أطلس الأديان
القســــــــم الأول:
الأديــــــــــان الســــــــــــــماوية
الإســــــــلام
* وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
* بعد أن أدى الرسول صلى الله عليه وسلم حجته الأولى والأخيرة (حجة الوداع) عاد إلى المدينة النبوية وهو هانئ البال منشرح الصدر مطمئن النفس، بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركها على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أظهر الله الإسلام على يديه في عالم ذلك العصر قال تعالى:( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق لظهره على الدين كله ولوكره المشركون ) سور التوبة.
- وفي مستهل السنة الحادية عشرة للهجرة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتجهيز جيش كبير لغزو بلاد الشام فيها كبار المهاجرين والأنصار، وأسند مهمة القيادة فيه إلى أسامة بن زيد الذي كان شاباً لم يبلغ العشرين من عمره وخرج أسامة وعسكر بالجرف خارج المدينة استعداداً للسير.
- بيد أن هذا الجيش لم يغادر المدينة بعد أن علم بمرض النبي صلى الله عليه وسلم. يروى عن أبي سعيد الخدري بأنه كانت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة وتصيب الحمى من يضع يده فوقها فسألوه عن هذا فقال لهم: إنا معاشر الأنبياء كذلك يشتد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجور...
- ولما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال:( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) فقال صلى الله عليه وسلم:( إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ، إلا باب أبي بكر ).
- وعن أنس بن مالك: أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الأثنين – وأب بكر يصلي بهم لم يفاجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبه ليصلي بالصف، وظن أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج للصلاة فقال أنس: وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
- ثم لم يأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى، ولما ارتفع الضحى دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فسارها بشيء فبكيت ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت قالت عائشة: فسألنا عن ذلك أي فيما بعد فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفى فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت.
- وبشر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بأنها سيدة نساء العالمين، ورأت فاطمة ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه فقالت: و اكرب أباه:( فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم )، ودعا الحسن والحسين فقبلهما وأوصى بهما خيراً ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن وطفق الوجع يشتد ويزيد وقد أثر السم الذي أكله بخيبر، قال عائشة رضي الله عنها:( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه لذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم ).
- وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة إليها عن عمر بن سعيد قال: اخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره: ((أن عائشة كانت تقول: إن من نعم الله علي أن رسول صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته: دخل علي عبد الرحمن وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته، فأمره وبين يديه ركوة- أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: اللهم الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده ).
- وما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه، وشخص بصره نحو السقف وتحركت شفتاه فأصغت إليه عائشة، وهو يقول: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقع هذا الحادث حين اشتد الضحى من يوم الأثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ وقد تم له صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام.
- انتشر هذا الخبر الحزين يهز أرجاء المدينة النبوية، بين مصدق وغير مصدق، حتى أقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على جواده مسرعاً والناس يتكلمون فيسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مسجى في مكانه ببيت عائشة فكشف عن وجهه الكريم ثم بكى قائلاً: بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ولن تصيبك بعدها موتة أبداً... ثم أعاد الغطاء على وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم وخرج إلى القوم وعمر يكلمهم من قال: أن محمداً قد مات قطعت عنقه، فأقبل عليه أبو بكر في محاولة للتحدث معه فقال له: ((على رسلك يا عمر)) أنصت فأبى عمر إلا أن يتكلم، فلما رأى الناس أبو بكر أقبلوا عليه وتركوا عمر، فخطب فيهم أبو بكر رضي الله عنه قائلاً: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا قوله تعالى:( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ) ثم تلا قوله تعالى:( إنك ميت وإنهم ميتون ) فقال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت على الأرض وعرفت أن رسول الله قد مات.
- رأى المسلمون بعد ذلك أن أبا بكر خير من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاروه خليفة بعد أن تم غسل النبي صلى الله عليه وسلم وتكفينه والصلاة عليه وبعد أن صلى المسلمون عليه جماعة بعد أخرى ودفن في المكان الذي توفي فيه تحقيقاً لما سمعه أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:( اذا قبض النبي إلا دفن حيث يقبض ) وأن مكان الدفن بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وذلك في منتصف ليلة الأربعاء.
* قبر النبي صلى الله عليه وسلم في بيته:
* دفن النبي عليه السلام في حجرة بيته المتواضع، حيث جعل رأسه الشريف إلى جهة الغرب، ورجلاه الطاهرتان إلى جهة الجنوب أي( القبلة)، وكان بينه وبين جدار القبلي قدر شبر وقيل بمقدار سوط، وبين الجدار الغربي قدر ذراعين، وبالقرب من قبره الشريف دفن صاحبه وصديقه ورفيقه فتي الغار خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقد جعل رأسه إلى جهة الغرب خلف منكب الرسول عليه السلام ورجلاه للمشرق ووجهه للقبلة، ولما استشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفن بجوار صاحبيه، وقد جعل رأسه للغرب خلف منكب أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ورجلاه للشرق ووجهه للقبلة وكان دفنه رضي الله عنه بعد استئذانه من السيدة عائشة رضي الله عنها وموافقتها لذلك.
* مسألة: قال ابن تيمية: أما القول بتحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة. وإن قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم – هو قول مالك وجمهور أصحابه، وكذلك أكثر أصحاب أحمد. الحديث عندهم معناه تحريم السفر إلى غير الثلاثة. لكن منهم من يقول: قبر نبينا لم يدخل في العموم. ثم لهذا القول مأخذان.
أحدهما: أن السفر إليه سفر إلى مسجده. وهذا المأخذ هو صحيح، وهو موافق لقول مالك وجمهور أصحابه.
والمأخذ الثاني: أن نبينا لا يشبه بغيره من المؤمنين، كما قال طائفة من أصحاب أحمد: أنه يحلف به وإن كان الحلف بالمخلوقات منهياً عنه، وهو رواية عن أحمد. ومن أصحابه من قال في المسألتين: حكم سائر الأنبياء كحكمه: قاله بعضهم في الحلف بهم، وقاله بعضهم في زيارة قبويهم. وكذلك أبو محمد الجويني ومن وافقه من أصحاب الشافعي على أن الحديث يقتضي تحريم السفر إلى غير الثلاثة.
مدخل الروضة الشريفة والقبة الخضراء من الجهة الشرقية
* الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم:
* كان موت النبي عليه السلام مفاجأة عظيمة للمسلمين أسلمتهم إلى شيء كبير من الخوف والقلق، حتى ظن بعضهم – وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه – أن النبي لم يمت ولكن أبا بكر قال للناس: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، وتلا عليهم هذه الآية: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين )، فرجع الناس إلى صوابهم.
- لم يستخلف النبي عليه السلام أحداً، ولم يوص أحداً بعده؛ بل ترك الأمر شورى بينهم. أفيعودون كما كانوا في جاهليتهم الأولى شيعاً وقبائل، أم يختارون من بينهم أميراً تجتمع في ظله كلمتهم، وتستمر إلفتهم؟ لقد هبطت الحكمة على قلوب المسلمين، فإن أول اجتماع عقدوه بعد وفاة النبي عليه السلام كان في سقيفة بني ساعدة، قد وحد صفوفهم وجمع كلمتهم، فاختاروا رجلاً منهم سلموه الرئاسة عليهم، وجعلوه خليفة نبيهم، ومضى وراءه قدماً في طريق الجهاد والمجد، وذلك بعد أن تعددت الترشيحات وتضاربت الآراء التي قيلت في السقيفة، (وهي ساحة في المدينة لها سقف يستظل به) وكان الحوار يدور بين سعد بن عبادة الذي رشحه الأنصار وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والحباب بن المنذر بن الجموح وهو الذي تمسك برأي الأنصار بأن ينتخب أميران، أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار إلا أن تعقيب الصحابي الأنصاري بشير بن سعد أبي النعمان بن بشير على خطبة أبي بكر الصديق وثناءه على الأنصار والمهاجرين ثم تقديمه للمهاجرين عليهم وسبقه لأبي عبيدة وعمر في البيعة (كان أول من بايع) عززت موقف أبي بكر الذي تزاحم الناس على مبايعته ومن ثم أجمعت الأمة على خلافته رضي الله عنه وكان أهلاً لها.
* إذن الخلافة منصب رئاسة الدولة الإسلامية:
- وقد عرفها الماوردي بأنها خلافة عن النبوة، في حراسة الدين، وسياسة الدنيا. والواقع أن الخليفة يجمع الصفتين الدينية والسياسية – أو الزمنية- فهو إمام المسلمين في صلاتهم وأميرهم في جهادهم، ورئيسهم في شخصه كل السلطات، ويفوض ما يشاء إلى من يشاء. كما يجمع في شخصه أيضاً صفات الحاكم المسلم العادل الذي يحكم بالشورى ويستظل بأحكام القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويرعى إدارة تلك النفوس التي بايعته وسلمت له مصالحها العامة.