كحال طائر العنقاء في الأسطورة الإغريقية القديمة، الذي يخرج من بين الحطام قوياً منطلقاً نحو السماء، حال جمهورية البوسنة والهرسك المسلمة التي خرجت من الحروب الطاحنة والمآسي التي تعرضت لها جميلة بهية معتدة بنفسها كثيراً، كبلد أوروبي رائع الأجواء الطبيعية، تتناثر فيه الأنهار المتدفقة، وتكثر به البحيرات الصافية، وتزينه قمم الجبال البيضاء الثلجية، والغابات الخضراء.. وبمستوى معيشي مناسب وآمن مقارنة ببقية أجزاء أوروبا الأخرى.
جمهورية البوسنة والهرسك دولة تقع في البلقان بجنوب شرق أوروبا، إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، تقع في جنوب أوروبا، يحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا، من الشرق صربيا ومن الجنوب الغربي جمهورية الجبل الأسود، وهي تكاد تكون دولة مقفلة لا ساحل لها على البحر فيما عدا شريط ساحلي طوله 26 كيلومترا على البحر الأدرياتيكي تقع في منتصفه مدينة نيوم الساحلية.
تقع الجبال في الوسط والجنوب، والتلال في الشمال الغربي أما شمال غرب البلاد فهي مستوية، وتعتبر البوسنة إحدى المناطق الجغرافية الضخمة التي لها مناخ قاري معتدل، حيث تكون حارة صيفاً وباردة مع هطول الثلوج شتاء تقع مقاطعة الهرسك الصغرى إلى الجنوب من الجمهورية، وهي ذات طبيعة جغرافية ومناخ متوسطي.
كانت في السابق منضوية في اتحاد يضم ست مقاطعات مكونة جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وخلال الحرب اليوغوسلافية في التسعينات من القرن الماضي نالت البوسنة والهرسك استقلالها.
ويوصف كيانها بأنه جمهورية اتحادية ديمقراطية حيث انتقل اقتصادها إلى نظام السوق الحر، وهي مرشح محتمل لدخول عضوية الاتحاد الأوروبي والناتو، علاوة على أنها عضو في المجلس الأوروبي منذ 24 أبريل 2002 وعضو مؤسس للاتحاد المتوسطي بتاريخ التأسيس في 13 يوليو 2008.
بحكم موقعها الجغرافي لوجودها في وسط الجمهورية، فقد كانت للبوسنة أهمية استراتيجية كقاعدة لصناعة التقنيات العسكرية، ما ساهم بالوجود الكبير للأسلحة وقوات الجيش في البوسنة؛ وهو ما يعد عاملا أساسيا لحرب البوسنة التي تلت تفكك الاتحاد اليوغوسلافي في التسعينات من القرن الماضي.
قادت انتخابات 1990 إلى تكوين مجلس برلماني يهيمن عليه ثلاثة أحزاب على أساس عرقي، وقد شكلت تحالفا فضفاضا لطرد الشيوعيين من السلطة. ثم أعلنت كلٌّ من كرواتيا واعقبتها سلوفينيا الاستقلال، فالحرب التي تلت ذلك وضعت البوسنة والهرسك والشعوب الثلاثة المكونة لها في موقف حرج.
وقد كان هناك انقسام كبير سرعان ما تطور ووضع مسألة ما إذا كان البقاء ضمن الاتحاد اليوغوسلافي (ويؤيده الصرب بشكل ساحق) أو طلب الاستقلال (ويؤيده البوشناق والكروات بشكل ساحق). فأعضاء البرلمان الصرب، وخاصة من حزب الصربي الديمقراطي،
تركوا البرلمان المركزي في سراييفو وشكلوا برلمانا أسموه المجلس الوطني لصرب البوسنة ولهرسك وذلك في 24 أكتوبر 1991، مما أنهى التعاون العرقي الثلاثي الذي حكم البلاد في أعقاب انتخابات 1990، وهذا المجلس انشأ جمهورية صرب البوسنة والهرسك يوم 9 يناير 1992، ثم غير الاسم إلى الجمهورية الصربية في أغسطس 1992.
وفي 18 نوفمبر 1991 كان فرع البوسنة والهرسك للحزب الحاكم في كرواتيا المسمى الاتحاد الديمقراطي الكرواتي (HDZ) أعلن بإنشاء ما يسمى بالمجتمع الكرواتي للبوسنة والهرسك وهو منفصل سياسيا وثقافيا واقتصاديا بكامل أراضيه عن إقليم البوسنة والهرسك وله جيش خاص به يسمى بمجلس الدفاع الكرواتي.
وهو مالم تعترف به الحكومة البوسنية. واعلنت المحكمة الدستورية البوسنية مرتين بأن تلك الجمهورية غير شرعية، بالمرة الأولى بتاريخ 14 سبتمبر 1992 والثانية في 20 يناير 1994.
تم الإعلان عن سيادة البوسنة والهرسك في أكتوبر عام 1991، ثم اعقبها استفتاء على الاستقلال عن يوغوسلافيا في فبراير ومارس 1992 وقد قاطعته الغالبية العظمى من الصرب.
وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء على الاستقلال 63.4% وقد صوت لصالح الاستقلال 99.7% من الناخبين وتم اعلان استقلال البوسنة والهرسك بعدها بفترة قصيرة.
وبعد فترة من التوتر وتصاعد حدته وقيام حوادث عسكرية متفرقة، اندلعت حرب مفتوحة في سراييفو في 6 أبريل.
في أوائل مارس 1991 عقدت مباحثات سرية ما بين فرانيو تودجمان وسلوبودان ميلوسيفيتش لتقسيم البوسنة بين الصرب والكروات والمعروفة باسم اتفاق كارادورديفو.
فبعيد إعلان استقلال جمهورية البوسنة والهرسك، هاجم الصرب مناطق عدة من البوسنة، مما أثر على إدارة الدولة في تلك الجمهورية بشكل قوي فتوقف العمل فيها بعد أن فقدت السيطرة على أراضيها.
وقد كان الصرب يسعون لاحتلال المناطق ذات الأغلبية الصربية شرق وغرب البوسنة، بينما سعى الكروات بزعامة تودجمان إلى ما يسمى بتأمين أجزاء من البوسنة والهرسك كمناطق كرواتية.
فسياسات كرواتيا تجاه البوسنة والهرسك لم تكن واضحة وشفافة، فقد سعت إلى تطبيق هدف تودجمان المتمثل في توسيع حدود كرواتيا على حساب البوسنة. فأضحى المسلمون البوشناق هدفا سهلا، وهم المجموعة العرقية الوحيدة الموالية للحكومة البوسنية، وذلك لأن قوات الحكومة البوسنية كانت سيئة التجهيز وغير متهيئة للحرب.
بعد الاعتراف الدولي بالبوسنة والهرسك ازدادت الضغوط الدبلوماسية لسحب الجيش الشعبي اليوغسلافي من مناطق البوسنة، وهو ما تم فعله بشكل رسمي، لكن بالواقع فإن أعضاء الجيش من الصرب البوسنيون غيروا شاراتهم العسكرية،
وشكلوا ما يسمى جيش جمهورية صرب البوسنة واستمروا في الحرب، مستحوذين على مخزونات الجيش اليوغسلافي الموجودة في الأراضي البوسنية، وتلقوا الدعم من المتطوعين وقوات شبه عسكرية من صربيا،
واستمر الدعم اللوجستي والمالي من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وقد كان نية جيش صرب البوسنة في هجومهم سنة 1992 هو الاستحواذ والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.
في البداية هاجمت القوات الصربية التجمعات المدنية لغير الصرب في شرق البوسنة. فما أن وقعت تلك القرى والبلدات في أيديهم، حتى بدأت تلك القوات مع الشرطة والمليشيات شبه العسكرية وأحيانا بمساعدة أهالي القرى الصرب في تنفيذ خطة محددة: نهب وإحراق منازل وممتلكات البوشناق بصورة منهجية،
وتجميع المدنيين من مسلمي البوسنة أو القبض عليهم، وقد يتعرضون للضرب المبرح أو قتل جراء تلك العمليات. وقد تم تهجير ما يقارب 2.2 مليون بوسني عن أراضيهم (من الطوائف الثلاث). فاحتجز الكثير من الرجال في مخيمات.
أما النساء فكان يحتفظ بهن في مراكز اعتقال متعددة حيث يعشن في ظروف قاسية وغير صحية، ويتعرضن لأسوأ المعاملات بما فيها الاعتداءات الجنسية المتكررة. فقد يأتي الجنود الصرب أو رجال الشرطة إلى مراكز الاعتقال تلك، فينتقون من النساء يشاؤون لقضاء وطرهم واغتصابهن.
بدأت الحملة الجوية للناتو ضد جيش جمهورية صرب البوسنة في أغسطس 1995، ورافقها هجوم بري للقوات المتحالفة من الكروات والبوسنيين لطرد القوات الصربية من المناطق التي تم اخذها في غرب البوسنة والتي مهدت السبيل إلى المفاوضات.
وفي ديسمبر تم التوقيع على اتفاقية دايتون في مدينة دايتون بين رؤساء كل من البوسنة والهرسك علي عزت بيغوفيتش والكرواتي فرانيو تودجمان والصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لوقف الحرب والبدء بإنشاء الهيكل الأساسي للدولة الحالية.
رقم الضحايا المتعرف عليهم يصل حاليا إلى 97,207، والفحوصات الحالية لتقدير العدد الإجمالي للقتلى يقل عن 110,000 قتيل ما بين مدني وعسكري، وتم تهجير حوالي 1.8 شخص عن مناطقهم.
وقد تم اعلان هذا من قبل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. وفقا للأحكام العديدة التي أصدرتها محكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في النزاع الحاصل بين البوسنة وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (والمسماة لاحقا بصربيا والجبل الأسود) وأيضا كرواتيا.
البلاد جبلية في الغالب، التي تشمل ديناريك وسط جبال الألب. في الاجزاء الشمالية الشرقية تصل إلى حوض بانونيا، في حين أنها في الجنوب على الحدود مع البحر الادرياتيكي. ديناريك جبال الألب في اتجاه الشرق والغرب، والحصول على أعلى باتجاه الجنوب.
المدن الكبرى هي العاصمة سراييفو وبانيا لوكا في شمال غرب المنطقة المعروفة باسم كرايينا بوسانسكا وبييليينا وتوزلا في شمال شرق البلاد، ودوبوي زينيتشا في وسط البوسنة وموستار عاصمة الهرسك.
وفي الآونة الأخيرة تم ترشيح سراييفو باعتبارها واحدة من المدن العشر الأوائل المرشحة للزيارة في عام 2010 في طبعة العام نفسه لونلي بلانيت "أفضل في السفر" في مارس 2012.
البوسنة والهرسك لا يزال يمكن القول إنها واحدة من أجمل المناطق التي تحوي أجمل المناظر الطبيعية غير المكتشفة في المنطقة الجنوبية من جبال الألب، مع مساحات شاسعة من الطبيعة البرية التي تجذب المغامرين ومحبي الطبيعة.
مجلة ناشيونال جيوغرافيك اختارت البوسنة والهرسك كأفضل وجهات المغامرة وركوب الدراجات الجبلية لعام 2012.