القســــــــم الأول:
الأديــــــــــان الســــــــــــــماوية
النصـــرانـيـة Christian
* عيسى عليه السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية!.:
- قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الحق من ربك فلا تكن من الممترين* فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين* إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم* فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) آل عمران.
- يقول جلا وعلا: (إن مثل عيسى عند الله) في قدرة الله حيث خلقه من غير أب (كمثل ءادم) فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم بل (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) فالذي خلق آدم، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى بكونه مخلوقاً من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم با لإتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً، ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم (ولنجعله ءاية للناس) وقال ههنا: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) أي هذا القول هو الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
- ثم قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه و سلم، أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) أي نحضرهم في حال المباهلة (ثم نبتهل) أي نلتعن (فنجعل لعنت الله على الكذبين) أي من أو منكم.
- وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران: أن النصارى حين قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية، فأنزل الله صدر هذه السورة رداً عليهم، لما ذكره الإمام محمد من إسحاق بن يسار وغيره قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة وغيره:
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم: العاقب واسمه عبد المسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس الحارث، وزيد، وقيس، ويزيد ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم وهم العاقب، وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل، ولكنه تنصر فعظمه الروم وملوكها وشرفوه، و بنوا له الكنائس ومولوه وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم، وقد كان يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه بم علمه من الكتب المتقدمة جيداً، ولكن احتمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهته عن أهلها، قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب، قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم: وقد صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( دعوهم ) فصلوا إلى المشرق، قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والسيد الأيهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون: هو الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً وكذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم هو الله، بأنه كان يحيى الموتى ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً، وذلك كله بأمر الله.
وليجعله الله آية للناس، ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله، ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله تعالى: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لوكان واحداً ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت، ولكنه هو عيسى ومريم. تعالى الله وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.
وفي كل ذلك من قولهم: قد نزل القرآن، فلما كلمه الحبران، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أسلما) قال:( إنكما لم تسلما فأسلما). قال: بلى قد أسلمنا قبلك. قال:(كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما الله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير). قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يحبهما، فأنزل في ذلك قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها، ثم تكلم ابن إسحاق على تفسيرها إلى أن قال: فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله والفصل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك، فقالوا:
يا أبا القاسم، دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، فانصرفوا عنه، ثم خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط، فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في أموالنا، فإنكم عندنا رضا، قال محمد بن جعفر:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين) فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجراً، فلما صلى رسول الله عليه وسلم الظهر، سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيد بن الجراح فدعاه، فقال:(اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه). قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة رضي الله عنه. وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج: أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، إلا أنه قال في الأشراف: كانوا اثني عشر، وذكر بقيته بأطول من هذا السياق، وزيادات أخر. ابن كثير الدمشقي، تفسير القران الكريم.