بتعليقات
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
* شرح الحديث الثلاثون:
- قوله صلى الله عليه و سلم: ( إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ) أي: أوجب إيجابا حتميا على عباده فرائض معلومة ولله الحمد كالصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج و بر الوالدين وصلة الأرحام وغير ذلك.
- ( فلا تضيعوها ) أي: لا تهملوها إما بترك أو بالتهاون أو ببخسها أو نقصها.
- ( وحد حدوداً ) أي: أوجب واجبات وحددها بشروط وقيود.
- ( فلا تعتدوها ) أي: لا تتجاوزوها.
- ( وحرم أشياء فلا تنتهكوها ) حرم أشياء مثل الشرك وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق والخمر والسرقة وأشياء كثيرة.
- ( فلا تنتهكوها ) أي: فلا تقعوا فيها ، فأن وقوعكم فيها انتهاك لها.
- ( وسكت عن أشياء ) أي: أي لم يفرضها و لم يوجبها ولم يحرمها.
- ( رحمة لكم ) من اجل الرحمة والتخفيف عليكم.
- ( غير نسيان ) فإن الله تعالى لا ينسى كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: ( لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) طه 52 , فهو تركها جل وعلا رحمة بالخلق ، وليس نسيان لها.
- ( فلا تسألوا عنها وفي رواية فلا تبحثوا عنها ) أي: لا تبحثوا عنها.
* فوائد هذا الحديث:
- حسن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين.
- إن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم واليقين ، والفرائض قال أهل العلم: أنها تنقسم إلى قسمين: فرض كفاية ، وفرض عين.
- فأما فرض الكفاية: فأنه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله ، وحكمه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين. ومثله الآذان والإقامة وصلاة الجنازة وغيرها.
- وفرض العين هو: ما قصد به الفعل والفاعل ووجب على كل أحد بعينه. ومثله الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج.
- انه لا يجوز للإنسان أن يتعدى حدود الله ، ويتفرع من هذه الفائدة انه لا يجوز المغالاة في دين الله ، و لهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قال أحدهم: ( أنا أصوم ولا افطر ، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام ، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء ) أنكر عليهم وقال: ( وإما أنا فاصلي وأنام وأصوم وافطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
- تحريم انتهاك المحرمات لقوله: ( فلا تنتهكوها ) , ثم إن المحرمات نوعان كبائر و صغائر , فالكبائر: لا تغفر إلا بالتوبة ، والصغائر: تكفرها الصلاة والحج والذكر وما أشبه ذلك.
- أن ما سكت الله عنه فهو عفو ، فإذا أشكل علينا حكم الشيء هل هو واجب أم ليس بواجب ولم نجد له أصلا في الوجوب ؛ فهو مما عفا الله عنه ، وإذا شككنا هل هذا حرام أم ليس حراما وهو ليس أصله التحريم ؛ كان هذا أيضا مما عفا الله عنه.
- انتفاء النسيان عن الله عز وجل ، و هذا يدل على كمال علمه وأن الله عز وجل بكل شيء عليم فلا ينسى ما علم ولم يسبق علمه جهلا ، بل هو بكل شيء عليم أزلا وأبدا.
- انه لا ينبغي في البحث والسؤال إلا ما دعت أليه الحاجة ، وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه عهد التشريع ويخشى أن أحدا يسال عن شيء لم يجب فيوجبه من اجل مسألته أو لم يحرم فيحرم من اجل مسألته ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البحث عنها فقال: ( فلا تبحثوا عنها ).
* شرح الحديث الحادي والثلاثون:
- عن آبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين اسم الرجل ؛ لأنه ليس هناك ضرورة إلى معرفته إذ أن المقصود معرفة الحكم ومعرفة القضية فقال: ( يا رسول الله ، دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس ) وهذا الطلب لا شك انه مطلب عالي يطلب فيه السائل ما يجلب محبة الله له وما يجلب محبة الناس له.
- فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: ( ازهد في الدنيا ) يعني: اترك في الدنيا ما لا ينفعك في الآخرة وهذا يتضمن انه يرغب في الآخرة ؛ لان الدنيا والآخرة ضرتان إذا زهد في إحداهما فهو راغب في الأخرى بل هذا يتضمن أن الإنسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر وترك النواهي ويدع ما لا ينفعه في الآخرة من الأمور التي تضيع وقته ولا ينتفع بها.
- إما ما يكون سببا لمحبة الناس فقال: ( ازهد في ما عند الناس يحبك الناس ) فلا يطلب من الناس شيئا ولا يتشوق أليه ولا يستشرف له ويكون ابعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس ؛ لان الناس إذا سئل الإنسان ما في أيديهم استثقلوه وكرهوه ، وإذا كان بعيدا عن ذلك فإنهم يحبونه.
* من فوائد هذا الحديث:
- حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ينفعهم.
- أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله وأن يحبه الناس ويكره أن يمقته الله ويمقته الناس فبين النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون به ذلك.
- أن من الزهد في الدنيا أحبه الله ؛ لان الزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة ، وقد سبق معنى الزهد: وانه ترك ما لا ينفع في الآخرة.
- إن الزهد فيما عند الناس سبب في محبة الناس لك.
- إن الطمع في الدنيا والتعلق بها سبب لبغض الله للعبد وأن الطمع فيما عند الناس والترقب له يوجب بغض الناس للإنسان ، والزهد فيما في أيديهم هو اكبر أسباب محبتهم.