أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
أولاً:
مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
الباب الســابــع:
الحج في العصر العثماني ((التركي))
* طريق الحج عبر سكة حديد الحجاز:
- يعتبر خط سكة حديد الحجاز من أروع إنجازات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني من الناحية السياسية, والدينية, والحضارية؛ إذ استطاع هذا المشروع العملاق الذي امتد العمل فيه ثمان سنوات متتالية أن يقدم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام, وتمثلت في اختصار وقت هذه الرحلة الشاقة التي كانت تستغرق شهوراً, يتعرضون فيها لغارات المتربصين, ومخاطر ومشاق الصحراء, فأصبحت الرحلة بعد إنشاء هذا الخط الحديدي الذي بلغ طوله (1320كم) تستغرق أياماً معدودة, ينعمون فيها بالراحة, والأمان.
- وعاش المسلمون في كافة البلدان حلم إنشاء هذا الخط الحجازي, وتابعوا مراحل إنشائه, وتبرعوا له من أموالهم, وغطت هذه التبرعات ثلث تكاليفه, وتفجرت الحماسة الدينية في قلوب المسلمين, فالتفوا حول الخلافة العثمانية وسلطانها, بعد فترة طويلة من الركود.
- وتخيل الكثيرون أن الصحوة بين المسلمين اقترب زمانها, وتجلت هذه المشاعر الفياضة في حماسة العمل, وسرعة إنجازه, وعندما وصل أول قطار إلى المدينة النبوية حاملاً الحجاج انهمرت الدموع, وانهالت الدعوات للسلطان عبد الحميد.
- وقدم بعض الحاقدين,والناقمين على السلطان ممن عاصروه, أو المؤرخين من خصومه, تفسيرات تعسفية ادعوا فيها أن هدف إنشاء الخط الحجازي كان قمع الثورات في الحجاز! ولخدمة أهدافه العسكرية, وتوجهاته الاستبدادية! والواضح أن هؤلاء لا يتركون فرصة للتقليل من شأن السلطان عبد الحميد الثاني ـ رحمه الله ـ إلا وجهوا فيها سهام حقدهم, ونقدهم إلى شخصه, حتى أعماله العظيمة طبعوها بطابع الاستبداد.
* صادق باشا ((المؤيد العظم)):
- (كنت كل يوم أضع الخريطة أمامي, وأتتبع خط سير البارجة, ولما كانت تمر بنا محاذية ثغور الأقطار الحجازية, مثل: ينبع, ورابغ, وجدة كانت تتمثل أمام عيني جميع تلك البقاع, والقلاع التي على طريق الحج, وأبقى ساعات متذكراً تلك الأيام التي خلت في هاتيك البلاد النائية, حيث كنت متجولاً كالعرب الراحل تحت الخيام مدة ستة أشهر, عندما كنت مأموراً بمد السلك البرقي الحجازي, ومعي الكوكبة الفنية العسكرية, وقد كنت وقتئذٍ أَلِفتُ الأقليم, والمناخ, وعرب البوادي, وكثيراً ما كنت أستحضر مشايخ العربان المتعادين؛ ليتناولوا الطعام معي, وكانوا كأنهم ليس بينهم شيء من العداوة, حتى أنني لما كنت في مدائن صالح, دعوت رؤساء قبائل, الأيدا والفقير, وبلي, وطلبت منهم أن يعقدوا الهدنة ويسميها العرب العطوة فيما بينهم, فأجابوا طلبي وعقدوا الهدنة لمدة سنة, وسبب توسطي للهدنة بين هؤلاء القبائل, هو احتياجنا لمساعدتهم في مد السلك البرقي, إذ أن السلك يمر من البلاد الساكنة فيه قبيلتي الأيدا, والفقير, فكنا محتاجين لجِمال عرب هاتين القبيلتين؛ لنتمكن من نقل ما يلزم لنا من ذخائر, ولوازم الجنود, وأعمدة الخشب, والأسلاك, وكنا مضطرين لجِمال قبيلة بلي؛ لنقل ألفي عمود أنزلت في ميناء الوجه, يمرون بها من أرض جبلية صعبة المسالك, إلى قرب مدائن صالح, التي تبعد عن الساحل اثنتي عشرة مرحلة؛فتقرر في هذه الهدنة أن تنقل كل قبيلة من القبائل المذكورة لوازمنا ضمن حدودها, وقد قاموا بهذا العمل حق القيام, فأنعمت الحضرة العلية السلطانية عليهم بالرتب, والوسامات السَّنِيَّة ألبس المشايخ الخلع السلطانية في احتفال فخيم؛ أقيم لذلك بين دوي المدافع, وعزف الموسيقى, وأصوات العربان, والأهالي صاعدة إلى السماء بالدعاء, للحضرة السلطانية, وحصل بإيصال السلك البرقي المذكور على المدينة.
- فوائد للناس أولها: التخاطب مع سكان مدينة النبي صلى الله عليه وسلم, وارتباطها مع باقي المعمورة من أنحاء الدنيا, ومنها أن المسافرين مع قافلة الحج ما كانوا يتجاسرون على التباعد عن القافلة ولو قليلاً, فالذي كان يتأخر لتعب, أو غيره كان يضل في الصحارى المقفرة؛ فيدركه الموت من الجوع, والعطش أما الآن فإن المسافر الذي تخلف عن القافلة يمكنه أن يهتدي بأعمدة السلك البرقي القائم كل واحد منها مقام دليل في تلك البوادي!
- وقد رأيت عندما كنت في وظيفة معاون ناظر إنشاءات السكة الحديدية الحجازية أن كثيراً من الفقراء, الذين لا يودون انتظار القافلة يذهبون على أقدامهم محاذين السلك البرقي, ومتزودين بما يلزم لقوتهم من القلاع السلطانية.
- كنت كتبت عندما كنت بالوظيفة المار ذكرها كثيراً بخصوص تلك البلاد, وهي رحلة كبيرة, ولكن احترق ما كتبته أيضاً (يقصد حريق منزله في الآستانة) ولم يبق من كل ذلك إلا ما علق بالذهن... .
* القطار البخاري في عنفوان أمجاده أيام الدولة العثمانية:
• المؤسس السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
• سنة التأسيس 1 من المحرم 1318هـ 1900م.
• المرحلة الأولى انطلقت من دمشق في 22 آب 1908م.
• الوجهة الديار المقدسة لإداء فريضة الحج.
• مدة الرحلة خمسة أيام بدلاً من 40يوماً.
• بداية الطريق دمشق ثم المرور على بعض المحطات لتنتهي في المدينة.
• طول الخط 1320كم.
• المحطات الرئيسة محطة الحجاز (دمشق) – درعا – نابلس- محطة الزرقاء –محطة عمَّان – حيفا – معان – تبوك – مدائن صالح – المدينة النبوية ((المنورة)).
• سنوات الخدمة تسع سنوات.
• أسباب التوقف تعرضها للتخريب أواخر الحرب العالمية الأولى 1916م.
خريطة تاريخية عثمانية تبين مشروع خط سكة حديد الحجاز.
* حيث توضح الأرقام مايلي:
1- بداية خط سكة الحديد من دمشق.
2- خط السكة القائم.
3- نهاية خط سكة الحديد في المدينة.
4- خط السكة المقترح.
5- لم تستطع الحكومة العثمانية مد خط سكة الحديد إلى مكة لمعرضة بعض القبائل من حرمانها من فائدة نقل الحجاج من المدينة إلى مكة عبر الجمال.
لقطات مختلفة من محطة سكة حديد الحجاز العثماني في المدينة النبوية