أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))
القسم الأول ((التاريخي))
أولاً:
مكة المكرمة والمشاعر المقدسة
الباب الثاني:
هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام, وبناء البيت, ودعوة الناس للحج إليه.
* المُزْدَلِفَة:
- هو الموضع الذي يؤمر فيه الحاج, بنزوله, والمبيت فيه بعد دفعه من عرفه ليلاً, وهو مابين مأزِمي عرفة ومُحسِّر. ومأِزمُ عرفة, هو الذي يقال له: المَضيق, قال بهذا التحديد مجموعة من العلماء, منهم الشافعي في كتابه (الأم), فإنه قال: المزدلفة حدُّها من حين يفضي من مأزمي عرفة إلى أن يأتي قرن محسِّر, هكذا على يمينك وشمالك من تلك المواطن. القوابل, والظواهر, والشعاب, والشّجار كلها من المزدلفة.
- ويقال للمزدلفة: جَمعٌ, سُميت بذلك لاجتماع الناس فيها, وهي المشعر الحرام الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز فقال:( لَيسَ عَليكُم جُناحٌ أَن تَبتَغُوا فَضلاً من ربَّكُم فَإذا أفَضتُم من عَرفَاتٍ فاذكُرُوا الله عِندَ المَشعَر الحَرَامِ وَاذكُروهُ كمَا هَدَاكُم وإن كُنتُم من قَبله لمِنَ الضَّالينَ ) الأية, البقرة: 198.
- وقال البعض: إن المشعر الحرام موضعٌ من مزدلفة لا كلها, ففي حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ الطويل, ما يدل على أن المشعر الحرام, موضع من المزدلفة لا كلها؛ لأنه قال فيه: بعد أم ذكر نزول النبي صلى الله عليه وسلم المزدلفة, ومبيته بها, وصلاته فيها الصبح, ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة, فدعا, وكبر, وهلل, ووحَّد, ولم يزل واقفاً. والمبيت بمزدلفة واجب, من تركه فعليه دم, والمستحب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في المبيت إلى أن يُصبح, ثم يقف حتى يسفر, ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء, ثم يدفع إلى مِنى قبل طلوع الشمس. وسوف يأتي تفصيل ذلك في القسم الفقهي من هذا الأطلس.
- الُمحَسّر: هو الموضع الذي يجب الإسراع فيه, وهو واد بين مِنى والمزدلفة, على حِدّها وليس منهما. ويقال للمحسِّر: "المُهّلل" لأن الناس إذا وصلوا إليه في حجمهم؛ هلّلوا فيه, وأسرعوا السير في الوادي المتصل به, والأصل في استحباب الإسراع في هذا المكان فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فيه. وقد فعل ذلك لأجل أنه مأوى للشياطين فاستحب الإسراع.
* المُزْدَلفَة:
- المُزْدَلفَة: بالضم ثم السكون, ودال مفتوحة مهملة, ولام مكسورة, وفاء, اختُلف فيها لِمَ سُميت بذلك فقيل: مزدلفة منقولة من الازدلاف وهو الاجتماع, وفي التنزيل: ( وأزلفنا ثَمّ الآخرين )؛ وقيل: الازدلاف الاقتراب لأنها مقربة من الله, وقيل: لازدلاف الناس في مِنًى بعد الإفاضة, وقيل: لاجتماع الناس بها, وقيل: لازدلاف آدم وحواء بها أي لاجتماعهما, وقيل: لنزول الناس بها في زَلف الليل وهو جمع أيضاً, وقيل: الزلفة القربة فسمّيت مزدلفة؛ لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم, وقيل إنّ آدم لما هبط إلى الأرض لم يزدلف إلى حوّاء, أو تزدلف إليه حتى تعارفا بعرفة, واجتمعا بالمزدلفة, فسمّيت جمعاً, ومزدلفة, وهو مبيتٌ للحاجِّ ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات, وهو مكان بين بطن محسِّر, والمأزمَين؛ والمزدلفة: المشعر الحرام ومصلّى الإمام يصلي فيه العشاء, والمغرب , والصبح, وقيل: لأنَّ الناس يدفعون منها زلفةً واحدة أي جميعاً, وحدّه إذا أفضت من عرفات تريده فأنتَ فيه حتى تبلغ القرن الأحمر دون محسِّر, وقُزَح الجبل الذي عند الموقف, وهي فرسخ من مِنًى بها مصلى, وسقاية, ومنارة, وبرك عدّة إلى جنب جبل ثبير.
- قال ابن القيم: وادي مُحَسِّر, سُمِّي بذلك: لأن فيل أبرهة الحبشي حسر فيه, أي أعيي ونقطع عن الذهاب. وقال أيضاً: وهو المكان الذي أهلك الله فيه الفيل,وأصحابه, ويُسن للحاج الإسراع فيه أثناء عودته من مزدلفة, إلى مِنى, كما في رواية جابر رضي الله عنه .. حتى إذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطن محسر فحرك قليلاً .. رواه مسلم. وحرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقته وأسرع السير, وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه.
- قال تعالى:( لَيسَ عَلَيكمُ جُنَاحٌ أَن تَبتُغوا فَضلاً من رَّبكُم فإَذاَ آفَضتُم من عَرَفَاتٍ فاذكُرُوا الله عِندَ الَمشعَر الحَرَامِ واذكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُم وَإِن كُنتُم من قبَلِه لَمِنَ الضَّالينَ ) البقرة: 198.
- في حديث جابر بن عبد الله الطويل في صحيح مسلم, قال فيه:( فلم يزل واقفاً - يعني بعرفة - حتى غربت الشمس, وبدت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص, وأردف أسامة خلفه, ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام, حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله, ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة, فصلى بها المغرب, والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولم يُسبّح بينهما شيئاً, ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر, حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة, ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام, فاستقبل القبلة, فدعا الله, وكبره, وهلله, ووحده, فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً, فدفع قبل أن تطلع الشمس ).
إحدى المراكز الصحية المنتشرة لحكومة خادم الحرمين الشريفين في منطقة المشاعر المقدسة بمكة المكرمة شرفها الله تعالى.
- حظي مسجد المشعر الحرام في مزدلفة باهتمام بالغ من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ حيث تم إعادة عمارته, وأصبحت مساحته الإجمالية بعد التوسعة تقدر بستة آلاف متر مربع, ومتوسط جدرانه ثمانية أمتار, مبنية من الآجور, وزين من الخارج بحجارة مصقولة, ويتكون سقف المسجد من عدة أعمدة, قُطر كل عمود متران, وزين بثمانية أعمدة صغيرة ألصقت به؛ ارتفاع كل منها ثلاثة أمتار, ويشتمل على ستة مناور, موزعة بطول سقف المسجد عرض كل نافذة متر ونصف المتر, وارتفاع مترين, مزدانة من الخارج بأطر معدنية توحي بأشكال هندسية, وتعلوها نوافذ أخرى أصغر حجماً, يبلغ عددها مائة وعشرين نافذة مزخرفة بمادة البلاستروك.
- كما زينت جدران المسجد من الأعلى بشرفات جصية في أشكال هندسية, يبلغ عددها ستمائة وأربعين. وللمسجد ثلاثة أبواب من الخشب, يوجد بكل باب ثلاثة عقود, ويبلغ ارتفاع محراب المسجد أربعة أمتار, وهو مزين بزخارف جصية كما أن للمسجد مئذنتين قاعدة كل مئذنة ستة عشر متراً مربعاً, وارتفاع كل مئذنة أربعون متراً.
- وكان مسجد المشعر الحرام في السابق, عبارة عن جدار, وحرصت المملكة على بنائه بشكل معماري يتفق مع قدسية هذا المكان, الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى:( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) فكانت بداية عمارته في عام 1395 هـ, وتم الانتهاء منها في عام 1399هـ, ويعتبر المشعر الحرام في العصر العباسي الأول وفي بداية القرن الثالث الهجري, متواضع البناء, ولا تزيد مساحته عن ألف متر مربع, وعبارة عن فضاء مسور مكشوف في الوسط.
- وجددت عمارة المسجد بعد ذلك عدة مرات, حيث تم تجديدها في عهد الأمير يليغا الخاسكي في عام 760هـ, والسلطان جقمق عام 842هـ, والسلطان قايتباي في عام 874هـ, وكانت آخر عمارة أجريت له في عهد العثمانيين عام 1072هـ. ويتوسط مسجد المشعر الحرام في موقعه بين مسجد نمرة في عرفات, ومسجد الخيف بمِنى. طالب بن محفوظ, جريدة عكاظ/الاثنين 10/12/1429هـ.