أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الثاني ((الفقهي))
فقه الحج والعمرة
مكانة الحج في الإسلام
صفة الحج
* طواف الوداع:
- إذا أراد الحاج السفر فيطوف بالبيت بلا رَمَل ولا اضطباع ولا سعي, ويُسَمَّى الطواف هذا بطواف الوداع, وهو واجب, فعن ابن طاُوسٍ عن أبيهِ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال ((أمِرَ الناسُ أن يكونَ آخرُ عهدِهم بالبيت, إلاَّ أنهُ خُفّفَ عنِ الحائضِ)). ثم يصليَ ركعتيَ الطواف, ويأتي زمزم ويشرب من مائها مستقبلاً الكعبة, ويتضلع بشربه ما استطاع.
-
ثم يأتي الملتزم, ويتضرع إلى الله ـ تعالى ـ
بما يحب من أمر الدنيا, والآخرة, ويبدأ الدعاء بالحمد, والثناء, والصلاة على النبي
(صلى الله عليه وسلم) ويختمه بذلك, ويقول في الدعاء:
(اللهم البيت بيتك, والعبد عبدك, وابن أمتك, حملتني على ما
سخرت لي من خلقك, وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك, فإن كنت رضيت عني
فزدني منك رضاً, وإلا فَمُنَّ علي بالقبول والرضا من محض فضلك يا ذا الفضل العظيم,
ها أنا منصرف بإذنك غير مستبدل بك ولا بيتك, ولا راغب عنك ولا عن بيتك, اللهم
فأصحبني العافية في بدني, والعصمة في ديني, وأحسن منقلبي, وارزقني طاعتك ما
أبقيتني, واجمع لي خيري الآخرة والدنيا, إنك على كل شيء قدير, اللم ارزقني العود
بعد العود, المرة بعد المرة إلى بيتك الحرام, واجعلني من المقبولين عندك يا ذا
الجلال والإكرام, اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام يا أرحم الراحمين).
- ثم يستلم الحجر الأسود ويقبله أو يشير إليه في حال تعذر ذلك, ويمشي خارجاً من الحرم ووجهه تلقاء الباب, ولا يمشي القهقري إلى ظهره, ويلتفت مراراً إلى الكعبة متحسراً على مفارقتها, وأمَلاً في العودة مرة أخرى إلى زيارة البيت العتيق, حيث الرحمة والمغفرة والرضوان من الله تعالى.
قال عليه السلام:( الطوافُ بِالبَيتِ صَلاَةٌ فَأَقلُّوا مِن الكَلَامِ ). في هذا الطواف يودَّع الحاج مكة المكرمة ويغادرها, وعدد أشواط طواف الوداع سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة داخل البيت الحرام بمكة المكرمة.
س: ما حكم من ترك طواف الوداع من الحجاج؟
ج: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا ينفر أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما, وخرّجه الشيخان من حديثه أيضاً, قال:"أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" وقد ودع عليه الصلاة والسلام البيت حين فرغ من أعماله في حجة الوداع من أعماله في حجة الوداع, وأراد السفر, وقال:"خذوا عني مناسككم".
- هذه الأحاديث كلها تدل على وجوب طواف الوداع, إلا على الحائض, والنفساء, (وهو سنة عند المالكية), فمن تركه من الحجاج فعليه دم؛ لكونه خالف السُنَّة وترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً", وهذا قول أكثر العلماء, أما الحائض, والنفساء فليس عليها وداع لحديث ابن عباس المذكور وما جاء في معناه.
* الخلاصة: أن طواف الوداع عند مغادرة مكة, وهو واجب عند الجمهور, إذا ترك صح الحج ووجبت الفدية ((الدم)), وهي ذبح شاة, فإن لم يجد فصيام عشرة أيام, ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله, وصيام الثلاثة في الحج لا يكون إلا في أيام التشريق, أو في أشهر الحج التي تنتهي بانتهاء شهر ذي الحجة, وهو سنة عند مالك, وفي قول للشافعي, وتعفى منه النساء عند الحيض والنفاس.
* الفدية في الحج:
- الفدية: وهي ما يعطى فداء للشيء, وسميت هنا فدية؛ لقوله تعالى:( فَفِديَةٌ مّن صِيَامٍ أو صَدقَةٍ أوْ نُسُكٍ ).
* أنواع الفدية: الفدية في الحج نوعان:
1- على التخيير: وهي فدية حلق الشعر, وتقليم الأظافر, ولبس المخيط, والتطيب, وتغطية الرأس, وهي بالاختيار:
أ. صيام ثلاثة أيام.
ب. إطعام ستة مساكين, لكل مسكين نصف صاع مما يطعم.
ت. ذبح شاة, وتفريق جميع لحمها على الفقراء في الحرم.
لقوله تعالى:( فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أوْ به أَذىً مّن رَّأسِهِ فَفِديَةٌ مّن صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ ) فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجزة رضي الله عنه, قال له:( صم ثلاثة أيام, أو أطعم ستة مساكين, أو انسك شاة ).
* وكذلك فدية قتل الصيد وهي بالاختيار:
أ. جزاء مثل ما قتل من النعم: أي يضمن بمثل الصيد من بهيمة الأنعام.
ب. أن يقومه بطعام عن كل مسكين مد.
ت. أن يصوم عن كل مد يوماً.
2- على الترتيب: وهو على المتمتع,يلزمه شاة, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج, وسبعة إذا رجع؛ لقوله تعالى:( فَإذَا أَمنتُم فَمَن تَمَتَّعَ بالعُمرِة إلىَ الحَجّ فَمَا استَيسَرَ منَ الهَدْي فَمَن لم يَجِد فَصِيامُ ثَلاثةَ أيّامٍ في الحَجّ وَسَبعَةٍ إذا رَجعتُم تِلكَ عَشَرةَ كَامِلةٌ ).
تجب الفدية في ارتكاب محظورات الإحرام بثلاثة شروط:
1. العلم فلا تجب على الجاهل.
2. الذِّكر فلا تجب على الناسي.
3. الاختيار فلا تجب على المكره.
لحديث:"إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
* توضيح لبعض فدية المحظورات:
1- الوطء الذي يوجب الغسل:
- من جامع في الفرج قبل التحلل الأول فسد حجه, وعليه بدنة يفرق لحمها على الفقراء بمكة المكرمة, ويجب عليه أن يتمه ويقضيه بعد ذلك, والبعض الآخر يرى وجوب الدم فقط, أما من حصل له الجماع بعد التحلل الأول, فإنه لا يبطل حجه وعليه ذبح شاة يفرق لحمها على مساكين الحرم, والمرأة مثل الرجل في الفدية إذا كانت مطاوعة, وقيل عليه مع ذلك - إذا كان الباقي طواف الإفاضة - أن يخرج إلى أدنى الحل خارج الحرم ويحرم منه ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده وهو محرم, والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي, ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
2- المباشرة بشهوة فيما دون الفرج:
- كالقُبلة بشهوة, والمفاخذة, واللمس بشهوة ونحو ذلك, سواء أنزل أو لم ينزل, من وقع منه ذلك فقد ارتكب محظورا من محظورات الإحرام, وحجه صحيح لكن عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه, وقال بعض العلماء المحققين: ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يوزعه على فقراء الحرم المكي, وإن أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع, أو صام ثلاثة أيام أجزأه إن شاء الله تعالى, ولكن الأحوط أن يذبح شاة كما تقدم, والله أعلم.
* الإحصار في الحج: من أحرم بحج أو عمرة, ثم منع من الوصول إلى البيت الحرام بحصر عدو فعليه أن يبقى على إحرامه, إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريباً, كأن يكون المانع عدواً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي, وبقية المناسك.
- وكذلك إذا كان المانع من إكمال الحج أو العمرة: مرض, أو حادث, أو ضياع نفقة, فإنه إذا أمكنه الصبر لعله يزول المانع, أو أثر الحادث, ثم يكمل صبر, وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر على الصحيح, يذبح, ثم يحلق, أو يقصر, ويتحلل كما قال سبحانه:( وَأتمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لله فَإنِ أُحصرتُمْ فَمَا اسْتيسَرَ من الهَدْي وَلاَ تَحْلُقوا رُءُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( من كُسِرَ أو عَرِجَ أو مَرِضَ ) فَذَكَرَ معناه. لكن إذا كان المحصر قد قال عند إحرامه: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني حل من إحرامه ولم يكن عليه هدي.
* وهل يجب عليه القضاء أم لا يجب عليه؟
- الراجح أنه لا يجب عليه القضاء, إلا إذا كانت حجة الإسلام أو عمرته, فيؤدي الفرض بعد ذلك.