الباب الثاني: الدولة الأموية في الأندلس
الفصل الأول: عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)
رابعاً: خمس وعشرون ثورة ضده:
1ـ أبو الصباح اليحصبي عام 141هـ - 758:
- وتطورت الأحداث في الأندلس عام 141هـ، فقد وصل إلى الأندلس المشتتون من الأمويين، وقد وصل من بينهم رجل كبير ذو شأن هو(عبدالملك بن عمر المرواني) ومعه عشرة من كبار الأمويين.
- عزل عبد الرحمن الداخل (أبا الصباح اليحصبي) حليفه السابق من إشبيلية كان قد سمع مقالته بعد الانتصار على قوات الفهري والصميل، وولى عبد الملك بن عمر على إشبيلية كما ولى ابنه عمر أيضاً على (مورو) فأصبح بذلك معظم ولاة الأقاليم من بني أمية.
* قطع الخطبة للعباسيين:
- لاحظ عبد الملك المرواني والي إشبيلية جرياً على عادة العصر في ذاك الزمان أن خطباء الجمعة يدعون في آخر الخطب لأبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، أو لأي خليفة يعاصرهم، فأشار على عبدالرحمن الداخل أن يقطع هذا الدعاء، فأجابه: لا أريد ذلك حتى لا أستفز العباسيين علينا، قال: لا، اقطع ذاك الدعاء، وما زال به حتى أمر الداخل بقطع الخطبة للعباسيين وذلك بعد مرور عشرة أشهر على توليه إمارة الأندلس ـومع ذلك لم يطلب لنفسه الخلافة، ولا ادعى أنه خليفةـ.
صورة تمثل اجتماع المسلمين لصلاة الجمعة في الأندلس
2ـ ثورة يوسف والصميل عام 141هـ 785م:
- ومن أحداث عام 141هـ: أن يوسف بن عبد الرحمن الفهري والي الأندلس السابق قد فرّ من قرطبة واختفى فسأل عنه الداخل الصميلَ بن حاتم قائلاً: أين ذهب يوسف؟ قال الصُّميل: لا أعلم، فقال له عبدالرحمن: والله ما كان ليخرج إلا بعلمك، فغضب الصميل وأغلظ له القول: والله لو أنه تحت قدمي ما رفعتها لك فافعل ما شئت، فرأى خطورة الوضع منه، فأمر بسجن الصميل وولدي يوسف (أبي الأسود محمد بن يوسف، وعبد الرحمن بن يوسف) وظهر يوسف في عاصمة الغرب (ماردة) يجمع الجموع من بعد ذلك.
- تمكن أنصار الصميل ويوسف من أن يدبروا مكيدة فدخلوا إلى السجن وأخرجوا من فيه، فأما الصميل أخذته الأنفة فرفض أن يخرج من السجن هارباً، وأما عبد الرحمن بن يوسف فلم يستطع أن يتابع لسمنه فقبض عليه ولم يهرب إلا أبو الأسود محمد بن يوسف.
* يوسف في ماردة:
- ظهر يوسف بن عبد الرحمن الفهري في (ماردة) واستطاع أن يجمع عشرين ألف مقاتل، فشعر عبد الرحمن الداخل بخطر هذا التجمع فاتجه إلى إشبيلية والتقى بعبد الملك بن عمرو المروني وقروا أن يجمعا الجند ويحشداه لإرساله وإخضاع هذا التمرد الثالث للوالي السابق يوسف بن عبد الرحمن الفهري.
* أمية بن عبد الملك يفر:
- ولى عبد الملك ابنه أمية على جيش أرسله على عجل ليتابع فيما بعد هو على رأس جيش كبير، فلما تقدم هذا الجيش نحو (ماردة)، ووصلت الأخبار عن ماردة وقوتها وعدد جيشها، هرب قائد الجيش أمية قبل أن يلتقي بأحد، وقبل أن تكون هناك بوادر معركة، ورجع إلى إشبيلية ففاجأ والده عبد الملك بعودته فقال له والده: ما حملك على أن استخففت بي، وجرأت العدو علينا؟ فإن كنت قد فررت من الموت فقد جئت إليه. وأمر بقتل ابنه، وهنا حسم الأمر تماماً، ثم جمع بني أمية وخطب فيهم:
خزان ( صهريج ) باسم عبد الملك: من الرخام بشكل مزخرف منحوت
* عبد الملك يقود الجيش:
- (طردنا من الشرق إلى أقصى هذا الصقع، ونحسد على لقمة تبقي الرمق، فاكسروا جفون السيوف، فالموت أولى أو الظفر) فحسم بقتل ابنه وخطبته في بني أمية كل الظنون والشكوك حول قضيتهم، ثم قاد عبد الملك بنفسه الجيش، ولحقه عبد الرحمن الداخل بقوة تدعمه، وجرت عند ماردة معركة مدمرة، طاحنة قضت على معظم الجيشين: جيش يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وجيش عبد الملك المرواني إذ قتل منهما 30 ألفاً، وأبلى عبد الملك في هذه المعركة بلاءً منقطع النظير، وتمّ له النصر ولكن كان من نتيجة المعركة أن سقط هو قتيلاً، يروى أنه في بلائه أثناء القتال لم يكن يرُى من أثر الدماء وسيلانها عليه، ولما سقط ميتاً كانت يده ملتفة على مقبض السيف، وما استطاعوا أن ينزعوا السيف من يده، ولما قدم الداخل ورآه بكى وذكره بخير، وزوج ابنه هشاماً من ابنة عبد الملك، وقرّب أبناءه وجعل منهم الوزراء وأكرمهم إكراماً جميلا ً لمكانة عبد الملك بن عمر المرواني في نفسه.
* مقتل الفهري:
- وفرّ يوسف الفهري تحدثه نفسه أن يجمع القوات ليثور للمرة الرابعة نحو طليطلة، فلما اقترب منها رآه رجل يدعى عبد الله بن عمر الأنصاري، وقال في نفسه: هذا الفهري قتلُه الراحُة له والراحة منه، وتبعه فلحقه على مسافة أربعة أميال من طليطلة وقتله، وأرسل رأسه إلى الداخل، فأعلن هذا مقتله على الناس، وظنّ أن الاضطرابات قد هدأت، ولكنه أمر بقتل الصميل بن حاتم، وتتبع أنصاره وأنصار يوسف الفهري، فصفىّ رجال الحكم السابق الذين ما تركوه على حاله إذ دخل الداخل إلى الأندلس بنفس سموحة متسامحة ، ولكن هؤلاء ما تركوه.
3- العلاء بن المغيث اليحصبي يدعو للعباسيين عام 146هـ - 763م:
- ووقعت حادثة كانت من أخطر الحوادث التي مرت على عبد الرحمن الداخل في عام 146هـ، إذ عبر داع ٍ من دعاة العباسيين شمالَ إفريقية ودخل الأندلس، وهو داعية يسمى:( العلاء بن المغيث اليحصبي )، أرسله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور للسيطرة على الأندلس وجعلها تابعة للخلافة العباسية، فنزل العلاء (باجة) واجتمع الناس حوله حين أعلن أنه ينبغي أن يكون خليفة واحد للمسلمين، والآن فالخلافة بيد العباسيين فهم أولى بالإتباع من غيرهم (فنقلَ الصراعَ إلى الأندلس بين العباسيين والأمويين)، فاجتمع حوله: أعداء عبد الرحمن الداخل، رجال الحكم السابق، البربر، وأنصار العباسيين، وهيأ منهم جيشاً دخل إلى (شدونة) واستقبله أهلها وواليها، ثم استمر للوصول إلى عاصمة المنطقة (إشبيلية).
* العلاء يسيطر على إشبيلية:
- أرسل الداخل جيشاً بقيادة مولاه (بدر) فتمكن من إعادة السيطرة على (شدونة) إلا أن العلاء وجيشه تمكنوا من دخول (إشبيلية) العاصمة واستولوا عليها، وهرب جيش الداخل وهو يقوده إلى مدينة (قرمونة) يتحصن بها، وبقي حاكم الأندلس وجيشه محاصراً من قبل العلاء وقوته في تلك المدينة مدة شهرين، لكن عبد الرحمن الداخل فاجأ العلاء وجنده إذ فتح الأبواب وهجم مباغته بـ 700 رجل فقط حيث دب الرعب في صفوف الثوار وجرى القتل بينهم، وفرَ العلاء واستطاع أحد أشخاص الداخل من اللحاق به وقتله، كما قتلوا من أنصاره سبعة آلاف رجل، قطع عبد الرحمن الداخل رأس العلاء وعلقّ على أذنه رسالة مسجلة إلى أبي جعفر المنصور، حيث وضع الرأس في صندوق، كما جمع رؤوس بعض قادة أنصار العباسيين في صناديق تحمل داخلها رسائل مسجلة معبرة، معلقة في آذان القتلى إلى مكة إذ كان أبو جعفر المنصور يحج ذاك العام.
منارة أندلسية في إشبيلية مازالت باقية على حالها حتى اليوم
* إنهاء الثورة:
- وضعت الصناديق في أماكن متفرقة من أنحاء مكة، أما الصندوق الذي فيه رأس العلاء فقد وضع قرب خيمة أبي جعفر المنصور ليلاً بعملية تسلل غريبة جداً، ولما استيقظ وجد الصندوق، وفتحه فإذا فيه ما رأى فقال: عرّضنا هذا البائس (العلاء) لحتفه، ما هذا (عبد الرحمن الداخل) إلا شيطان، وما في هذا الشيطان من مطمع!! والحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر.
- يكاد المرء يشعر بخوف العباسيين وخليفتهم أبي جعفر المنصور من الداخل من تلك المقولة التي سبقت.
- ولم تهدأ الأمور، وما سكنت الحوادث في الأندلس بالرغم من إخضاع الداخل أعظم ثورة قامت عليه، ثورة العباسيين بقيادة العلاء بن مغيث اليحصبي.
4- هشام بن عذرة الفهري عام 147هـ - 764م:
- قام بالثورة عام 147هـ رجل آخر هشام بن عذرة الفهري في طليطلة وكان الداخل قد تعلم الدرس تلو الدرس من التجارب الماضية، وأخذ العبرة من الثورات السابقة، لذلك لم يمهل هذه الثورة الجديدة وانطلق فوراً وقاد جيشه وفاجأ هشاماً والثوار بهجوم سريع مباغت، وحاصرهم في طليطلة وشدد عليهم، فطالبوه بالصلح فأعطاهم مقابل أن يعطوه ابن هشام رهينة لديه، غير أن هشاماً نقض الصلح بمجرد مغادرة عبد الرحمن طليطلة مما أثار عليه غضبه فقتل ابنه وكرّ عليه، وحاصره كرة أخرى في طليطلة، لكن الداخل فك الحصار عنه لنشوب ثورات عديدة في الأندلس، كلفّ مولاه بدراً بمهمة القضاء على هشام الفهري ومقاتلته، فقام مولاه بالمهمة خير قيام، ونجح في إخضاع طليطلة، وأن يخضع هشاماً ويقتله كما قتل عدداً من قواد الثورة والثائرين.
غرناطة الحمراء : حديقة أحد القصور
5- سعيد اليحصبي عام 148هـ - 765م:
- كما ثار في مدينة (نبلة) عام 148هـ سعيد اليحصبي المَطْريّ، واستطاع أن يسيطر على مدينة (إشبيلية) عاصمة جنوب الأندلس، وذلك في شهر ربيع الأول في العام نفسه.
6- غياث اللخمي عام148هـ - 765م:
- كما ثار في نفس الفترة غيّاث اللخمي في مدينة (شدونة) وأعلن تأييد المطري.
- فاستفحل أمر سعيد واستمرت ثورته إلى سنة 149هـ، عند ذلك أرسل عبد الرحمن مولاه (بدراً) فحاصرهم في (إشبيلية)، ثم أردف جيشاً بنفسه ليساند بدراً واستطاع أن يقتل سعيدا ً المَطْريّ، لكن الثورة لم تخمد إذ ترأس الثوار (خليفة بن مروان).
- ملّ أهل (إشبيلية) من الثورة والثائرين مما جعلهم يراسلون الداخلَ يطلبون منه الصلح والأمان، فأعطاهم عبد الرحمن ورضي منهم ذلك على يسلموه رأس الثائرين خليفة، فقبلوا الشرط وسلموه خليفة، فقتله الداخل وانطفأت ثورته، إنه لشيء مدهش وأمر عجيب! أن يستطيع عبد الرحمن الداخل الذي دخل الأندلس وحيداً، ثم استطاع بقلة من أتباعه من جند الشام أن يحكم الأندلس، وأن يخمد ثورة تلو أخرى!
7- عبد الله الأسدي عام 149هـ - 766م:
- وثار عليه في نفس العام 149هـ عبد الله الأُسدي، واستطاع الداخل إخضاعه.
8- أبو الصباح اليحصبي عام 149هـ - 766م:
- وخرج عليه حليفه السابق (أبو الصباح اليحصبي) أيام دخل عبد الرحمن الأندلس وكان حاكم إشبيلية، إلا أنه كان قد أسرّ بقتله لكن أصحابه لم يرضوا بذلك، وقد وصل هذا الأمر عبد الرحمن فأسره في نفسه، ثم ولاه إشبيلية ثم عزله كما مرّ، فثار عليه أبو الصباح لهذا السبب - سبب عزله- وكان ذكياً شجاعاً قويا ً وله أنصار كثر. استماله عبد الرحمن حتى جاءه في قرطبة، وانفرد به الداخل فقتله.
9- غياث الأسدي عام 150هـ - 767م:
- خرج عليه ثائراً غيّاث الأُسدي بعد مقتل أبي الصباح، وتزعّم اليمانية في إشبيلية فأرسل إليه الداخل جنوداً هزموه في إشبيلية وقتلوه فانطفأت ثورته.
- كان عبد الرحمن الداخل قد دخل الأندلس بنفس تحب الصفح والمسامحة، يريد أن يجمع القلوب ويوحد الصفوف كما بدا في تعامله مع الثائرين عليه والخصوم الدائمين مراتٍ عديدة، لكن العنصر العربي في الأندلس قد قام بثورات عديدة، وأثار عليه الخصوم وجعل الاضطرابات، كل ذلك جعل الداخل يغير معاملته مع الناس فقتل وأسر، وأبقى رهائن عنده.
- فماذا لقي من العرب؟ صراع دائم وثورات هائجة، واضطراب مستمر للحصول على الملك والسلطة -ووضع العرب في العصر الحالي لا يختلف كثيراً عن ذاك الوضع وما أشبه اليومَ بالأمس؟!-.
- لذلك قرر إجراء تغيير كبير في الجيش، فجعل معظم العناصر فيه من مسلمي البربر ومن الصقالبة، وهذه كلمة تطلق على كل من أسلم من الروم ومن الأوربيين، وكأن هذا الأمر وذاك التغيير لم يفعل شيئاً.
ممر إلى إحدى القاعات في أحد القصور الإسلامية
10- حيوة الحضرمي.
11- عبد الغافر اليحصبي.
12- عمرو بن طالون عام 150هـ - 767م:
- فثار عليه (حَيْوَة الحضرمي) في إشبيلية، وخرج عليه (عبد الغافر اليحصبي) في مدينة (نبلة) كما انتقض عليه (عمرو بن طالون) في مدينة (باجة)، لكن هؤلاء جميعاً طالبوا عبد الرحمن الداخل الصلحَ والأمان إذ جاءهم بالجنود مهاجماً، فتركهم وأعطاهم مما يكفل ألا يعودوا إلى الثورات، وذلك عند شعورهم بالضعف عن مواجهته.
13- فرويلة بن ألفونسو الأول عام 150هـ - 767م:
- استغلّ الفرنج هذه الفترة الحرجة التي مرت من عصر عبد الرحمن الداخل، وانتفع (فرَوُيْلة) الذي ورث عن والده (ألفونسو الأول) بما كان من أحداث داخلية، واضطرابات متواصلة في الأندلس والشمال، فاستولى على عدد من المناطق المجاورة لمنطقة الصخرة (منطقة ليون)، إلا أن الداخل أرسل إليه من يحاربه، وجرت الحرب سجالاً بينه وبين (فرويلة) ثم أرسل عبد الرحمن مولاه (بدراً) فأوقف تمدده فترة من الزمن، بعد أن وصل إلى (ألبة).
- وكل هذه الحوادث قد جرت في الأندلس وتعتبر من الاضطرابات التي شغلت عبد الرحمن الداخل عام 150 هـ.
14- سقنة بن عبد الواحد عام150هـ - 767م:
- ونشبت ثورة من إحدى الثورات الخطرة التي واجهت عبد الرحمن الداخل في عام 150هـ، وذلك أن رجلاً من البربر يدعى (سقنة بن عبد الواحد) قام يدعو إلى شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فادعى أنه من نسل الحسين بن علي رضي الله عنهما. صدقته حشود كبيرة من البربر، وكانت ثورته في الجنوب الغربي من جزيرة الأندلس في منطقة (سنتا مارية)، فسار الداخل ليخمد ثورته في نفس العام، ولما اقترب من المناطق التي كانت تحت ثورة (ابن عبد الواحد) فرّ الأخير إلى الجبال الوعرة معتصماً بها، وتفرقت جماعته أيضاً في عدة مناطق منها، وما استطاع الداخل أن يتابعه في تلك الأماكن الجبلية الوعرة، فكلف رجلاً من نسل عثمان بن عفان رضي الله عنه لمتابعة هذه الفئة وهو (سليمان بن عثمان بن مروان بن أبان بن عثمان)، وعاد هو إلى عاصمة ملكه، واستمرت ثورته حتى عام 160هـ.
15- عبد الرحمن الصقلبي عام 161هـ - 778م:
- وفي عام 161هـ دخل الأندلس من الشمال الإفريقي رجل من العرب اسمه: عبد الرحمن بن حبيب الفهري وعرف بالصقَّلبي، ولم يكن من الصقالبة ولا صلة له معهم لكنه سمى بذلك لشبهه بهم فهو طويل، ذو عينين زرقاوين وشعر أشقر يشبه الأوربيين، فقام سنة 162هـ يدعو للعباسيين مرة أخرى مدعياً أن بلاد المسلمين تحكمها الخلافة العباسية، وأن عبد الرحمن قد اقتطع الأندلس عن العالم الإسلامي والخلافة وعليه وعلى المسلمين في الأندلس مقاومته، وإعادته إلى سلطة الخلافة، فراسل والي (برشلونة) سليمان بن يقظان الأعرابي الذي رفض أن يؤيده، وبدلاً من أن يتجه الصقلبي تجاه عبد الرحمن الداخل بقواته، فإنه قرر أن يحارب سليمان بن يقظان الأعرابي، ودارت الدائرة عليه وعلى أتباعه، مما أضعف شأنه، فاستغل ذلك الداخل فقضى على ما بقي من قواته وأحرق سفنه مما جعله يفر إلى الجبال، فأعلن عبد الرحمن جائزة ألف دينار لمن يأتي برأسه فقتله أحد رجاله من البربر من أجل الدنانير، (وما أكثر من يبيع رجلاً بمبلغ زهيد في الدنيا بل هناك من يبيع جيشاً كاملاً!).
16- سليمان الأعرابي عام 163هـ -780م:
- زها سليمان بن يقظان الأعرابي بانتصاره على عبد الرحمن الصقلبي فأعلن الثورة على الداخل وهاجم عاصمة الشمال (سرقسطة) وتمكن منها هو وجماعته.
17- القائد السلمي عام 162هـ -779م:
- ثار في مدينة طليطلة (القائد السُّلمَي) لكن ثورته أخمدت وهزمه الداخل.
الداخل ينهي ثورة السلمي
18- إبراهيم البرلسي.
19- دمية الغساني.
20- العباس البربري عام 162هـ - 779م:
- كما أعلن العصيان (إبراهيم البرلسي) فهزمه مولى عبد الرحمن (بدر)، كما تمرد (دمية الغساني) في (إلبيرة) وأخضعه القائد (شهيد بن عيسى)، وثار من بعده (العباسي البربري) فأخمدت ثورته أيضاً.
21- عبد السلام بن يزيد بن هشام الأموي عام163هـ - 780م:
- ولأول مرة حدثت الفتنة بين الأمويين في الأندلس، فقد ثار عبد السلام بن يزيد بن هشام، وثار معه يعاونه عبيد الله بن أبّان بن معاوية بن هشام، والذي حرضهما أبو عثمان (عبيد الله بن عثمان) الذي كان قد دعم عبد الرحمن حين نزوله إلى الأندلس، وأيدهما بعض الأمويين, قال تعالى:{ ولا تنازعوا فتفشلوا } الأنفال:46، فاستطاع الداخل إخماد هذه الثورة أيضاً، وقتل الأموييَّنِْ (عبد السلام وعبيد الله) لكنه لم يقتل أبا عثمان وقال له: تركتك لفضلك عليّ وعلى الأمويين، ثم قال عنه: هذا أبو مسلم هذه الدولة في المغرب الإسلامي، يشبُهه بأبي مسلم الخراساني الذي كانت له اليد الطولى في نجاح الدولة العباسية، ولكنه خاصمها وعاداها فيما بعد، فقتله أبو جعفر المنصور في المشرق الإسلامي.
22- الخائن سليمان الأعرابي وشارلمان عام 164هـ - 781م:
- استطاع عبد الرحمن الداخل أن يخضع ثورة (ألبيرة) لكنه ما استطاع أن يخضع الثورة التي نشبت في عاصمة الشمال (سرقسطة) التي استقر فيها الثائر سليمان بن يقظان الأعرابي، كما ثار من يعاونه الحسين بن يحيى الأنصاري، فأرسل إليهما جيشاً كثيفاً يقوده ثعلبة بن عبيد، فقاتلهما قتالاً شديداً وذلك في عام 164هـ، وفي بعض الأيام عاد ثعلبه إلى مخيمّة، فاغتنم سليمان غرّته وافتراق أهل الجيش عنه، فخرج إليه وقبض عليه، وأخذه أسيراً، لذلك تفرق عسكره.
شارلمان" إمبراطور ألماني الكارولنجية" ( القبائل الأوربية التي سكنت ألمانية في ذلك العصر ).
* خيانه سليمان الأعرابيخيانه سليمان الأعرابي:
- وخاف سليمان من الداخل فأحدث خيانة ما حدثت من قبل بين المسلمين، (وهي أول حادثه يسجلها التاريخ، والله أعلم، أن يتصل مسلم بملك من الكفار يطلب إليه أن يعينه حتى يتفرد بحكم الأندلس)، هذا الملك الذي اتصل به هو (شارلمان) إمبراطور (الكارولنجية) -القبائل الأوربية التي سكنت ألمانية في ذلك العصر-، ويعرض له مقابل ذلك أن يسلمه منطقة الشمال كلها وعاصمتها سرقسطة أيضاً , ليضمها إلى إمبراطوريته المترامية الأطراف.
حادث غريب وأمر مشين جداً, قال تعالى:{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ } الأنفال:71.
كل الخيانات في من خان خالقه لابدّ أن تقرأ "الأنفال" تعتبر
- ومن النفوس من تطمع بالإمارة والدنيا ولو على الإذلال والمهانات، وقد تكون حريصة على حياةٍ مهما كانت نوعية تلك الحياة.
* شارلمان يهاجم والعلماء يتحركون:
- فسار (شارلمان) نحو الجزيرة الأندلسية -يدفعه الطمع والعرض المغري الذي سبق- مخترقاً جبال البيرينيه (البرت)، ولما وصل إلى سرقسطة وجد أهلها قد تحصنوا بها وأغلقوا أبوابها ورفضوا أن يدخلها واحد من جيش شارلمان أو غيره، إذ يوجد بين المسلمين في كل مكان من علماء المسلمين مَنْ يحرك الناس ويثيرهم، ويوقظ هممهم وينبههم إلى مثل هذه الجرائر التي ترتكب وإلى عظمها بحق الإسلام والمسلمين.
- نهض العلماء في سرقسطة فعزلوا سليمان، وأيدوا الحسين بن يحيى الذي عارض حليفه، وقاد المقاومة الضاربة ضد شارلمان الذي شدّد حصاره على هذه المدينة حصاراً كاد أن يهلك أهل سرقسطة.
* السكسون يثورون على شارلمان:
- ويشاء الله تعالى أن تتحول الأمور لصالح المسلمين، بل ويغير وجه التاريخ، لقد ثار على شارلمان قبائل السكسون في شمال ألمانية وفرنسة، فاضطر شارلمان أن يفك الحصار ويعود أدراجه خائباً، ولما كان يعبر جبال البيرينية وممراتها الضيقة عائداً إلى بلاده هوجمت مؤخرة جيشه حيث كان فيها كبار ضباطه مع الغنائم والأسرى فأبيدت، ووقعت الوقيعة بين الفرنجة أنفسهم.
- شعر شارلمان نتيجة ذلك بضعف موقفه وتغيرت سياسته نحو الأندلس، وظهر كأنه يؤثر السياسة السلمية تجاهها فأرسل وفداً على الداخل يدعوه إلى معاهدة بينهما فقبل الداخل بذلك وجرت معاهدة بينه وبين الفرنجة.
- واستغل القوط هذه القلاقل والاضطرابات العديدة، فاحتلوا الثلث من منطقة الشمال لكن عبد الرحمن استطاع أن يوقف تقدمهم كما مرّ.
جيش شرلمان في قتال مع قبائل السكسون
منطقة نفوذ القوط في الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل
* الأنصاري يثور:
- وبعد رجوع شارلمان من حصار سرقسطة، عاد الأنصاري إلى ثورته، ولم ينضو تحت لواء الداخل ظناً أنه متمكن في هذه المنطقة، فأرسل الداخل جيشاً يقوده ثمُامة بن علقمة وكلفة أن ينهي هذه الثورة، فاستطاع ثمامة أن يدخل سرقسطة ويقتل الأنصاري.
* حادثة طريفة:
- حادثة طريفة: يذكرها المؤرخون قد وقعت بعد وصول عبد الرحمن الداخل إلى سرقسطة وبعد دخول قواته إليها، تدل على أخلاقية الداخل وصفاته وحسن سياسته، قالوا: لما فتح الداخل سرقسطة وحصل في يده ثائرها الحسين الأنصاري، وشدخت رؤوس وجوهما بالعُمَد، وانتهى النصر إلى غاية أمله، أقبل خواص المدينة يهنئونه، وتسلل بينهم جندي لا يؤبه له، فهنأ الداخلَ بصوت عالِ وأسلوب فجّ يدل على قلة أدب في مثل هذه المجالس، فقال عبد الرحمن: والله لولا أن هذا اليوم أسبغَ عليّ فيه من نعمه من هو فوقي - يقصد الله تعالى-، فأوجب عليّ أن أُمهل فيه من هو دوني لأُصلينّك ما تعرضت له من سوء بالنكال. من تكون حتى تأتيَ مهنئاً رافعاً صوتك غيرَ متلجلج بمكانة الإمارة حتى كأنك تخاطب أباك أو أخاك؟ وإن جهلك ليحملُك العودَ لمثلها، وأخشى أن تكون لمثلها فلا تجد مثل هذا الشافع في مثل هذه العقوبة.
- يريد أن الله قد منّ عليه بهذا النصر، وإنك أيها الرجل لست بمقام يدعوك لأن تخاطب بهذه اللهجة في مثل هذا الموقف، ولولا وجود النصر الذي يشفع لك لأصابتك مني عقوبة ولردعتك، وكأني بك في موقف آخر لا يوجد مثله فينَُكَّل بك.
نبهونا إلى أنفسكم:
- لكن هذا الجندي قال قولة أعجبت الحاضرين، وأدهشتِ الداخل فقال:
لعلّ فتوحات الأمير يقترب اتصالها باتصال ذنوبي وجهلي فتشفع لي، لا أعدمنيه الله تعالى. فأثار هذا الجواب نفسية الداخل وقال: ليس هذا باعتذار جاهل. وتهلل وجهه، ثم قال: نبّهونا على أنفسكم إن لم نكن ننتبه إليها، فأمر برفع مكانه الرجل الجندي، وأعلى مرتبته، وزاد في عطائه.
ازدهار حركة التجارة بين المسلمين ودول العالم
32- المغيرة الأموي عام166هـ - 783م:
- ثار في قرطبة ابن أخيه عليه وهو المغيرة بن الوليد بن معاوية بن هشام يطلب الإمارة لنفسه ناكراً الجميل، ويجحد العرفان الذي أسداه إليه عمه بأن أقره في الأندلس بعد أن كان شريداً طريداً، يختفي من مكان إلى مكان وكأن الأرض قد ضاقت عليه، كحال بني أمية لما فقُدت دولتهم.
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
- فآواه في قرطبة، وغمره بالنعم، وأغدق عليه العطاء لكنه أنكر ذلك وثار يطلب رأس عمه ليتولى بدلاً منه وكان هذا منه لؤما وغدراً كما قال الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
- فقتله الداخل عام 167هـ، ثم أرسل أمواله إلى أبيه (أخيه الوليد) مع رسول يطلب إليه أيضاً مغادرة الأندلس، فجعل أخوه يعتذر عما بدر من ابنه، ويؤكد له إخلاصه هو إليه، وليس له أية صلة به وبثورته، فأبى الداخل إلا يخرج أخوه من الأندلس خشية أن يحركه دم الثأر غدراً، فيطلب دم ابنه، وأمام هذا الإصرار رحل أخوه إلى إفريقية.
لم يعد يثق بأحد أو يطمئن إلى واحد ولو كان من أقرب الناس إليه لما رأى منهم جميعاً، وكأنه يتمثل قول امرئ القيس:
كذلك جدي ما أصاحب صاحباً من الناس إلا خانني وتغيرا
عدد هائل من الأعمدة داخل مسجد قرطبة
24- أبو الأسود محمد بن يوسف الفهري عام 168هـ - 784م:
- ظهر ثائر ما من أحد يفكر أن يثور أو يتخيل ذلك منه: هو أبو الأسود محمد بن يوسف الفهري الوالي السابق للأندلس، بعد أن أمضى سبعاً وعشرين سنة في السجن من 141 إلى 168هـ إذ كان رهينة كما مرّ في المواضيع السابقة.
- كان هذا الرجل يفكر بالثورة، ويخطط طيلة مدة بقائه في السجن فكيف يثور سجين على الأمير؟
- وكيف يقوم بعملية وهو وحده؟
* حيلة عجيبة:
- عمد إلى حيلة عجيبة، نادرة في التاريخ، تظاهر في سجنه بالعمى حتى أتقن دور الأعمى وحركاته وتصرفاته في جميع أحواله، كان الناس يمررون أيديهم أمام عينيه فلا يحرك رمشاً، ولا يُرى أثر انفعال أو إحساس على ملامح وجهه، وكان من معاملة السجناء في ذاك العصر أن يخرجهم الحراس إلى نهر قريب من السجن في كل مدة ليغتسلوا ويغسلوا ملابسهم، ويصلحوا شؤونهم، وكان ذلك بمثابة (تنفس) إذ يُُخرجون من المهاجع والزنزانات.
- وكان أبو الأسود كغيره يؤخذ معهم بدليل من رفاقه فابتعد يوماً ونادى رجلاً على الشاطئ الآخر أن يأتي بمولاه هو في موعد محدد في هذا المكان، وجاء مولاه في موعده الذي ضرب له، فسبح أبو الأسود في غفلة عن حراسه إلى الطرف الآخر، وفرّ مع مولاه على حصان أعدهّ له، قاصداً طليطلة، ولما علم أن الوضع مستقر فيها، غيّر وجهته إلى (قسطلونة) التي تبتعد في شمال مدينة (جيان) عشرين كيلومتراً.
قرطبة المسجد الكبير, البوابة الجانبية ( الجانب الشرقي ), يعود تاريخها إلى عصر المنصور
* إعلان الثورة:
- وأعلن ثورته، وأظهر عصيانه، فاحتشد حوله الآلاف من أهل الأندلس لمكانة أبيه يوسف الفهري الوالي السابق للأندلس قبل عبد الرحمن، واجتمع معه أيضاً أعداء الداخل، كما جاء إليه الطامعون في الحكم أو الراغبون في المال والغنائم، وغيرهم. حتى اجتمع حوله حشد كبير عدّ بعشرات الألوف، تتبع الداخل خطاه ولم يمهله فجاءه بجيش عظيم وجرت بينهما معركة قرب (قسطلونة) قتل فيها من أنصاره أربعة آلاف، وفرّ هو يريد أن يجمع الأنصار مرة أخرى فلم يفلح، وتفرق أنصاره وقتل منهم خلق كثير، والتجأ أخيراً إلى قرية قرب (قسطلونة) فلحقه الموت هناك.
25- ثورة القوط والبربر عام 170هـ - 787م:
- واستغل القوط ثورته، وانتهزوا الاضطراب الذي أحدثه في هذه الفترة، فتمكنوا من مدينة جيليقية، وبسطوا سيطرتهم عليها، وهي في الشمال من الأندلس، ولكن الداخل أرسل عليهم والي طليطلة الذي تمكن من أن يوقفهم، ويقتلهم ويغنم منهم.
- وثار البربر أيضاً عليه في عام 170 هـ لكن الداخل بسط قوته عليهم وأذلهم.
* مصير بدر صاحب الداخل:
- لذلك لم يعد بإمكان الداخل أن يثق بأحد من الناس قط، فهذا مولاه بدر بعد تعب من القتال، وكلّ من متابعة الثائرين وإخضاعهم، طلب الولاية في مكان ما من الأندلس، وطلب الراحة إذ تقدمت به السن أيضاً، فأبى ذلك عليه الداخل، فسأله المال ليخلد إلى عيش رغيد فأبى أن يعطيه شيئاً، بل نفاه إلى جزيرة من جزر الأندلس الجنوبية فمات هناك رفيق السفر والشقاء، ورفيق الحروب، وصديق البيت في الحل والترحال.
- أين الروح القديمة؟ وأين العاطفة تجاه الأحبة؟ وأين مسامحة النفس، والخلق السمحة وأين العفو؟ لقد تغير عبد الرحمن لتغير الناس حتى من أبناء عشيرته وبني جلدته.
مسجد قرطبة الذي اكتمل بناؤه في عهد الخليفة المنصور
* جامع قرطبة (تحفة الفن الأندلسي):
- لا يكاد يطأ المسلمون أرضاً حتى يبدؤوا ببناء مسجد أو بيت لله يكون مركز نور وهداية وإعلان لكلمة الله أينما حل فالمآذن ترجيع أذان المهيمن الديان.
- وحينما دخل المسلمون فاتحين إلى الأندلس أقاموا عدة مساجد كان من بينها جامع قرطبة الذي اختطه وحدد قبلته حنش الصنعاني رضي الله تعالى عنه -مهندس المساجد في الأندلس- وكان موقعه في البداية كنيسة للنصارى تسمى (شنَت بُنجنت) أي القديس منصور، فأخذ المسلمون نصفها وأبقوا لهم النصف الآخر وكان المسجد وقتها في منتهى البساطة.
- ثم إن عبد الرحمن الداخل في عام 170 هـ اشترى من النصارى النصف الآخر من كنيستهم بمائة ألف دينار وهدم البناء القديم للمسجد ورفع مكانه بناءٌ جديداً وصرف همته ليكون هذا المسجد الجديد الجامع في حاضرة ملكه قرطبة تحفة فريدة من حيث بهاؤه ودقة زخارفه وروعة منظره، وفرش صحن المسجد بالأشجار وبلغ ما أنفقه فيه ثمانين ألف دينار ذهبية.
- ثم توالى اهتمام الخلفاء من بعده بمسجد قرطبة حتى كان عهد الحاجب المنصور فوسعه توسعة كبيرة وأولاه اهتماماً عظيما حتى صار يسمى (جامع المنصور).
كتاب أخبار مجمعة ويبدو من الكتابة الواضحة قصة الفتوحات الإسلامية في الأندلس
مجسم تصويري لمسجد قرطبة الكبير
* نتائج عهد الداخل:
- فصل الأندلس عن بقية الأرض الإسلامية، وأبعد الأندلس عن الخلافة الإسلامية.
- كثرت الثورات عليه والتهبت حوله تريد حرقه، أكثر من خمس وعشرين ثورة، فما أعطته الراحة النفسية للتفكير، فتغيرت معاملته حتى عن أقرب الناس إليه.
- ضاعت مناطق من جنوب فرنسة، وتمكن الفرنج من إزالة سلطة المسلمين عنها، كذلك ضاع أقصى الشمال الغربي، فتمردت (ليون القوط)، وذلك السبب الحتمي للنزاع بين المسلمين يقول الله تعالى: { ويذيق بعضكم بأس بعض } الأنعام:65.
- أسس جيشاً دائماً تعداده 100 ألف مقاتل، وشكل من 40 ألف مقاتل حرسه الخاص.
- دوّن الدواوين، واستقرت السلطة المركزية بيده، واستجلب الأشجار لتزرع في الأندلس منها النخيل والرمان، وشكلّ الأسطول البحري لحماية سواحل الأندلس.
- بنى مدينة قرطبة (سورها) وبنى مسجدها في عام 170هـ، وهو مسجد قرطبة الكبير، وجعل مدينة قرطبة تضاهي بغداد بالمنشآت العمرانية وبأسواقها، وبنى قصراً سماه قصر الرصافة يتتبع آثار جدّه هشام بن عبد الملك الذي بنى في الشام قصره المسمى برصافة هشام.
- دوّن الدواوين ورتب شؤون الدولة إذ قسّم الأندلس إلى مناطق إدارية، وضبط الأمن فيها، وكان يتفقد أحوال الرعية، ولما خشي من الاغتيال أرسل غيره ليقوم بهذا الأمر ويبلغه عن كل كبيرة وصغيرة عن أحوال الناس، وكان كريماً سخياً يحفظ كرامة الناس، فقد أعلن ألا يطلب منه أحد حاجته على ملأ من الناس، بل إنه يرسل إليه كتابة فيلبيها له دون إبطاء، شاعر جيد الشعر، أديب، شجع الشعراء وأغدق عليهم العطاء.
الداخل ينشئ الدواوين
* من الوالي بعد الداخل؟:
- ولما شعر بدنو أجله احتار فيمن يولي بعده:
أيولي ابنه البكر سليمان من زوجته الشامية وكان والياً على طليطلة، لكنه أقل كفاءة من ابنه الآخر هشام (والي ماردة) من أم إسبانية مسلمة، لكنه أقدر من أخيه على إدارة الأمور وأحسن دراية في استنباط ما يستجد من خفايا الحوادث، فهل يولي الأكبر؟
- أم يسند الإمارة إلى الأكفأ؟
- لكنه لما حضره الموت، سلّم خاتمه -خاتم الإمارة- إلى ابنه عبد الله، وقال له يوصيه: من سبق إلى قرطبة من أخويك فأعطه الخاتم، وكأنه ترك الأمر لمشيئة الله سبحانه.
- توفي عبد الرحمن عام 172هـ، ولما أعلن نبأ وفاته، بادر ولداه بالإسراع إلى قرطبة -وهما لا يدريان بشأن وصية والدهما- فكان هشام السابقّ، وأول من دخلها، فسلّمه عبد الله خاتم والده، وسّلم عليه بتسليم الإمارة.
- رحم الله الداخل وغفر له، لوحق وعمره 19 عاماً، وفرّ ووصل إلى الحكم في الأندلس وعمره 29 عاماً، واستمرت إمارته أربعة وثلاثين عاماً تقريباً، فأسس دولة، وفتح الأمصار، وشاد البناء، وعمّر العمران، وكان يخالط الناس في أحوالهم، ويُقر أمور إمارته بنفسه، هو نموذج للصبر والمصابرة، قدوة لا تباع الهمة العالية والطموح.
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
- وصدق عليه قول أبي جعفر المنصور-الخليفة العباسي- إنه حقاً: صقر قريش.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام