أطلس الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

البــــــــاب الثـــالث:

خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

* الفتوحات الإسلامية في عهد عمر رضي الله عنه:

* استهل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهده بتلك الفتوحات الإيمانية التي بدأها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأتمها على أحسن وجه، وأكملها على أبهى صورة، حيث تمكن بفضل الله ـ ثم بفضل السواعد الأبية من رجالات الدولة الإسلامية في عهده ؛أن يقيم دولة إسلامية مترامية الأطراف في فترة وجيزة نسبياً إذا ما قيست بالزمن الذي تمت فيه فتوحات الأباطرة والقياصرة آنذاك.

* التعليق الأول: سجل التاريخ قبل الفتح الإسلامي المبين، حروباً كثيرة، للسومريين والبايلين والفراعنة والإغريق والروم والفرس وغيرهم. كما سجل التاريخ كذلك بعد الفتح الإسلامي حروباً ضارية كثيرة، لجنكيز خان، وهولاكو، وتيمورلنك، والإساعمار الصليبي في العصور الوسطى والحديثة، وغيرهم. ولكن هذه الحروب لم تدر رحاها إلا من أجل نعيم زائل ونزعات شريرة، بعكس الفتح الإسلامي الذي جاء من أجل تحرير الإنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية الله الواحد القهار!.

* بيد أن الفاروق بين عمر رضي الله عنه وأولئك الأباطرة والقياصرة أنه أقام دولته على أساس متين من الإيمان بالله تعالى وإقامة العدل، مدعمة بالحب الصادق والخلق الرفيع والتقاليد العربية الأصلية ؛ وهو صاحب المثل الشهير (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً)، لذلك يسجل التاريخ للخليفة عمر رضي الله عنه أنه أكبر فاتح في تاريخ البشرية قاطبة، حيث إن آثار فتوحاته العظيمة لا تزال بحمد الله تنعم بها شعوب البلاد المفتوحة، ولم يكن الفتح عند الخليفة عمر إلا إعلاءً لكلمة الله تعالى واستجابة لوعد الله للمؤمنين بأنهم سيرثون الأرض، فضلاً عن الكبير في تخليص المجتمعات من جور حكام الإمبراطوريون الفارسية والرمانية آنذاك، وإعلان الوحدانية لله بين تلك الشعوب المقهورة ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) التوبة (33).

* التعليق الثاني: طان العرب في جاهليتهم يتهيبون فارس والروم، ويخضعون لعامليمن من عمالها، (اللخمي) عامل الفرس على العراق، و(الغساني) عامل الروم على بلاد الشام ويعظمونهما ويلقبونهما بألقاب الملوك وينظم شعراؤهم القصائد في مدحهما.

- جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: (أمير المؤمنين، احملني فإني أريد الجهاد. فقال عمر رضي الله عنه لرجل: خذ بيده، فأدخله بيت المال يأخذ مما يشاء. فدخل فإذا بيضاء وصفراء. فقال: ما هذا؟ مالي في هذا من حاجة، إنما أردت زاداً وراحلة ! فرده على عمر، فأخبره بما قال: فأمر له بزاد وراحلة، وجعل عمر يُرَحِّل* له بيده. فلما ركب، رفع يده، فحمد الله، وأثنى عليه بما صنع به وأعطاه، وعمر يمشي خلفه، يتمنى أن يدعو له، فلما فرغ قال: اللهم، وعمر فاجزه خيراً). ولقد حاولت جاهداً أن أقدم لك أخي القارىْ من خلال صفحات هذا الأطلس جميل الوصايا وحميد الأوامر التي كان يبعث بها عمر رضي الله عنه إلى قادته في ساحة المعركة لتعيش حقيقة الإيمان الذي كان يتمثل به الفاروق رضي الله عنه وهو القائل: (والذي بعث محمداً بالحق، لو أن جملاً هلك ضياعاً بشط الفرات، خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب).

* أي يضع الرَّحَل على الدابة.

الفصـــــل الأول:

فتــــــح العــــــراق

العراق تحت السيطرة الفارسية

* طيسفون: بلغت طيسفون وهو الاسم اليوناني للمدينة قبل الساسانيين أو المدائن في عهد أنو شروان أقصى اتساع لها. ويعتقد أن التسمية العربية التي استمرت، وهي المدائن، كانت ترجمة للاسم البهلوي السابق وهو (شهر ستان)، والذي ارتكز بدوره على رواية أن المدينة كانت تتألف في بداية تاريخها من سبع مدن ضمها سور واحد في فترة من فترات تاريخها، وكان نهر دجلة يقسم المدينة إلى قسمين ينتقل منهما وإليهما السكان عبر من جسر السفن، الذي بقي على هذا الحال حتى أمر سابور الأول ببناء جسر آخر، يخصص أحدهما للقادمين، والأخر للمغادرين. وأصبحت طيسفون المدينة الرئيسة في المنطقة ثم بعد ذلك عاصمة الساسانيين. وتشير آثار المدينة الباقية الآن إلى أن المدينة كانت محصنة بسور نصف دائري محمي بأبراج، وكشفت التنقيبات الأثرية إلى خرائب القصر المشهور (طاق كسرى)، كنيسة نصرانية، وأثر إسلامي،.

أطلال القبة البرميلية الضخمة، لبموجودة في تاج كسرى بالعراق، وهذا المبنى دمرته الفيضانات التي اجتاحت العراق في القرن الماضي.

* فتنة البلاط الفارسي:

- لما قتل سيا وخشن فرخزاذ بن البندوان، وملكت آزرميدخت، اختلف أهل فارس، وتشاغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها إلى أن رجع من المدينة. فبعث بوران إلى رستم بالخبر، واستحثته بالسير؛ وكان على فرج خراسان، فأقبل في الناس حتى نزل المدائن ؛ لا يلقى جيشاً لآزرميدخت، إلا هزمه، فاقتتلوا بالمدائن، فهزم سياوخشن وحصر وحصرت آزرميدخت؛ ثم افتتحها فقتل سياوخشن، وفقاً عين آزرميدخت، ونصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس، وشكت إليه تضعضعهم وإدبار أمرهم، على أن تملكه عشر حجج؛ ثم يكون الملك في آل كسرى، إن وجدوا من غلمانهم أحداً؛ وإلا ففي نسائهم. فقال رستم: أما أنا فسامع مطيع، غير طالب عوضاً ولا ثوباً، وإن شرفتموني وصنعتم إلي شيئاً فأنتم أولياء ما صنعتم؛ إنما أنا سهمكم وطوع أيديكم. فقالت بوران: اغد علي، فغدا عليها ودعت مرازبة فارس، وكتبت له بأنك على حرب فارس؛ ليس عليك إلا الله عز وجل، عن رضاً مناً وتسليم لحكمك، وحكمك جائز فيهم ما كان حكمك في منع أرضهم وجمعهم عن فرقتهم. وتوجته وأمرت أهل فارس أن يسمعوا له ويطيعوا. فدانت له فارس بعد قدوم أبي عبيد.

صورة العراق لابن حوقل النصيبي المتوفى سنة 367

 (وأما العراق فإنه الطول من حد تكريت إلى عبادان، وعبادان مدينة على بحر فارس، وعرضه من القادسية على الكوفة وبغداد إلى حلوان، وعرضه بنواحي واسط من سواد واسط إلى قرب الطيب، وبنواحي البصرة من البصرة إلى حدود حلوان وحدود السيروان والصيمرة وحدود الطيب والسوس حتى ينتهي إلى حدود جبي، ثم إلى البحر فيكون في هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس، ويرجع على حد المغرب من وراء البصرة في البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط، ثم على سواد الكوفة وبطائحها إلى الكوفة ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار، ثم من الأنبار إلى حد تكريت بين الدجلة والفرات، وفي هذا الحد من البحر على الأنبار إلى تكريت تقويس أيضاً. وهذا المحيط بحدود العراق وستأتي أوصافه مفصلة إن شاء الله. والصورة التي في باطن هذه الصفحة – أي كتابه– صورة العراق).

المهام الجهادية الأولى في عهد عمر رضي الله عنه

* المهام الجهادية الأولى في عهد عمر رضي الله عنه:

1ـ المثنى بن حارثة يستخلف بن الخصاصية على العراق، ويضع على سعيد بن مرة، ويتوجه إلى المدينة.

2ـ وصول المثنى إلى المدينة وأبو بكر يحتضر؛ فأوصى أبو بكر عمر أن يندب المسلمين للقتال مع المثنى في العراق.

3ـ الخليفة عمر رضي الله عنه ينادي في المسلمين (الصلاة جامعة)، ثم يدعوهم بالجهاد في أرض العراق.

4ـ المثنى يعود إلى العراق بعد أن وجدت دعوته صدى عند خليفة المسلمين الجديد عمر رضي الله عنه.

5ـ عمر يعين أبا عبيدة بن مسعود الثقفي قائداً لجيش المسلمين في العراق ويخرج الجيش من المدينة بألف من المقاتلين من مسير المثنى.

6ـ الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه؛ يجلي أهل الكتاب من نجران.

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك؛ أين الطراء المهاجرين عن موعود الله! سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنه قال: (ليظهره على الدين كله) والله مظهر دينه، ومعز ناصره، ومولي أهله مواريث الأمم. أين عباد الله الصالحون! فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود، ثم ثنى سعد بن عبيد – أو سليط بن قيس – فأمر أبا عبيد على الجيش، وقال لأبي عبيد: اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأشركهم في الأمر، ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين؛ فإنها الحرب لا يصلح لها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف.

- قال الطبري: كان بعث بعثه عمر بعث أبي عبيد، ثم بعث يعلى بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك، ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم ثم أجلهم؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم، وامسح أرض كل من تجلي منهم، ثم خيرهم البلدان، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان؛ فليخرجوا؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم؛ إقراراً لهم بالحق على نفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف.