بتعليقات
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
* شرح الحديث السادس والثلاثون:
- عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) والكرب يعني: الشدة والضيق والضنك ، والتنفيس معناه: إزالة الكربة ورفعها ، وقوله: ( من كرب الدنيا ) يعم المالية والبدنية والأهلية والفردية والجماعية.
- ( نفس الله عنه ) أي: كشف الله عنه وأزال.
- ( كربة من كرب يوم القيامة ) ولا شك أن كرب يوم القيامة أعظم وأشد من كرب الدنيا ، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من مرب يوم القيامة.
- ( ومن يسر على معسر) أي: سهل عليه وأزال عسرته.
- ( يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ) وهنا صار الجزاء في الدنيا والآخرة وفي الكرب كربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا.
- ( ومن ستر مسلما ) أي: ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أو دينيا أو دنيويا إذا ستره وغطاه حتى لا يتبن للناس.
- ( ستره الله في الدنيا والآخرة ) أي: حجب عيوبه عن الناس في الدنيا والآخرة.
- ثم قال صلى الله عليه و سلم كلمة جامعه مانعة قال: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) أي: أن الله تعالى يعين الإنسان على قد معونته أخيه كما وكيفا وزمنا ، فما دام الإنسان في عون أخيه فالله في عونه ، وفي حديث آخر: ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ).
- وقوله ( من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) يعني: من دخل طريقا وصار فيه يلتمس العلم والمراد به العلم الشرعي سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، لان الإنسان علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها ، ومعلوم أن الطريق الموصل إليه هو شريعته ، فإذا تعلم الإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة.
- ( وما اجتمع قوم قي بيت من بيوت الله ) المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجد قال الله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) النور 36. وقال تعالى: ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) الجن 18. وقال: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) البقرة 114. فأضاف المساجد إليه ؛ لأنها موضع ذكره.
- قوله ( يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ) يتلونه: يقرءونه ويتدارسونه أي: يدرس بعضهم على بعض.
- ( إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ) نزلت عليهم السكينة يعني: في قلوبهم وهي الطمأنينة والاستقرار ، وغشيتهم الرحمة: غطتهم وشملتهم.
- ( وحفتهم الملائكة ) صارت من حولهم. ( وذكرهم الله فيمن عنده ) أي: من الملائكة.
- ( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) أي: من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه ولا يرفعه ولا يقدمه والنسب هو الانتساب إلى قبيلة ونحو ذلك.
* في هذا الحديث فوائد:
- الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ).
- الإشارة إلى يوم القيامة وأنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج 1-2.
- تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين ويقام فيه العدل ويقوم الأشهاد.
- الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخر ) والتيسير على المعسر يكون بحسب عسرته ؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسير عليه إما بإنظاره ، وإما بإبرائه وإبراؤه أفضل من إنظاره ، والتيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة ويساعد وتهون عليه المصيبة ويعود بالأجر والثواب وغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان.
- الترغيب في ستر المسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخر ) والمراد بالستر: هو إخفاء العيب ، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده ، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان معروفا بالشر والفساد ، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا ؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة ، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره ، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منه ما جرى هذا هو الذي يسن ستره.
- الحث على عون العبد المسلم وأن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه لقوله صلى الله عليه وسلم: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) وهذه الكلمة يرويها بعض الناس: ما دام العبد ولكن الصواب ما كان العبد في عون أخيه كما قال صلى الله عليه وسلم.
- الحث على طلب العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ) وقد سبق في الشرح معنى الطريق وأنه قسمان حسي ومعنوي.
- فضيلة اجتماع الناس على قراءة القران لقوله: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله .. ).
- أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي: في مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجد الله.
- بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة وهي الطمأنينة القلبية وتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم وتحفهم الملائكة أي: تحيط بهم من كل جانب ويذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عند ملأ ، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ).
- أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله: ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ).
- أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى.