لفلي سمايل

عباد بن بشر رضي الله عنه

تاريخ الإضافة : 28-9-1431 هـ

عباد بن بشر رضي الله عنه

 

* عبّاد بنُ بشرٍ اسمٌ وضيءٌ مشرقٌ في تاريخ الدَّعوة المحمديّة....

إن نشدتهُ ( طلبته ) بين العُباد وجدته التقيَّ النقيِّ قوام الليلِ بأجزاءِ القرآن.

وإن طلبته بين الأبطالِ ألفتيه ( وجدته ) الكميَّ الحميَّ ( الشجاع المحامي ) خوَّاض المعاركِ إعلاءً لكلمة الله...

وإن بحثتَ عنه بين الولاة رأيته القويَّ المؤتمن على أموال المسلمين...

- حتى قالت عائشة فيه وفي اثنين آخرين من بني قومِه: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحدٌ يَسمو عليهم فضلاً من بني عبد الأشهلِ: سعدُ بن معاذٍ، وأسيدُ بن الحُضير، وعبّاد بنُ بشر.

 

* * *

- كان عبادُ بن بشرٍ الأشهليّ حين لاحَ ( بدا وظهر ) في آفاقِ يثربَ أول شعاعٍ من أشعةِ الهداية المحمدية فتىً موفور الشبابِ، غضَّ الإهاب، تعرفُ في وجهه نضرة العَفاف والطهرِ، وتلمحُ في تصرفاته رزانة الكهولِ ( رصانتهم وعقلهم ) ؛ على الرغم من أنه لم يكن إذ ذاك جاوز الخامسة والعشرين من عمره السعيد.

 

* * *

- وقد اجتمع إلى الداعيةِ المكيِّ الشابِّ مُصعب بن عُميرٍ فسرعان ما ألفتْ بين قلبيهما أواصرُ الإيمان ، ووحدَت بين نفسيهِما كريمُ الشمائلِ ونبيلُ الخصائل.

وقد استمع إلى مُصعبٍ وهو يرتلُ القرآن بصوته الفضيِّ الدافئ، ونبرته الشجية الآسرة فشغفَ بكلام الله حبّاً ، وأفسحَ له في سُويداء فؤاده مكاناً رحباً، وجعلهُ شغلهُ الشاغل فكان يُردده في ليلهِ ونهاره، وحله وترحاله، حتى عُرف بين الصحابة بالإمام، وصديقِ القرآن.

 

* * *

- وقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتهجدُ ( يتعبد في الليل ) ذات ليلةٍ في بيت عائِشة الملاصِق للمسجدِ، فسمع صوتَ عبّاد بن بشرٍ وهو يقرأ القرآن رطباً ندياً كما نزلَ به جبريلُ على قلبه فقال: ( يا عائشة: هذا صوت عباد بن بشرٍ؟! ).

قالت: نعم يا رسول الله.

قال: ( اللهُم اغفر له ).

 

* * *

- شهدَ عبادُ بنُ بشرٍ مع الرسولِ صلوات الله عليه مشاهده كلها، وكان له في كل منها موقفٌ يليق بحامل القرآن...

من ذلك أنّ الرسول صلوات الله وسلامه عليه لما قفلَ عائداً من غزوةِ ذات الرِّقاع نزل بالمسلمين في شعبٍ من الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه.

وكان أحدُ المسلمين قد سبى ( في أثناء الغزوةِ ) امرأةً من نساء المشركين في غيبةٍ من زوجها، فلما حضرَ الزوجُ ولم يجد امرأته أقسمَ باللات والعزّى ليلحَقنّ بمحمدٍ و أصحابه وألا يعود إلا إذا أراقَ منهم دماً.

 

* * *

- ما كاد المسلمون يُنيخونَ رواحلهُم في الشعبِ حتى قال لهم الرسول صلوات الله عليه: ( من يحرُسنا في ليلتنا هذه ؟! )

فقام إليه عبّادُ بن بشرٍ، وعمارُ بنُ ياسرٍ وقالا: نحن يا رسول الله، وقد كان النبي آخى بينهما حين قدِمَ المهاجرين على المدينة.

فلما خرجا إلى فمِ الشعب قال عبادُ بن بشرٍ لأخيه عمارِ بن ياسرٍ: أيُّ شطريْ الليل تؤثرُ أن تنامَ فيه: أوًّله أم آخرِه؟

فقال عمارٌ: بل أنامُ في أوّلِه، واضطجعَ غير بعيدٍ عنه.

 

* * *

- كان الليلُ ساجياً هادئاً وادعاً، وكان النجمُ والشجر والحجر تسبِّحُ بحمدِ ربِّها وتقدِّس له، فتاقت نفسُ عبادِ بن بشرٍ إلى العبادةِ، واشتاق قلبُه إلى القرآن.

وكان أحلى ما يحلو له القرآنُ إذا رتله مُصلياً فتجمعُ متعة الصلاةِ إلى متعةِ التلاوةِ.

فتوجَّه إلى القبلةِ ودخلَ في الصلاة وطفِق يقرأ من سورةِ الكهفِ بصوته الشجيِّ النديِّ العذب.

وفيما هو سابحٌ في هذا النورِ الإلهي الأسنى غارقٌ في لألاء ضيائِه؛ أقبل الرجلُ يحثّ الخطى فلمًّا رأى عباداً من بعيد منتصباً على فم الشعب عرف أنَّ النبي وصحبه بداخله وأنه حارسُ القوم؛ فوَترَ قوسهُ، وتناول سهماً من كنانته ورماه بِه فوضعه فيه.

فانتزعه عبادٌ من جسده ومضى متدفقاً في تلاوتِه غارقاً في صلاته...

فرماه الرجل بآخرَ فوضعهُ فيه؛ فانتزعه كما انتزع سابقه، فرماه بثالث، فانتزعه كما انتزع سابِقيه، وزحفَ حتى غدا قريباً من صاحبه وأيقظه قائلاً: انهض فقد أثخنتني الجراحُ ( أضعفتني وأوهنت قوتي ).

فلما رآهما الرجل ولّى هارباً.

 

* * *

- وحانت التفافةٌ من عمارٍ إلى عبادٍ فرأى الدّماء تنزفُ غزيرةً من جراحِه الثلاثةِ وقال له: يا سبحان الله هلاّ أيقظتني عند أولِ سهمٍ رماك به؟!

فقال عبّاد: كنتُ في سُورةٍ أقرأها فلم أحبّ أن أقطعها حتى أفرغ منها.

وأيمُ الله لولا خوفي من أن أضيعَ ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحفظه لكان قطعُ نفسي أحبّ إلي من قطعها.

 

* * *

- ولما نشبت ( ثارت ) حروبُ الردَّة على عهدِ أبي بكرٍ رضي الله عنه، جهزَ الصديق جيشاً كثيفاً للقضاءِ على فتنةِ مسيلمة الكذابِ، وإخضاعِ المُرتدين الذين ظاهروه، وإعادتهم إلى حظيرِة الإسلام، فكان عبادُ بن بشرٍ في طليعةِ ذلك الجيش.

وقد رأى عبادٌ خلال المعارك التي لم يحقق المسلمون فيها نصراً يُذكر من تواكل الأنصارِ على المهاجرين، وتواكل المهاجرين على الأنصار ما شحن صدره ( ملأ صدره ) أسىً وغيظاً، وسَمع من تنابزهم ( تعيير بعضهم البعض ) ما حشا سَمعه جمراً وشوكاً، فأيقن أنه لا نجاح للمسلمين في هذه المعاركِ الطاحنة إلا إذا تميزَ كلٌّ من الفريقين عن الأخِر ليتحمًّل مسؤوليته وحدَه... وليُعلم المجاهدون الصَّابرون حقاً.

 

* * *

- وفي الليلةِ التي سبقتْ المعركة الحاسِمَة رأى عبادُ بن بشرٍ فيما يراه النائمُ أن السماء انفرجتْ له، فلمّا دخلَ فيها ضمته إليها وأغلقت عليه بابها...

فلما أصبحَ حدثَ أبا سعيدٍ الخدريَّ برؤياه، وقال: والله إنها الشهادة يا أبا سعيد.

 

* * *

- فلما طلع النهارُ واستؤنف القتال علا عبادُ بن بشرٍ نشزاً من الأرضِ ( مكاناً مرتفعاً من الأرض ) وجعل يصيح: يا مَعشرَ الأنصار تميَّزوا من الناس... واحطِموا جُفون السيوف ( أغماد السيوف )...

ولا تتركوا الإسلام يُؤتى من قبلكم ( يصاب من ناحيتكم )...

وما زال يردِّد ذلك النداءَ حتى اجتمع عليه نحو أربعمائة منهم على رأسِهم ثابتُ بنُ قيسٍ، والبراءُ بن مالكٍ، وأبو دُجانة صاحب سيفِ رسول الله.

ومضى عبادُ بن بشرٍ بمن معه يشقُّ الصفوفَ بسيفه ويلقى الحُتوف ( جمع حتف وهو الموت والهلاك ) بصدرِه، حتى كسرَت شوكة مسيلمة الكذابِ ومن معه وألجِئوا إلى حديقة الموتِ.

وهناك عند أسوارِ الحديقة سَقط عبادُ بن بشرٍ شهيدا ً مضرجاً بدمائه...

وفيه ما فيه من ضرباتِ السيوف وطعناتِ الرماحِ ووقعِ السهام.

حتى إنهم لم يعرفوه إلا بعلامةٍ كانت في جسده.

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (0)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..