لفلي سمايل

الهجرة النبوية

تاريخ الإضافة : 2-7-1436 هـ
 

أطلس الحج والعمرة ((تاريخاً وفقهاً))


القسم الأول ((التاريخي))

ثانياً :
المدينة النبوية

 

الباب الأول:

المدينة النبوية وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها

 

* الهجرة النبوية:

- بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرض دعوته على حجاج القبائل العربية التي كانت تفد إلى مكة موسم الحج آنذاك, ولاسيما بعد ازدياد تعنت قريش أمام قبول الدعوة الإسلامية, واستمرارها بتعذيب المسلمين؛ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الاتصال سراً ببعض القبائل للتبليغ دعوته, وتوضيح أهدافه, لكن هذه القبائل لم تأبه لهذه الدعوة المباركة؛ لقوة رواسب الجاهلية فيها.

 

- أما أهل يثرب فقد تميزوا عن غيرهم بمجاورتهم لليهود وهم أهل كتاب, فكان لديهم معرفة بالرسالات السماوية, والتي كانت تُخبِر بقرب ظهور بني مرسل للناس كافة, وقد هيأ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لقاء رهط من أهل يثرب, فعرض عليهم دعوته, فشرح الله صدورهم للإسلام, وأيقنوا بأنه النبي المرتقب الذي تتحدث عنه اليهود, ورجعوا إلى ديارهم يدعون قومهم إلى الإسلام.

 

- وفي موسم الحج من العاَم المقبل, وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً من الأنصار فلقوه عند العقبة الأولى, وبايعوه على التوحيد, والتعفف من السرقة, والزنا, وقتل الأولاد, والطاعة في المعروف, وأرسل معهم مصعب بن عمير؛ لتعليمهم القرآن الكريم, وتفقيههم في الدين, فاسلم على يديه ـ بفضل من الله ـ عدد كبير من أهل يثرب, كسعد بن معاذ, وأسيد بن حضير, وهما سيدا قومهما من بني عبد الأشهل, ومن جراء ذلك دخلت معظم دور الأنصار في الإسلام, وأثناء موسم الحج التالي والذي حدثت بعده الهجرة المباركة, وصل إلى مكة عدد كبير من الأنصار بلغ ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين, فواعدوا الرسول صلى الله عليه وسلم سراً عند العقبة, وحضر صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس, الذي لا يزال على الكفر في ذلك الوقت! وبايعهم صلى الله عليه وسلم على أن يحميه الأنصار إذا هاجر إليهم, وأن يبقوا معه يحاربون من حاربه, ويسالمون من سالمه, ثم طلب منهم اختيار اثني عشر رجَلاً منهم ليبَايعوه, ويكونوا على قومهم أمراء, فقال عليه السلام لهم:( أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء, ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم, وأنا كفيل على قومي, ثم عادوا إِلى ديارهم ).

 

- علمت قريش من الغد بخبر هذه البيعة, فثارت ثائرتها واضطرب حالها, وقرروا منح الرسول صلى الله عليه وسلم من الوصول إلى يثرب؛ حتى لا يعظم أمره, ثم يبدأ بتهديدهم, وبدأت ملامح هذا الأمر تظهر للعيان حينما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه, ومن معه بمكة بالهجرة إلى يثرب؛ فراراً بدينهم, ولحاقاً بإخوانهم المسلمين الجُدَد, وظل الرسول صلى الله عليه وسلم, وأبو بكر الصديق, وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما, ينتظرون أمر الهجرة, التي لم يتخلف عنها إلا من حُبس أو فُتن, ولما شاهدت قريش نجاح انتقال المسلمين من مكة إلى يثرب, وتحسن أوضاعهم, عقدوا مؤتمراً في دار الندوة؛ للتفكير في القضاء على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر إلى يثرب, واتفقوا على أن يؤخذ من كل قبيلة فتى قوياً, ويُعطى لكل واحد منهم سيفاً بتاراً؛ لقتل محمد قتلة رجل واحد, وبذلك يتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف المطالبة بدمه, قال تعالى:( وإَذ يَمكرُ بِكَ الذَّينَ كَفَرُوا ليِثبِتُوك أوْ يُخْرجُوكَ وَيَمْكُرُونَ ويَمَكُرُ الله وَالله خَيْرُ المَاكِريِنَ ) وقد أول الله ـ سبحانه وتعالى ـ لنبيه الكريم خبر هذا الاجتماع, فتوجه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وقال له: عليه وسلم ( يا أبا بكر, إن الله قد أَذِنَ لي في الخروج, والهجرة ) وفرح أبو بكر لهذا الخبر, وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الصحبة, فوافق عليه السلام على ذلك, وبكى أبو بكر رضي الله عنه من الفرح, وقدَّم راحلتين لهذا السفر, واستأجر عبد الله بن أُريقط؛ ليدلهما على الطريق, وتواعدا على الخروج عند الثلث الأول من الليل, وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته, وطلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه, أن ينام في فراشه؛ تمويهاً على قريش, وأن يبقى بمكة يوزع على الناس ما كانوا استودعوه عند الرسول عليه السلام من أمانات, ثم يلحق بهم بعد ذلك. وبينما كفار قريش يحاصرون الدار, خرج الرسول صلى الله عليه وسلم, واخترق صفوفهم, وأخذ حفنة من البطحاء فجعل بذره على رؤوسهم, وقد أخذ الله أبصارهم عنه, فلا يرونه وهو يتلو:( وَجَعَلنَا مِن بَينِ أَيِديِهم سَداً َومِن خَلفِهِم سَداً فَأغشَينَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصروُنَ ).

 

- ومضى إلى بيت الصدِّيق فخرجا من خوخة في درا أبي بكر ليلاً, حتى لحقا بغار ثور جنوبي مكة, وكَمِنَا في الغار ثلاثة أيام, في الوقت الذي ألقى الله النوم على أعين المحاصرين للدار! وفي هذه الأثناء مر عليهم رجل فسألهم عن انتظارهم! فقالوا: محمداً, قال قبحكم الله ! لقد خرج وانطلق لحاجته, وتأكدوا من الأمر صبحاً حينما وجدوا علياً بدلاً منه؛ فانطلقوا مسرعين من كل جهة يبحثون عنه عليه السلام, لكن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع؛ لأن عناية الله كانت تحرسهما من أذى قريش, قال تعالى:( إلاَّ تَنصُروهُ فَقَدْ نَصَرهُ الله إذْ أَخْرَجَهُ الذينَ كَفَرُوا ثَاِنيَ اثْنَيْن إذْ هُمَا في الغَارِ إِذ يَقُولُ لصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا فأنَزَلَ الله سَكِينَتهُ عَليهِ وَأيّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوهاَ وَجَعَلَ كِلمَة َالذَّينَ كَفَرُواْ السُفْلَى وَكلمة الله هِي العُليَا والله عَزِيزٌ حَكيمٌ ) ومضت الأيام الثلاثة, وجاء الدليل بالراحلتين وقدت أعدت قريش خلالها مائة ناقلة لمن يأتي بالنبي عليه السلام, وسار الركب الميمون تحفه رعاية الله, ومروا بخيمة أم معبد, وحدثت معجزة كبيرة حينما مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على ضرع الشاة الهزيلة؛ فدرت, وحلبت, فشرب الجميع لبناً, ثم بايع أم معبد على الإسلام, وارتحل مع رفقته, وبينما الركب مسترسلاً في سيره لحق بهما سراقة بن مالك, فلما اقترب منهما, ساخت قوائم فرسه في الرمل, فلم تقدر على السير, وحاول ثلاث مرات أن يحملها على السير جهة الرسول فتأبى, فأيقن عندئذ أنه أمام نبي مرسل؛ فطلب من المصطفى أن يَعِده بشيء إن نصره الله, فوعده بسواريّ كسرى يلبسهما, ثم عاد سراقة إلى مكة فتظاهر بأنه لم يعثر على أحد, بينما واصل الركب رحلته الإيمانية حتى وصل قُباء في يوم الأثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من البعثة المباركة, وتلقاه المسلمون مبتهجين, وأخذوا يكبرون الله, ويشكرونه على مجيئ المصطفى عليه السلام إلى ديارهم, والعيش معهم.

 

الهجرة النبوية

طريق الهجرة المباركة

 

* طريق الهجرة المباركة:

- لقد بُني التاريخ الإسلامي المجيد على حادثة الهجرة النبوية المباركة والتي تمثل انتقال المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعوته من مكة المكرمة إلى يثرب (المدينة النبوية) في 16يوليو من 622 للميلاد. والذي اتخذه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ منطلقاً للتاريخ الهجري أثناء خلافته.

 

- قال تعالى:( إلَّا تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرهُ اللهُ إذ أَخَرجَهُ الذَّينَ كَفَروُا ثاَنَى اثنَينِ إذ هُمَا فِي الغَارِ إِذ يَقُولُ لصَحِبِه لاَ تَحزَن إنَ الله مَعَنَا فأَنَزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَليهِ وَأيَدهُ بِجُنُودٍ لَّم تَرَوَهَا وجَعَل كلِمَة الذَّينَ كَفَروُا السُفلَى وَكَلِمةُ اللهِ هيَ العُليَا وَالله عَزِيزُ حَكِيم ) سورة التوبة.

 

- يظهر أسفل الخريطة بالأعلى صورة لغار ثوّر المكان الذي لجأ أليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هجرته مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهُ.

 

- الهجْرَةُ, بالكسر والضم: الخُروجُ من أرض إلى أُخرى, وقد هاجَرَ, والهجرَتانِ: هجَرةٌ إلى الحَبَشَة, وهجرَةٌ إلى المدينَة. وذو الهُجرتَين: مَن هاجَرَ إليهما. والهِجِرُّ, كفلزّ: المُهاجَرَةُ إلى القُرى. ولقيتُهُ عن هَجرَة, بالفتح, أي: بَعدَ حَولٍ, أو بَعدَ ستة أيام فَصاعداً, أو بَعدَ مَغيبٍ. وذَهَبِت الشَّجرَةُ هَجراً, أي: طُولاً وعِظَماً. ونَخَلةٌ مُهجِر ومُهجِرةٌ. وهذا أهجرُ منه: أطوَلُ, أو أضخَمُ. وناقَةٌ مُهجِرةٌ: فائقةٌ في الشحمِ والسيرِ. والُمهجرُ: النجيبُ الجميلُ, والجَيّدُ من كلّ شيءٍ, والفائقُ الفاضلُ على غيِرهِ, كالهَجِرِ, ككتِف, والهاجِرِ. وأهجَرَتِ الناقةُ: شَبَّت شَباباً حَسَناً. والهَجرُ: الحَسَنُ الكريمُ الجَيّدُ, كالهاجِرِيّ, والخِطامُ, وبالضم: القبيحُ من الكلامِ, كالهَجراءِ, وبالكسر: الفائقَةُ والفائقُ من النّوقِ والجِمالِ. وأهجر في مَنطِقِهِ إهجاراً وهُجراً.

 

الهجرة النبوية

خريطة العهد المدني

الأرقام داخل الدوائر الخضراء تمثل سنوات العهد المدني تأسيس الدولة الإسلامية حتى وفاته عليه السلام.

 

1- هـ تأسيس الدولة الإسلامية:

- وصل الرسول عليه السلام إلى يثرب (المدينة) في 12 ربيع الأول لسنة ثلاث وخمسين من مولده المبارك, ومنذ وصوله قام بأعمال عظيمة, أهمها: بناء المسجد, وحجرات سكنه, والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار, وكتابة دستور المدينة؛ لضمان حقوق جميع شرائح المجتمع المدني آنذاك.

 

2- هـ الإذن بالقتال:

- بعد أن نظم الرسول صلى الله عليه وسلم أمور المسلمين في المدينة أصبحوا جبهة متماسكة ضد أعدائهم, ولقد أَذِنَ الله للمسلمين بقتال المشركين حينما تمادى المشركون في غيهم؛ ففرض الله عليهم القتال جهاداً في سبيله, فخاضوا أول معاركهم الجهادية في معركة بدر الكبرى, والتي انتصر فيها المسلمون على المشركين انتصاراً مؤزراً.

 

3- هـ التمحيص:

- بعد أن لقَّن المسلمون المشركين درساً في بدر, رأت قريش أن تنتقم من هزيمتها, فخاضت معركة أُحد الكبرى, والتي انتصر فيها المسلمون أول الأمر؛ لكن المشركين استغلوا مخالفة الرماة المسلمين لأمر النبي عليه السلام فطوقوا المسلمين من الخلف, وألحقوا بهم هزيمة, سرعان ما فاق منها المسلمون, وطاردوا المشركين.

 

4- هـ الترفيه:

- في هذا العام تم إجلاء يهود بني النضير على غرار يهود بني قينقاع؛ بسبب نقضهم العهد مع المسلمين، وفي شهر ذي القعدة من هذا العام انتظر المسلمون قريشاً في بدر الموعد, لكن قريشاً فضّلت عدم مقابلة المسلمين خوفاً من عاقبة اللقاء.

 

5- هـ الأحزاب (الزلزال):

- قام حُيَّي بن أخطب اليهودي, بتأليب قبائل العرب ضد المسلمين في المدينة, فتحزب الجميع لقتال المسلمين, فحفر المسلمون خندقاً في شمالي المدينة؛ لصد هجمات الأحزاب ولإعداد خطة محكمة تكون كفيلة بهزيمتهم, قال تعالى: (وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال)

 

6- هـ الاستئناس (الانتشار – التوسع):

- في هذا العام توصل المسلمون مع قريش إلى عقد هدنة عرفت بصلح الحديبية, جاء بنوده في ظاهر الأمر لصالح قريش؛ لكن حنكة المصطفى عليه السلام السياسية جعلت نبود هذا الصلح لصالح المسلمين, حيث استغل الرسول عليه السلام توقف الحرب بين الطرفين بعرض دعوته على الحكام, والملوك, والأمراء؛ للدخول في الإسلام.

 

7- هـ الاستغلاب:

- من ثمار صلح الحديبية: قيام المسلمين بتصفية التجمعات اليهودية في شمالي الحجاز, والذين ما فتئوا في منصبة العداء, والتحريض ضد الدولة الإسلامية في المدينة, فبعد أن تم القضاء على فئات اليهود الثلاثة في المدينة تفرغ للفئات الأخرى خارج المدينة.

 

8- هـ الفتح (الاستواء):

- قامت قريش في هذا العام بنقض أحد بنود صلح الحديبية؛ مما حدا بالمسلمين بإعلان الحرب على قريش, وتابع الرسول عليه السلام السير بالمسلمين إلى داخل مكة مطأطئ الرأس؛ تواضعاً لله, وشكراً له على نصره, وتأييده, وأمر أتباعه ألا يقتلوا أحداً إلا من أراد قتالهم, ثم دخل المسجد الحرام, وهناك قام بتكسير الأصنام, وعفى عن مشركي قريش.

 

9- هـ البراءة:

- بعث الرسول عليه السلام في هذا العام أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أميراً على الحج, وبعد أن أنزل الله على نبيه سورة براءة, أرسل علياً ـ رضي الله عنه ـ للحاق بأبي بكر, ومن ثم قراءة السورة على مسمع من الناس؛ وذلك بعدم السماح لحج المشركين بعد هذا العام.

 

10- هـ حجة الوداع:

- هي الحجة الوحيدة التي حجها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أكثر من 100000 مسلم, علَّمهم فيها مناسك الحج قولاً, وعملاً, وخطب فيهم خطبة الوداع, والتي ضمنَّها أمور الأمة, وأنزل الله عليه قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت الإسلام ديناً).

 

11- هـ وفاة الرسول عليه السلام:

- في هذا العام مرض الحبيب صلى الله عليه وسلم في أواخر شهر صفر, وبقي على هذا الحال ثلاثة عشر يوماً حتى تعذر عليه الخروج إلى الصلاة؛ فأمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلِّي بالناس, ثم توفاه الله في ضحى الإثنين 12 ربيع الأول, بعد أن أدى الأمانة, ونصح الأمة, وتركها على المحجة البيضاء, ليلها كنارها لا يزبغ عنها إلا هالك.

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..