أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
ثانياً :
المدينة النبوية
الباب الأول:
المدينة النبوية وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها
* مدخـــل:
- المدينة النبوية (يثرب) كما كان اسمها قبل الهجرة النبوية المباركة, سكنها اليهود في القرن الثاني الميلادي على أثر اضطهاد الروم لهم في فلسطين, وظل يحتفظوا بدينهم واتخذوا العربية لغة لهم في حياتهم اليومية, وظلوا يمارسون طقوسهم الدينية بالعبرية, وعاشوا جنباً إلى جنب مع قبائل الأوس, والخزرج, أصحاب السيادة الحقيقية على البلاد, والذين كانوا وثنيين في عقيدتهم, ويعتمدون على زرع بلدهم, وثمارها, بينما كان ليهود يعتمدون على الحرف, والصناعات, وخاصة صناعة الأسلحة, وكانت حياة الأوس, والخزرج تشبه حياة البدو مع أنهم سكنوا آطام المدينة يتحاربون على نحو ما تتحارب القبائل البدوية.
- وكان اليهود يثيرون نار العداوة بينهم, حتى كثرت أيامهم, ووقائعهم, مثل: يوم بُعاث ونحوه, وأصبحت الحياة بينهم دامية, وكأنما تعاهدوا على الفناء لولا أن مَنّ الله عليهم بهجرة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فأصبحوا بنعمة الله إخواناً. لقد نالت المدينة النبوية حباً كبيراً من النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ منذ أن هاجر إليها, وكانت لها المكانة العالية الجليلة في قلبه؛ مما جعل المسلمون يكنُّون لها كل الحب؛ محبة لله, ورسوله, واتباعاً للسُّنَّة المطهرة؛ لأن الله ـ تعالى ـ قد فرض علينا أن نحب ما كان يحبه الرسول ـ صلّى الله عليه وسلم -.
- ذكر في تاريخ البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم:( من قال يثرب مرة فليقل المدينة عشر مرات ) وعَن أبي هُرَيَرةَ, يَبلُغُ بِهِ النَّبيَّ:( لاَ تُشَدُّ الرّحَالُ إِلاَّ إلىَ ثَلاَثَة َمَسَاجدَ: مَسجِدِي هذا, ومَسَجِد الحَرَام, وَمَسَجِدِ الأَقصَى ) رواه مسلم. ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن تشد الرحال لمكان في الأرض, أو بقعة من البقاع؛ طاعة لله, أو لأداء عبادة يبتغي بها المسلم وجه الله تعالى, إلا المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث؛ لما لها من الفضل على سائر البقاع. وجاء في حاشية السندي عند ابن ماجة في معنى (لا تُشَد الرحال) أنه (نَفي بمَعنَى النَّهي, أَو نَهي وَشَدّ الرّحَال كِناَيَة عن السَّفَر, وَالمعنَى: لاَ ينَبِغَي شَدّ الرّحَال في السَّفَر بَين المسَاجد إلاَّ إلىَ ثلَاَثَة مَسَاجِد, وَأمَّا السَّفَر للِعلِم, وَزِيَارَة العُلَمَاء, والصُّلَحَاء, وَللتّجَارَة ونَحو ذلَكَ فَغيَر دَاِخل في حَيِز المنع, وَكَذَا زِيَارَة المسَاجِد الأُخرَى بلاَ سَفَر, كَزِيَارِة مَسجد قُبَاء لَأهلِ المدِينةَ غَير دَاخِل في حَيِز النَّهي وَالله أَعلَم).
* موقع المدينة النبوية:
- تقع المدينة النبوية ((المنورة)) وسط الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية, وتحدد بخطوط الطول, ودوائر العرض كما يلي:
خط الطول (36و39) تسع وثلاثون درجة وستة وثلاثون جزءاً من الدرجة, ودائرة العرض (24,28) أربع وعشرون درجة وثمانية وعشرون جزءاً من الدرجة, وترتفع عن سطح البحر 625متراً تقريباً, وتبعد عن مكة المكرمة 420كم شمالاً تقريباً, كما تبعد عن شاطئ البحر بخط مستقيم 150كم, وأقرب الموانئ لها ميناء ينبع البحر, الذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية منها, ويبعد عنها 220كم, وتبعد عن الرياض ـ عاصمة المملكة العربية السعودية ـ 980كم.
- وأما جيولوجية المدينة فتقع معظم المنطقة المبنية فيها ((المدينة القديمة)) في تجويف رباعي يمتد نحو الجنوب, وتحده الصخور البازلتيه من الشرق, والغرب, والجنوب, وتوجد عدة تكوينات جيولوجية حول التجويف الرباعي منها تكوين الصخر الريوليت الذي يعود إلى ما قبل الكمبرى, وأحياناً تختلط هذه الصخور مع مسكوبات بركانية, وأحجار مسامية من الرماد البركاني, وأحجار الشظايا الأفقية المتلاحمة, وهناك تكوين الشست السرسايتي, والكلوريايتي, الذي يتألف من الشست, والكلورايت.
- أما التكوين الرباعي: فيتألف من الحصباء, والرمل, والطّمي, والغِرين أو الصلصال, والذي نشأ أساساً من تفتت الصخور المنقولة إلى الوديان من التكوينات البركانية القديمة, وتكوينات ما قبل الكمبرى, وقد توجد هذه التكوينات فوق الصخور الكلسية في بعض المناطق, والتي تعرف محلياً باسم "الجصة".
- ويوجد في غربي المدينة النبوية مجموعة من الصدوع, على هيئة أنصاف دوائر, ويكون اتجاه, وانحدار هذه الصدوع نحو الشرق والجنوب الشرقي, كما يوجد في شمالي المدينة عدد من السباخ الملحية ذات الرمل, والصلصال الطيني غير الملائم للزراعة مباشرة.
- وفي أقصى غربي المدينة وفي شمالي جبل "أحد" توجد تكوينات الأندسايت القديمة, وتوجد في أقصى جنوبي المدينة تكوينات ثلاثية, ورباعية من البازلت, والأندسايت, وتنتشر هذه التكوينات في المنطقة التي يطلق عليها اسم "حرة رهاط" مع امتدادات نحو الشمال على شكل أذرع تطوق التجويف الرباعي نحو الشرق, والغرب, ويمكن الملاحظة أن الذراع الغربي " الحرة الغربية" أضيق من الذراع الشرقي " الحرة الشرقية", والذي يمتد بشكل أكبر نحو الشرق موازياً للسهل الشمالي.
- ويعتقد بأن أحداث المسكوبات البركانية ف المدينة النبوية حدثت في القرن السابع الهجري, وتوجد هذه المسكوبات على هيئة طبقات فقاعية من خبث البراكين المختلطة بالصلصال الأصفر, والأبيض, وتوجد هناك أيضاً طبقات سميكة من البازلت يصل عمقها إلى 200متر في بعض المناطق في جنوبي المدينة, كما يوجد الغرين شبه البازلتي في مناطق كثيرة ما عدا القمم القاعدية.
خارطة موقع المدينة النبوية ـ شرفها الله تعالى ـ بالنسبة للعالم
* يعتبر المناخ في المدينة النبوية بشكل عام جافاً, ويتميز بدرجات حرارة عالية تتراوح بين (30-45) درجة مئوية في الصيف, وبين (10-25) درجة مئوية في الشتاء, وتصل الحرارة إلى أعلى معدلاتها في الفترة من (يونيو- حزيران) إلى (سبتمبر- أيلول), وتسقط معظم الأمطار في (نوفمبر- تشرين الثاني, ويناير- كانون الثاني, ومارس- آذار, وأبريل- نيسان), ويبلغ أقصى معدل سنوي للأمطار 2,12مم, وذلك خلال شهر أبريل, ويقدر متوسط المعدل السنوي لسقوط الأمطار على المدينة حوالي 94,3مم, ونادراً ما تسقط الأمطار في فصل الصيف.
- أما الرطوبة: فهي منخفضة في معظم أوقات السنة, ومتوسط معدلها (22%), وترتفع في فترات سقوط الأمطار إلى (35%), وتنخفض في فصل الصيف لتصل إلى حوالي (14%).
- وتهب على المدينة عادة رياح جنوبية غربية, وهي في الغالب حارة جافة, ويبلغ متوسط سرعتها (5-8) عقدة في الساعة, وتعد رياحاً هادئة.