح عال ٍ، عمره أربع وسبعون سنة وليس معه من الجند إلا ثلاثون ألفاً يقول في نفسه: إذا استعصت القسطنطينية على الفتح من جهة الشرق؛ فليأتها هو من الغرب لعله يفتحها.
- عبر جبال البيرينيه وفتح مدينة (قرقشونة)، وحصن (لوذون)، وصخرة (أبنيون) ومدينة (أرغون) وكاد أن يسيطر على جنوب فرنسا، إلا أن تابعياً جليلاً أوقفه ناصحاً، فتقدم أمامه وأمسك بزمام فرسه وقال له: أتذكر ما قلت أنت عن عقبة بن نافع ؟ أنا بصيرك اليوم! تتقدم ولم تحم ظهرك؟، فقال له مبتسماً: أرشدك الله، وعاد بجيشه إلى الأندلس. ومات حبان بن أبي جبلة ذلك التابعي الجليل الناصح في (قرقشونة) ودفن هناك.
هذه آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
لوحة من الضفائر في سرقسطة، زخرفة ونقش على الجص
* عام 95هـ - 714 م فتح غرب الأندلس:
- رجع موسى بن نصير إلى الأندلس واتجه لفتح شمال غرب الأندلس، واقترب من (خيخون) عاصمة منطقة (ليون)، ولما كان في (أشترقة) أدركه "مغيث الرومي" رسول الخليفة الوليد بن عبد الملك، فأوقفه قائلاً: إن أمير المؤمنين يأمرك بالخروج من الأندلس، والإضراب عن التوغل فيها، والعودة إليه في دمشق.
- ساء موسى هذا الأمر ولاطف رسول الخليفة، وسأله أن يتابع معه لفتح عاصمة المنطقة، فاستجاب له رسول الخليفة، وفتحا معاً (خيخون) ومناطق أخرى إلا منطقة الصخرة، ومن ثم توجه إلى (جيليقية) حيث افتتح فيها أماكن أخرى منها: حصن (لُك)، وبث السرايا حتى بلغوا صخرة (بلاي) في أقصى الشمال. فجاءه رسول آخر هو "أبو نصر" من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك، فقبض على عنان فرسه وأرجعه معه.
قتال المسلمين لفتح الأندلس
* صخرة بلاي:
- سقطت الأندلس كلها سوى صخرة بلاي والتي سميت باسم القائد النصراني الذي التجأ مع ثلاثين مقاتلاً من القوط إلى مغارة حصينة في تلك المنطقة المسماة (كوفادونجا) والتي استعصت على السرايا الإسلامية لأنها سلسلة من الجبال الوعرة والجافة، مع أن باقي التجمعات الأخرى أو الجيوب المبعثرة هنا وهناك في تلك المنطقة قد قضي عليها.
- تركت منطقة الصخرة والثلاثون مقاتلاً! فهل كان هذا تهاوناً من موسى وطارق رحمهما الله أم أنهما أجبرا على العودة إلى دمشق؟
- أم كان هذا تهاوناً من المسلمين الذي جاؤوا من بعدهما؟ وبقوا هناك دون أن يتقدموا لإنهاء هذا الجيب الذي كان (القشة التي قصمت ظهر البعير) كما يقال. وما يظن أن القائدين العظيمين كانا سيتركان ذاك الجيب دون فتح لو بقيا هناك، وصارت صخرة بلاي هذه مصدر إزعاج للمسلمين ومركز تحرك للنصارى في تاريخ الأندلس قال تعالى:{ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } آل عمران:140، وهذا من قدر الله سبحانه.
ظلت صخرة بلاي شوكة في خاصرة نفوذ المسلمين في الأندلس
حملات في الأندلس - حملة موسى وطارق وسرايا موسى