* لماذا وقع الاختيار على حلب لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية:
- إن اختيار منظمة المؤتمر الإسلامي لمدينة حلب لتكون عاصمة وعروساً للثقافة الإسلامية للعام 1426 هـ ، 2006 م لم يكن غريباً كما أنه لم يكن مصادفة إنما نتاج دراية ودراسة مستفيضة لحلب خلال تاريخها الطويل بدءاً بعصور ما قبل التاريخ حيث تعتبر حلب من أوائل المدن التي سكنها الإنسان القديم في عصور ما قبل التاريخ وتدل مغاور وكهوف منطقة الفردوس فيها على ذلك، وانتهاءً بالعصر الحديث الذي تحاول فيه مدينة حلب أن تستظل بماضيها المجيد وتراثها التليد كي تنهض من بين الركام وتعيد للمدينة ألقها وجاذبيتها التي سلبتها إياها عهود وعقود طويلة من النسيان وقد آن الأوان كي تنفض عن جسدها الغبار الذي راكمته الأزمنة الصعبة المتعاقبة وأن تطل برأسها من جديد على نور الحضارة الإنسانية التي أسهمت في رسم ملامحها وصنعها وتطويرها ونقلها ولكنها حرمت بعد ذلك من قطف ثمارها، نعم لقد آن الأوان كي تعود المدينة العريقة لتتنسم روح الحضارة وعبقها التي هي من نتاجها وفكرها، وهذه حقيقة لا يستطيع أي باحث موضوعي أن ينكرها أو يتجاهلها، فالتاريخ لا يعيد نفسه لكنه يترك بصماته أوابد وشواهد للجاحدين والمنكرين والخاملين.
- تمتاز حلب وكما يعرف الكثيرون بغناها الحضاري وتنوعها الثقافي والأصالة الفنية المتجددة والضاربة في أعماق التاريخ قدماً ورسوخاً، وقد شهدت حضارات متعاقبة وأسهمت في صنعها...فقد اتصلت بحضارة الآشوريين في بلاد مابين النهرين والفراعنة في مصر حينما كانت عاصمة الآراميين حينها وكان اسمها (يمحاض) ثم صار (حلبو) ويقولون إن إبراهيم الخليل عليه السلام قد سكنها وأقام في قلعتها وفي عهد السلوقيين سميت (بيرويا) بعد ذلك حكمها الرومان فالروم البيزنطيون إلى الفتح الإسلامي على يد القائد (أبو عبيدة الجراح) في العام (16هـ) حينها عاد للمدينة اسمها العربي (حلب) الذي مازالت تحمله إلى اليوم.
- يشهد التاريخ الإنساني والحضارة العالمية أن حلب ومنذ ذلك اليوم عقب الفتح الإسلامي قد ارتدت طابعاً إسلامياً محضاً وذلك خلال فترة حكم الأمويين ثم العباسيين مروراً بإمارة بني حمدان ثم السلاجقة والزنكيين فالمماليك ثم العثمانيين وصولاً إلى العصر الحديث وأنها لم تخلع عنها هذا الإزار خلال تلك العهود والعصور والممالك المتعاقبة ومما يميز هذا الطابع الإنساني الحضاري لمدينة حلب وتاريخها وتراثها هو التآخي الإسلامي والمسيحي الذي استطاعت حلب أن تكون مثالاً يحتذى به في سائر المدن والأمصار العربية والإسلامية.
- ولا تزال حلب إلى اليوم تشهد صوراً من هذا التآخي القائم على التسامح والمحبة والإيمان بأن الله واحد وأنه لكل البشر مهما اختلفت المذاهب والمشارب.
- من أجل ذلك تزخر حلب إلى اليوم بالمآذن الكثيرة والمساجد الوفيرة وقد انتصبت إلى جانبها الكنائس بقبابها ونواقيسها وطالما امتزج فيها الأذان في المآذن مع أجراس الكنائس معلناً وحدة النسيج الوطني الذي لامثيل له.
- ثمة أمر آخر لايفوتنا أن نشير إليه وندلل عليه هو أن حلب قد ظلت ولفترات طويلة ترفد الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الإنسانية العالمية بوفرة من خيرة العلماء في شتى ميادين العلم والحضارة وخاصة في بلاط سيف الدولة الحمداني الذي كان يحفل ويزخر بالكثير الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء والفلاسفة والفنانين ففي هذا البلاط برز نجم الشاعر أبي الطيب المتنبي، والفيلسوف الفارابي والشاعر الفارس أبو فراس الحمداني وبعض علماء الفقه واللغة أمثال ابن جني وابن خالويه والصنوبري والخوارزمي وأبي الفرج الأصفهاني وغيرهم الكثير الكثير.
- إضافة إلى الدور الثقافي التنويري الذي أطلت به مدينة حلب إلى جانب أخواتها من المدن والحواضر الإسلامية في الشرق والغرب كبغداد والقاهرة والفسطاط وأصفهان وغرناطة واشبيلية ومكة والقيروان وغيرها من المدن الإسلامية ذات العلاقة فقد كان لحلب دور اقتصادي كبير نظراً لوقوعها على خط الحرير العالمي وعقدة مواصلات برية بين الشرق والذي ابتدأ بالصين والهند وانتهى بالأناضول وأوربة لذلك تسابقت دول أوربة وإماراتها إلى إنشاء قنصليات لها في حلب قبل غيرها من المدن السورية.
- ونظراً للأهمية السياسية والاقتصادية والثقافية التي تمتعت بها مدينة حلب عبر العصور الغابرة فقد تجسدت هذه الأهمية وتجلت للعيان من خلال الأوابد والشواهد التي خلفها الأجداد للأحفاد فقد حفلت حلب بالتراث الإسلامي وكانت خير شاهد على أصالته وعظمته.
- فبالإضافة إلى العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء واللغويين والفلاسفة والنحويين الذين أفرزتهم المدينة عبر تاريخها الطويل، ومخلفاتهم الفكرية ومؤلفاتهم وموسوعاتهم التي لاتزال تزخر بها المكتبات العالمية وتعد مراجع علمية إلى اليوم، فهناك سلسلة واسعة من المؤسسات التعليمية التي حوتها المدينة كالمدرسة السلطانية والمدرسة الظاهرية والمدرسة الكاملية إضافة إلى بعض التكيات والزوايا التي خرجت الكثير من الفقهاء والعلماء وقد كان لموقع حلب وقربها من مركز وعاصمة الخلافة العثمانية أثر كبير في استمرار الدور السياسي والاقتصادي والثقافي لحلب وفي هذه الحقبة أنشئت المدرسة الخسروفية وقد بناها خسروف باشا والي حلب عام 1537 والمدرسة العثمانية وقد أنشأها عثمان باشا والتكية المولوية والزاوية الهلالية وغيرها كثير.
- وقد كان لحلب فضل احتضان أول مطبعة عربية في الشرق وليست هي مطبعة نابليون التي جلبها إلى مصر فقد أنشأ البطريرك (اثناسيوس الرابع) أول مطبعة عرفت حروفها (بالحرف الحلبي) ثم أنشأ بعدها المطبعة المارونية ثم المطبعة الحكومية عام 1880 م وقد كان لهذه المطابع أثر واضح وكبير في تطور ونمو فن الصحافة في حلب حيث قام (رزق الله حسون) بإصدار أول صحيفة عربية على الإطلاق في حلب ويكفي أن نعلم أن سبعاً وعشرين صحيفة كانت تصدر في حلب في عهد الانتداب الفرنسي غير المجلات والدوريات الأخرى مما دفع بحركة التأليف والترجمة إلى النمو والازدهار وإلى بروز أعلام ورواد كثيرين في مختلف ميادين العلم والأدب أسهموا وإلى حد كبير في بلورة وإغناء حلب وإثراء تاريخها الطويل وإضافة صفحات مشرقة إلى سفرها الكبير أمثال: رزق الله حسون، عبد الرحمن الكواكبي، وفرنسيس مراش، والعلامة الشيخ كامل الغزي صاحب كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) والشيخ راغب الطباخ صاحب (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) والشاعر عمر أبو ريشة، والأدباء قسطاكي حمصي وسامي الكيالي وخليل هنداوي، وغيرهم كثير في مجالات العلم والفن والأدب الذين سيعيدون إلى عاصمة الحمدانيين وجهها الحضاري والإنساني العريق.
حلب مدينة الجوهر والورد والعنبر مدينة الجمال الاخاذ حلب مدينة الاسلام تستحق ان تكون عاصمة للثقافة الاسلامية