أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
أولاً:
مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
الباب الثـامــن:
الحج في العهد السعودي المبارك
* يوميات حاج ياباني:
- الرحيل (السنة الثانية عشر من تقويم تايشو ـ 11/ديسمبر/1923م)، نشر تناكا إيبيه (الحاج نور محمد) ثاني مسلم ياباني يؤدي فريضة الحج هذا المقال في نوفمبر سنة 1933م, في مجلة سكاي تشي شي كي اليابانية (المعارف العالمية) العدد الخامس.
وكان سفره لأداء فريضة الحج في أعقاب زلزال طوكيو 1923م, كما يشير هو نفسه في هذا المقال, الذي نشره بعد عشر سنوات من أدائه لفريضة الحج؛ ليحث المسلمين اليابانيين على أداء هذه الفريضة.
كان سفري من طوكيو إلى منشوريا, حيث زرت منطقة وعدة مدن في الصين, واستغرق ذلك ستة أشهر, وهناك التقيت بأمراء الحج, وعددهم خمسة عشر أميراً, ومن هذا المكان رحلت معهم, وفي هونغ كونغ حيث يوجد المكتب البريطاني, كان علينا أن نقوم بالتطعيم ضد الأمراض والأوبئة, وكان هذا أمراً ضرورياً للسفر, بعد ذلك سافرنا إلى سنغافورة, ومنها إلى جاوة, كان معنا عشرون مسلماً صينياً, قدموا من مقاطعة " أون نان شي سين" الصينية, وكنا جميعاً في انتظار السفينة التي ستحملنا إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج.
وكنا جميعاً ندعو الله ليوفقنا لأداء هذا الفرض, ونأمل أن نؤديه في أمن وسلام, ولهذا كنا ننتظر السفينة دون شكوى, ودون ملل, وشعرنا بالأخوة فيما بيننا, وبأن أواصر صداقة قوية ربطت بيننا.
* سفينة الحج:
- الحج إلى مكة له تاريخ طويل, وقد بدأ منذ زمن بعيد, لم تكن فيه وسائل الموصلات ميسرة مثلما هي اليوم, ولم تكن قد تطورت بشكلها الحالي, وكان المسلمون من منطقة موكوشراكي (شانقهاي) الصينية, أو من مناطق وسط آسيا يسافرون إلى مكة براً, وليس بالبحر وذلك عن طريق العراق, وأيضاً عن طريق فلسطين, والمدينة.
- لكننا هذه الأيام نسافر عبر سنغافورة وبمباي, ومعظم مسلمي قارة آسيا, وجزر المحيط الهندي يأخذون هذا الطريق البحري في سفرهم للحج, ويأخذون هذه السفينة التي تصل بهم إلى ميناء جدة حيث مملكة الحجاز, وسفينتنا هذه مصنوعة في إنجلترا, وهي سفينة كبيرة جداً مثل سفن البضائع, ويقولون إن نصيب كل فرد مسافر بهذه السفينة متران وسبعون سنتيمتراً فقط, وهم يقدمون لنا الماء العذب كل يوم, ونحن نحجز تذكرة الذهاب والعودة في وقت واحد.
- والمسؤولون عن أمر السفينة يشحنون السفينة بأكبر عدد ممكن من المسافرين, ولا حدود لذلك على الإطلاق, وكان اسم السفينة التي أسافر عليها هو (كيمن) حمولتها سبعة آلاف طن, لكنهم وضعوا فيها 3200 مسافر, كدسونا, بل حشرونا على سطح السفينة, وفي الطابق الأسفل وقد حصلت على مكان, وفرشت سجادة في المكان المخصص لي, بدأنا الصعود إلى السفينة من الساعة الخامسة صباحاً, واستغرق ذلك حتى الساعة الخامسة مساء, وأخيراً بدأت السفينة تتحرك بعد أن استغرق ركوب المسافرين نحو 12ساعة, كنا في موسم الأمطار, لهذا واجهتنا عواصف شديدة, فبدأت السفينة تتحرك يميناً, وشمالاً, وبينما هي كذلك إذ جاءت موجة عالية كالطود ضربت سطح سفينة مما أصابنا بالخوف والرعب.
- كان علينا أن نقوم بالطبخ, وإعداد الطعام مستخدمين كمية قليلة جداً من الماء, وكمية قليلة من الخشب لإشعال النار. مضت السفينة في المحيط الهندي, ثم بحر العرب, ووصلنا إلى البحر الأحمر, رغم أن الطقس لم يكن على ما يرام, فالمطر كان ينهمر, والهواء كان يعصف بشدة, إلا أننا رغم كل هذا كنَّا ملتزمين بالصلاة تجاه الكعبة خمس مرات يومياً, لا يصيب الكسل أحداً منا, ولا يتقاعس أحد عن أداء الصلاة, وهكذا كنَّا نعد الطعام بأنفسنا, ونصلي الصلوات الخمس كل يوم بمثل هذه الظروف, مما جعل السفر على ظهر هذه السفينة سهلاً, وجعل الوقت يمر علينا سريعاً.
- وهناك عند جزيرة كامران في البحر الأحمر, كان علينا أن ننزل جميعاً مع أمتعتنا من أجل الحجر الصحي؛ لتنظيفنا, ورشنا بالبودرة. كان من المفروض أن نبقى هنا مدة أسبوع, لكن الأمر انتهى بأسرع مما كنَّا نتوقع, فقد تم كل شيء في ظرف يومين, بعدها ركبنا السفينة وبدأنا الاتجاه ناحية جدة, حين وصلنا قبالة جدة, وصدر الأوامر بأن ننزل من السفينة, فهنا أيضاً سيتم فحصنا, وفحص أمتعتنا, وأوراق السفر, وهذا يتم بتدقيق شديد, وطبقاً للقواعد الإسلامية الخاصة بالحج كنا قد غيرنا ملابسنا وارتدينا ملابس الإحرام, قطعتان من القماش الأبيض, وهي ملابس بسيطة جداً يمكن القول بأنها بدائية. أ . هـ. قلت: وملابس الإحرام هذه تدعو أن يتجرد المسلم من مشاغل الدنيا, ويكتسي حلة الطاعة والإيمان, بالتلبية, والتهليل, والتكبير, والتحميد, والشكر لله تعالى.
* الرسالة السودانية وإطارها العام:
- هذه الرسالة عبارة عن مخطوط صغير الحجم, توجد بالخزنة الحسنية بالرباط تحت رقم 6831, وتشمل على ثمان عشرة صفحة. وهي رسالة مطولة قدمها المؤلف شكاية للسلطان المولى سليمان. كما نلمس ذلك من خلال عنوانها. ركز فيها على البدع الشنيعة التي يقترفها البحارة في شمالي إفريقيا وكذلك بعض البدع المرتكبة من طرف الحمالين والحمارين بالمغرب في القرن التاسع عشر ميلادي.
- أما مؤلف هذه الرسالة السودانية فيقدم نفسه في مطلعها تحت اسم:أحمد ابن القاضي أبي بكر بن يوسف بن إبراهيم, الفوتي أصلاً, الدوجقي مولداً, التنبكتاوي أفقاً, الجناوي قرارة. كان على قيد الحياة سنة 1809م, وهي السنة التي وافقت تاريخ انتهائه من كتابة رسالته, حيث أشار في ختامها أنه انتهى من كتابتها بعد صلاة العصر يوم الأحد 15 رجب سنة 1224هـ بعد أن بدأ كتابتها على ظهر السفينة قرب جبل طارق قاصداً مدينة فاس.
- وجاءت كتابته لهذه الرسالة بعد ذهابه إلى الحج عن طريق البحر, فكان الدافع, الذي حفزه إلى إصدار هذه الشكاية هو معاينته للبدع التي يقترفها رؤساء المراكب على سفنهم, حيث نجده يعبر عن ذلك بقوله: " رأيت في تلك السفن مناكر ضاق بها صدري, واحترق بها سلطان بدني". وكان مقصوده من تأليف هذه الرسالة هو كما يقول عنه: "المقصود في هذا الكتاب تبليغ المناكر إلى من وُكِّل بتغييرها".
منظر عام لبعض الحجاج القادمين عن طريق البحر إلى جدة ينتقلون عبر الجمال إلى مكة المكرمة ـ شرفها الله تعالى ـ
* قبسات من رحلة حج بحرية ((محطات في طريق الحج وركاب جدد)):
- ومرت حملة الحج بثلاث ولايات كبيرة في الطريق, وهي: الولاية الشمالية باتنه, وولاية بهار, وولاية بنغال, ومن أهم المدن, والتي نزل فيها في طريقه إلى كلكتا: مِرزا بور, إله آباد, غازي بور, بنارس, عظيم آباد.
- وكان له في كل محطة نشاط دعوي, ومواعظ يلقيها هو ومولانا عبد الحي, ومحمد إسماعيل الدهلوي, فتنشرح صدور لناس للتوبة, والالتزام, بل والاستعداد لتغيير العادات الشائعة الباطلة, المنتشرة بين الناس بمختلف طبقاتهم الاجتماعية.
- وجانب آخر كان أفراد الحملة قدوات صالحة للناس لما؛ رأوه في الإمام أحمد وجماعته من روح المساواة, فلا غني, ولا فقير, ولا سيد, ولا مسود, ولا طبقة اجتماعية, كالذي شاع في المجتمع الهندي, بل تواضع وأخوة, ومشاركة في كل الأعمال التي تتطلبها الرحلة.