* بين المعسكرات والكتابة والرسم والسياسة، نشأ شابٌ ينحدر من عائلة مخملية محافظة سياسياً، جدّه دوق مارلبورو الأول ووالده لورد. لم تشأ الظروف أن ينعم هذا الشاب الذي أصبح فيما بعد أسطورة بحياة الرفاه والخيرات، فبعد وفاة والده في ظروف مأساوية تم تجردته من لقبه الذي كان قد اكتسبه عنه، فما كان على هذا الفتى إلا أن يشق طريقه بنفسه وأن يكسب رزقه بقلمه ولسانه. انه رئيس وزراء بريطانيا السير ونستون تشرشل أو ما يعرف بالرجل البدين، الذي سميت ثاني قنبلة ذرية ألقيت على مدينة ناغازاكي اليابانية في 9 آب 1945 باسمه بسبب بدانته.
- في 30 تشرين الثاني 1874 ولد ونستون تشرشل في قصر بلاينهام الشهير القريب من أوكسفورد مقر حكام مقاطعة مارلبورو، ونشأ في جو عابق برائحة التاريخ والحروب والانتصارات، وساعدته في ذلك والدته. على عكس ما ستظهره المعلومات الواردة أدناه لما يمتلكه تشرشل من ذكاء وحنكة سياسية محترفة، إلا انه لم يظهر أي نجاح في المدرسة الثانوية حتى انه لم يتمكن من الوصول أبدا إلى الصفوف العليا، وكان يستعمل لغته الخاصة غير مبال باللغة الإنكليزية وأدبها الكلاسيكي.
* من المدرسة .. إلى المعسكرات:
- بعد فشله خلف مقاعد الدراسة، ترك تشرشل الثانوية والتحق بالمدرسة الحربية الملكية ليتخرج منها عام 1894. أولى مهامه كانت مع الجيش الإسباني في كوبا الذي كان يقاتل الاستقلاليين الكوبيين، ومن بعدها أرسل إلى الهند حيث قضى مدة طويلة، اعتبرها مدرسة تثقيفية وتربوية ذاتيّة، حيث كانت ترسل له والدته صناديقاً من الكتب التي قرأها وتأثر بكتابها، لا سيما في نظرية داروين في النشوء والارتقاء.
- أرسل تشرشل بعد الهند إلى السودان ومن ثم إلى جنوب أفريقيا، وإلى جانب كونه جندياً، عمل مراسلاً لجريدة مورنينغ بوست Morning Post. في العام 1899، تعرض للاعتقال على أيدي قوات البوير الأفارقة المنحدرين من أصول هنديّة، إلا انه تمكن من الفرار فيما بعد وعاد إلى جبهة القتال في الناتال.
* من المعسكرات .. إلى العمل الحزبي:
- بدأ حياته السياسية في حزب المحافظين، وانتُخب عضواً في مجلس العموم، وفي سنة 1904، انضم إلى حزب الأحرار بعد خلافات بينه وبين المحافظين. وكان تشرشل قد دخل البرلمان بعد أن جمع مبلغاً من المال كان قد حصل عليه مقابل المحاضرات التي ألقاها في الولايات المتحدة الأميركية، والتي روى من خلالها تجربته العسكرية في جنوب أفريقيا وقصة هروبه من المعتقل.
- عام 1908 عين تشرشل وزيراً للتجارة ثم وزيراً للداخلية في العام 1910، ووزيراً للبحرية في العام 1911. في مطلع الحرب العالمية الأولى، كان تشرشل وراء حملة الحلفاء إلى الدردنيل لعزل تركيا عن أوروبا، والتي أخفقت إخفاقاً ذريعاً ويعد تشرشل مسؤولاً عن هذا الإخفاق، مما اضطره إلى الاستقالة. في العام 1915 بدا لتشرشل أن حياته السياسية قد انتهت خصوصاً بعد اشتراط المحافظون للدخول في تحالف حكومة الائتلاف بتجريده من منصبه كقائد للقوات البحرية، فتعلم الرسم لتمضية وقته، واستمر يمارس الرسم حتى آخر لحظات حياته.
- تشرشل لم يستسلم، وقرر العودة إلى المعسكرات، وفي العام 1916 ولاه رئيس الوزراء لويد جورج منصب وزير الإمدادات العسكرية، وبنهاية الحرب صار وزير الدولة لشؤون الحرب والقوات الجوية، حيث عمل على تحديث القوات الجوية البريطانية.
* بين الحربين العالميتين الأولى والثانية:
- في أيار 1945 قاد تشرشل مواكب المحتفلين بالنصر في شوارع لندن، إلا انه كما ورد في أحد كتبه كان يشعر بغصة في القلب لعدم قدرته على الحد من النفوذ الشيوعي داخل أوروبا. وبعد شهرين من ذلك سقطت حكومته في الانتخابات، وبعد تولى حزب العمال للسلطة انصرف تشرشل إلى الكتابة والرسم مرة أخرى.
- أهم مرحلة في حياة تشرشل السياسية برزت في الحرب العالمية الثانية، فقد عُين عند اندلاع الحرب سنة 1939 وزيراً للبحرية، وفي 10 أيار 1940 أصبح تشرشل رئيساً للوزارة البريطانية، وأعلن في 7 حزيران أن بريطانية ستتابع الحرب وحدها، وتعرض بعد ذلك للوم شديد، بعد أن عجزت بريطانية عن صد الجيش الألماني في اليونان، وخاصة في جزيرة كريت، وله أثر في نشوب الحرب بين ألمانية وروسية، وبذلك تجنبت بريطانية أي غزو محتمل لأراضيها.
* بعيداً عن السياسة والحروب:
- هو الذي رفع معنويات شعبه أثناء الحرب ولم يخضع لأدولف هتلر، وقال له هتلر حينها: إننا لا نريد محاربتك نحن نريد استسلامك، ولكن تشرشل لم ينصع وقاوم حتى النهاية وكان النصر حليفا له، وهو أول من أشار بعلامة النصر بواسطة الإصبعين السبابة والوسطي، وقال حينها إن غزا هتلر الجحيم، سأمتدح الشيطان ستالين- على الأقل في مجلس العموم.
- ولعل من غرائب القرن العشرين التي تكاد أن لا تحصى انه في الوقت الذي كان تشرشل يوقع على أمر بالبدء بإنتاج القنبلة الهيدروجينية كان يفوز بجائزة نوبل للآداب سنة 1954 لكتاباته التاريخية.
- كان رجل دولة بارز، خطيب مفوه، مخطط استراتيجي وعاشق من الطراز الرفيع، أتقن الشعر وكتبه بأسلوبه الخاص، تمتع تشرشل بروح النكتة وبإطلاقه حركات وشعارات ميزته عن غيره. تعرف في حياته على كليمانتين هوزييه وصارا خطيبين وعندما كتب حياة وأيام جون تشرشل دوق مارلبورو، شكلت قاعات ذلك القصر وحدائقه النبع الذي استقى منه تشرشل مصادر كتابه. وقد عرف عنه نزعته الأرستقراطية البعيدة عن الشعب في الداخل، والاستعمارية المتطرفة في الخارج.
* وفاته:
- في 24 كانون الثاني 1965 غادرت روح تشرشل الحياة، ودفن في حديقة الكنيسة الصغيرة التابعة لقصر بلاينهايم حيث ولد قبل تسعين سنة. ليطوي بموته صفحة أهم رئيس وزراء مرّ في تاريخ الحكم الملكي البريطاني.
* من أقواله:
- في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة.
- الشخص المتواضع هو الذي يمتلك الكثير ليتواضع به.
- المسؤولية ثمن العظمة.
- إذا كنت ترغب بحق في اكتشاف بحار جديدة ، يجب عليك أن تتحلى بالشجاعة اللازمة لمغادرة الشاطئ.
- المتشائم يرى محنة في كل منحة ، والمتفائل يرى منحة في كل محنة.
- لا تستسلم أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا ..
- إمبراطوريات المستقبل هي إمبراطوريات العقل.
- إن الحقيقة محسومة. الرعب قد يستاء منها، والجهل قد يسخر منها، والحقد قد يحرفها، ولكنها تبقى موجودة.
- امضي قدما ولو كنت ماشيا على الجحيم.
- لا أستطيع أن أعدكم إلا بالدموع والبكاء والألم.