الفصل الثاني: موسى وطارق يفتحان الأندلس
ثانياً: بدء الفتح وأعمال طارق بن زياد:
* عام 92 هـ - 711 م الجيش الأول بقيادة طارق بن زياد:
- هيأ موسى بن نصير جيشاً قوامه سبعة آلاف مجاهد جلهّم من البربر المسلمين وأمرّ عليهم طارق بن زياد سنة 92 للهجرة.
- وطلع موكب النور، ولا يحتاج النور إلى قوة قاهرة، ولا إلى جيوش جرارة، ولا أعتدة مدمّرة، ولا إلى ذهب يلمع، وإنما يحتاج -إن صح التعبير- إلى نوعية فرد يحب الموت لإعلاء كلمة الله، بل يرى أن الحياة تبدأ عندما يسقط أحدهم شهيداً فيقول: فزتُ وربِّ الكعبة.
- وفردٌ إلى فردٍ إلى فردٍ يؤسسون جنداً يمثلون قدر الله في الأرض، ومن يقف أمام قدر الله؟! ومن يصده؟!
- وهكذا كان المسلمون في فتوحاتهم على جميع الجبهات في مواجهة مختلف الأمم والنحل، فامتازوا بالعقيدة التي تفتدى بالنفس، وبالقيم الإنسانية التي يحملها الفاتحون إلى البلاد، ويعبرون عنها بسلوكهم على مختلف المسؤوليات والأوصاف. قال تعالى:{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ } البقرة:249.
جيش المسلمين يستعد للفتح
* عام 92 هـ - 711 م العبور إلى الأندلس:
- عبر طارق بن زياد وجيشه المضيق منطلقاً من (سبتة) تحملهم السفن، وتجمعوا على جبل صخري عرف فيما بعد باسم (جبل طارق)، وكما عرف المضيق باسمه أيضاً، وهذه مكافأة دنيوية له بكل اللغات. قال تعالى:{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } النساء:134.
- ولما علم أن القوط قد تجمعوا قريباً منه لصده بقيادة (تُدمير) التفّ حول الجبل المسمى باسمه، ونزل السهل الذي خلفه المسمى بسهول الجزيرة الخضراء.
- وحين علم (تدمير) بنزول طارق هناك أرسل رسالة مستعجلة إلى (لذريق) الذي كان في عمليات بالشمال لقمع ثورة أبناء الملك السابق، يقول فيها: أدركنا فإن قوماً نزلوا هنا لا يُدري أمن أهل الأرض أم من أهل السماء قد وطئوا بلادنا؟ وقد لقيتهم فلتنهض إليّ بنفسك.
- جاءه هذا الخبر فجمع جيشاً كثير العدد بلغ في بعض الروايات مائة ألف، وترك حامية هناك لمدافعة الثوار، وتوجه لدحر جيش طارق نحو الجنوب.
- لكن طارقاً أنشب القتال مباشرةً والذي دام ثلاثة أيام انتصر بعده على (تدمير) في أول لقاء مع القوط على الجزيرة الخضراء. وسيطر على جنوب الأندلس، ولما علم بتقدم (لذريق) بجيشه الكثيف أرسل خبراً عبر المضيق إلى موسى بن نصير يطلب المدد، فأمده بخمسة آلاف مجاهد، وليبلغ عدد جنده اثني عشر ألفاً.
* معركة برباط الحاسمة:
- استكشف طارق المنطقة ليختار مكاناً يحدده هو للقاء العدو الزاحف ملائماً لقلة عدد جنده وكثرة الأعداء، فاختار قرب الوادي (بَرباط)، ونهره، فخيم على ضفافه وانتظر حتى أتى القوط.
- وحدثت المعركة الفاصلة التي تعد من أهم معارك الأندلس.
- جيش الإسلام اثنا عشر ألفاً أكثرهم مشاة، وقليل منهم خيالة، وقائدهم طارق بن زياد، وجيش القوط مائة ألف أكثرهم خيالة، يقودهم حاكم الأندلس نفسه (لذريق)، إذ كان على سرير تحمله ثلاث بغلات مقرونات، ولباسه الملكي محلى بالذهب.
- فخطب طارق جنده يحمسهم ويعدهم إما الشهادة أو النصر، ويرغبهم في إعلاء كلمة الله، والتعالي على زخارف الدنيا ومشتهياتها، ويذكرهم بالآية الكريمة:{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة:111.
- وعمّا يذكر له من خطبة مطولة في بعض الكتب فإن حولها مقالاً، أضف إلى ذلك أنه من البربر والخطبة من بلاغتها تكاد تكون لقس بن ساعدة أو امريء القيس وكذلك ما يذكر من إحراق السفن، فكلا الأمرين غير ثابت تاريخياً.
- ويظهر أن الجيش القوطي كان مغتراً جداً بقوته، ومتأكداً إلى درجة حتمية النصر عنده، حتى أنهم أعدوا ما يحملون عليه أسرى المسلمين، فقد جاء مع الجيش دواب لا تحمل غير الحبال لربط الأسرى، وكأن نهاية المعركة ستكون لصالحهم، وكانوا يفوقون المسلمين في العدد والعدُد، ويحاربون في بلد يعرفونه ، وأرض يعرفون جغرافيتها ومداخلها ودروبها، إلا أن المسلمين كانوا متفوقين بالروح المعنوية، متعالين على منافع الحياة الزائلة ورغبات الدنيا، وما يقال: إن طارقاً وعد الجند بالنساء والأموال والذهب يكّذبه التاريخ، وواقع المسلمين.
معركة طارق بن زياد مع جيش القوط
معركة وادي برباط (أو وادي لكه)
- بدأت المعركة يوم الأحد الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك، ودارت واتصلت ثمانية أيام، ومّر عيد الفطر والمسلمون في قتال إلى يوم الأحد الخامس من شوال، وكانت تزداد عنفاً، وصبر الفريقان صبراً عظيماً، وسقط القتلى من الطرفين، إذ استشهد من المسلمين ربع الجيش أي ثلاثة آلاف شهيد كما ذكر الرواة.
- ولولا العقيدة وسمو الهدف في هذه المعركة لكانت الغلبة للقوط الذين قاتلوا قتالاً شديداً في مكان يعرفون أدق تفاصيله.
- لكن تفوق المسلمين بالعقيدة اكتسح مصاعب المعركة، وكان اللقاء حاسماً، ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً وشتتوا الجيش القوطي الذي ولى الأدبار، ونثروه على أطراف وادي (برباط).
- وتبعهم المسلمون وأوقعوا فيهم القتل والأسر، ومنهم من ألقى نفسه في النهر وفيهم قائدهم (لذريق) الذي مات غرقاً.
- وغنم المسلمون غنائم كثيرة، وأعظمها كانت الخيول الكثيرة، فلم يبق راجل في الجيش بعد هذه المعركة.
- قضت هذه المعركة الفاصلة (بَرباط) على معظم القوى العسكرية للقوط، ولم يلتق المسلمون بعدها بتجمع كبير لهم، وانتشر المسلمون انتشاراً واسعاً، فما أراد طارق بن زياد أن يضيع الوقت بل تقدم بسرعة، وسار بفتح البلدان بلدة فبلدة، وقد أصيب القوط بهلع وخوف شديدين.
* عام 92 هـ - 711 م اكتساح جنوب الأندلس:
- فتح طارق (شذونة) ثم مرّ بمدينة (مورور) وهي قريبة من قرطبة عاصمة الأندلس وبعد ذلك بمدينة (قَرمَونة) واستولى على (لقة) و (وإلبيرة) بعد حصار طويل، وأخضع (أريولة)، كل هذا النصر تم في شوال 92 للهجرة وذلك لسرعة الجيش المسلم الذي تحرك على الخيول وعدم استطاعة العدو أن يجمع الجموع.
- وصل إلى (إشبيلية) عاصمة الجنوب، ورأى أهلها أنهم لا يستطيعون صدّ المسلمين أو قتالهم فطلبوا من طارق الصلح فصالحهم على دفع الجزية.
* الفرق بين الفتح والصلح:
- أن المنطقة أو المدينة التي تفتح تصبح الأموال المنقولة وغير المنقولة غنيمة والناس سبياً بعد الفتح.
- أما الصلح فيكون حسب اتفاق الطرفين على بنوده، وأهم بند في الصلح أن يقر العدو بدفع الجزية، وهي مقدار دينار من الذهب على كل فرد في العام مرة. والتفصيل في كتب الفقه.
* فتح أستجة:
- تجمع القواط في منطقة حصينة جداً تدعى (أستجة)، واستطاع طارق أن يباغت قائدها خارج الحصن وأن يأسره وهو لا يعلمه، فقرر أن يصالحه فأطلق سراحه ووفى له هذا، وبفتح أستجة خضع الجنوب كله للفتح الإسلامي.
- اتجه طارق بن زياد بعد صلح مدينة (استجة) نحو الشمال ففتح (جيّان) على الطريق الرئيسي نحو العاصمة (طليطلة) التي فتحها طارق دون مقاومة تذكر.
- تسعة آلاف من المسلمين يفتحون الأندلس (إسبانية والبرتغال) في أشهر قليلة عام 92 للهجرة...
* المعاملة العادلة:
- عامل المسلمون أهل الأندلس كما عاملوا كل البلاد المفتوحة بما تتطلبه الحقوق الإنسانية (حق الحياة، حق العبادة، حرية المال والنفس والعرض) لأنهم لا تشغلهم الكنوز، ولا يتوجهون للعدوان على الأطفال والنساء والشيوخ، فهذه طبيعة القوات الإسلامية في كل عصر وكل زمان، مما يجعل الناس في البلاد المفتوحة يندهشون بما يرون، فيدخلون الدين بإيمان صادق ويقين تام، قال تعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } البقرة:256.
- استقر طارق في طليطلة بعد أن تحرك شيئاً في شمالها بأمر من موسى بن نصير، ولينظم جيشه، ويستقر الوضع العام قبل أن يدخل المناطق الإسبانية الأخرى.
العدل الإسلامي في الأندلس
مقالات ممتازة وموقع محترم ....جزى الله المشرفين عليه خيرا