* في العام 1897، وصف الروائي الأمريكي الشهير مارك توين مدينة فاراناسي الهندية قائلاً إنها "أقدم من التاريخ، وأقدم من التقاليد، وحتى أقدم من الأساطير".
- وبعد مرور أكثر من قرن على كلمات توين، لا تزال فاراناسي تعيش بمعزل عن التطور المرتبط بأي مدينة في القرن الواحد والعشرين.
- وهذا لأن هذه المدينة، التي تُعتبر العاصمة الروحية للديانة الهندوسية منذ ألف عام، لا تعطي المستقبل كثيراً من اهتمامها.
- إذ كرّست فاراناسي نفسها لأن تكون "مدينة الموت". فالموت فيها يعتبر فناً يدعو للاحتفال، وتقليداً للعبور من جانب لآخر، لدرجة جعلت شوارعها تمتلئ بالأشخاص الذين يمارسون تقاليد متعلقة بالموت.
- وسبب شهرة هذه المدينة بين أتباع الديانة الهندوسية كوجهة للموت، هو إيمانهم بأن إحراق جثثهم فيها سيحرر أرواحهم، وسيجعلها جزء من الروح الإلهية الخالدة في النعيم.
- وتبدأ رحلة تحرر الروح تلك على عتبات الدرج الذي يقود إلى نهر "غانغ"، حيث توجد المحارق التي تستعمل في الجنازات.
- بالنسبة للمتدينين من أتباع الديانة الهندوسية، مدينة فاراناسي هي المكان الأمثل لمفارقة الحياة.
- وهذا الاعتقاد نابع من إيمانهم بأن إحراق الجثة في تلك المدينة سيجعل الروح تتحرر دورة التقمص من حياة لأخرى، ويجعلها تنضم إلى نعيم الخلود.
- والموت في فاراناسي ليس مجرد عبور هادئ للروح من عالم لآخر، لأن الموت في تلك المدينة مرتبط بتقاليد اجتماعية صاخبة.
- إذ تُجمع أجساد الموتى على أعتاب الدرج الذي يقود إلى نهر "غانغ" في طقس غنائي، ويتم حرقهاهناك أمام جموع من المشاهدين.
- وتعتبر "تجارة الموت" أمراً رائجاً في المدينة. فعلى سبيل المثال، توجد في فاراناسي فنادق مخصصة للأشخاص الذين على "فراش الموت"، مثل فندق "كاشي لاب موكتي بافان"، الذي لا يقبل سوى النزلاء الذين من المتوقع أن يوافوا منيتهم في فترة لا تتجاوز الـ 15 يوماً.
- ما يعني أن الفندق يوفر، حرفياً، أسرّة للموت.
- وقد يستغرب كثيرون عند رؤية النساء والأطفال وهم يغتسلون في ذات النهر الذي تُرمى فيه رماد أجساد الموتى. ورغم أن نهر "غانغ" يعتبر ملوثاُ، إلا أنه لا يزال يمثل النقاء والطهارة للهندوس.
- لكن هذا لا يعني أن المدينة تخلو من طقوس الاحتفال. إذ تقام مراسم دينية باسم "غانغا آرتي" بداية كل مساء، وهي عبارة عن احتفال راقص يقام في الهواء الطلق لتقدس الآلهة "شيفا" ونهر "غانغ"، حيث يقوم القساوسة بالغناء والرقص بين الدخان تحت الأضواء.