لفلي سمايل

عمير بن وهب رضي الله عنه

تاريخ الإضافة : 4-9-1431 هـ

عمير بن وهب رضي الله عنه

 

* عاد عُمير بن وهبٍ بن وهب الجُمَحِيُّ من بدْرٍ ناجياً بنفسِهِ ، لكنّه خلّف وراءه ابنه وهباً أسيراً في أيدي المُسلِمين.

وقد كان عُميرٌ يخشى أن يأخُذ المسلمون الفتَى بجَريرةِ أبيه ( بذنب أبيه ) ، وأن يسوموه سوء العذاب جزاء ماكان يُنْزلُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلّم من الأذى ، ولِقاء ما كان يُلحِقُ بأصحابِه من النَّكالِ.

- وفي ذاتِ ضُحى توجَّه عُميرٌ إلى المسجد للطواف بالكعبةِ والتبرُّكِ بأصنامها ، فوجَدَ صَفوانَ بن أُميّة جالساً إلى جانب الحَجرِ ، فأقبلَ عليه وقال: عِم صباحاً ياسيِّد قُريشٍ.

فقال صفوانُ: عِم صباحاً يا أبا وهبٍ ،اِجلِس نتَحَدَّث ساعَةً فإنَّما يُقَطَّعُ الوقتُ بالحديث.

فجلَسَ عُمَيْرٌ بإزاءِ صفوانَ بن أُميَّة ، وطفِقَ الرجُلان يتَذكَّؤانِ بَدْراً ، ومُصابَها العَظِيم َ ، ويُعددان الأسرى الذين وقعوا في أيدي محمدٍ وأصحابِهِ ، ويتفجَّعان على عُظماءِ قُريشٍ ممن قتلتهُم سيُوف المُسلمين وغَيَّبَهُم القَليبُ في أعماقِه( القليب: بئر دفن فيه قتلى المشركين يوم بدر ).

فتنهَّد صفْوانُ بن أُميَّة وقال: ليس –والله- في العَيْشِ خيْرٌ بعْدَهُم.

فقال عُمير: صدقت والله. ثمّ سكتَ قليلاً ، وقال: وربُّ الكعبةِ لولا ديونٌ عليَّ ليسَ عندي ما أقْضيها به ، وعيالٌ أخشى عليهِم الضَّياعَ من بعدي ، لمضيتُ إلى محمد وقتلتُه ، وحسمتُ أمرَهُ ، وكَفَفْتُ شَرَّه ، ثُمّ أتبع يقولُ بصوتٍ خافتٍ:

وإن في وجودِ ابني وهبٍ لديهِم مايجعَلُ ذهابي إلى يثرِبَ أمرا لايُثيرُ الشُبُهاتِ.

 

* * *

- اغتَنمَ صفوانُ بن أُميَّة كلام عُمير بن وهَب ولم يشأْ أن يُفوِّت هذه الفُرصة ، فالتفت إليه وقال: ياعُمير ، اجعَل دَيْنَكَ كُلَّهُ عليَّ ، فأنا أقضيهِ عنك مهما بلَغَ ...

وأما عيالُك فسأضُمُّهُم إلى عيالي ما امتدَّت بي وبهم الحيَاة ...

وإن في مالي من الكثرة مايسَعُهم جميعا ويكفَلُ لهُم العيشَ الرغيد.

فقال عُمير: إذن ، اكتم حديثنا هذا ولاتُطلِع عليه أحداً.

فقال صفوان: لك ذلك.

 

* * *

- قام عُميرٌ ونيرانُ الجِقدِ تتأجَّجُ في فؤادِهِ على مُحمد صلى الله عليه وسلم ، وطفِقَ يُعد العُدَّة لإنفاذِ ماعزَم عليه ، فما كان يخشى ارتياب أحدٍ في سفرهِ ؛ ذلك لأن ذوي الأسرى من القُرشيين كانوا يترددون على يثرب سعياً وراء افتداءِ أسراهُم.

 

* * *

- أَمَرَ عُميرٌ بن وهب بسيفِه فشُحِذ وسُقيَ سُماً ...

ودعا براحِلتِه فأُعِدَّت وقُدِّمت لهُ ؛ فامتطى متنها ...

ويمَّم وجهَهُ شَطْر المدينة ، ومِلءُ بُرْدَيْهِ الضَغينَةُ والشّر.

بلغ عُمير المدينة ومضى نحو المسجد يُريدُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فلّما غدا قريباً من بابه أناخ راحِلَتَه ونَزَل عنها.

 

* * *

- كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه  جالسا مع بعض الصّحابة قريبا من باب المسجِد ، يتذاكرون بدرا وماخلّفتْهُ وراءها من أسرى قُريش وقتلاهُم ، ويستعيدون صور بطولات المُسلمين من مهاجرين وأنصار ، ويذكرون ما أكرمهم الله به من النَّصر ، وما أراهُم في عدوِّهم من النِّكاية والخذلان.

فحانت من ‘ُمَرَ التِفاتةٌ فرأى عُميرَ بن وهَب ينزِلُ عن راحِلَتِه ، ويمضي نحو المسجِد متَوشِّحاً سيفَهُ ، فهبَّ مذعوراً وقال: هذا الكلبُ عدو الله عُمير بن وهَبٍ ...

والله ماجَاءَ إلاّ لِشرٍّ ، لقد ألَّبَ المُشركين علينا في مكَّة ، وكان عيناً لهُم علينا قُبيلَ بدرٍ .. قال لِجُلسائِهِ: امضوا إلى رسولِ الله ، وكونوا حوله ، واحذروا أن يغدُر به هذا الخَبيثُ الماكِرُ.

ثم بادر عُمر إلى النبِّي عليه الصلاة والسلام وقال: يارسول الله ، هذا عدوُ الله عُمير بن وهب وأَخَذ بِتلابِيبِهِ ، وطوَّق عنُقَهُ بِحمَّالةِ سيفِهِ ، ومضى بِهِ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

فلما رآه رسول الله عليه الصّلاة والسلام على هذه الحال ، قال لعمر: ( أطْلِقْهُ يا عُمر )، فأطلقَهُ ، ثمّ قال له: ( استأْخِر عنْهُ )، فتأخّر عنهُ ، ثم توجّه إلى عُمير بن وهَب وقال: ( ادْنُ ياعُمير) ، فدنا وقال: أَنعِم صباحاً ( وهي تحيَّةُ العرب في الجاهلية ).

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ( لقد أكرمَنا الله بتحيَةٍ خيرٍ من تحيّتِك يا عُمير ... لقد أكرمنا الله بالسلام وهو تحيّةُ أهلِ الجنَّة ).

فقال عُمير: والله ما أنت ببعيدٍ عن تَحِيَّتِنا ، وإنّك بها لحديثُ عهْدٍ.

فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: ( وما الذي جاء بك يا عُمير ؟! ).

قال: جئتُ أرجو فكاكَ هذا الأسير الذي في أيديكم ، فأحسِنوا إليَّ فيه.

قال: ( فما بالُ السيفِ الذي في عُنقِك ؟! ).

قال: قبحها الله من سيوفٍ ...

وهَل أغْنَت عنَّا شيئاً يوم بدرٍ ؟!!

قال: ( اصدقني ، ما الذي جئْتَ له ياعُميرُ ؟ ).

قال: ما جِئتُ إلاّ لذاك.

قال: ( بل قعدت أنت وصفوان بن أُميّة عِند الحجر ، فتذاكرتُما أصحاب القليب من ضرعى قُريش ثم قلت:

لولا دينٌ عليَّ وعيالٌ عندي لخَرجتُ حتى أقتُل محمداً... فتحمُل لك صفوانُ بن أُميَّة دينَك وعِيالَك على أن تَقتُلني .... والله حائلٌ بينك وبين ذلك ).

فذُهِلَ عُميرٌ لحظَةً ، ثُمّ مالبِث َ أن قال: أشهَدُ أنَّك لرسولُ الله.

ثُمّ أردفَ يقول: لقد كُنَّا يارسولَ الله نُكَذِّبُكَ بما كُنت تأتينا به من خبرِ السماءِ ، وما ينزل عليك من الوحي ، لكنّ خبري معَ صفوانُ بن أُميَّة لم يَعلَم بِهِ أَحدٌ إلا أنا وهُو ... ووالله لقَد أيقَنت أنَه ما أتاك به إلا الله فالحمدُ لله الذي ساقني إليك سوقاً ، لِيَهديني إلى الإسلام ...

ثُم شهِد أن لا إله إلا الله ، وأنَّ محمداً رسولُ الله ، وأسلمَ.

فقال عليه الصلاة والسلام: ( فقهوا أخاكم في دينِه ، وعلِّموه القرآن وأطلِقوا أسيره ).

 

* * *

- فرح المُسلمون بإسلام عُمير بن وَهْب أشّد الفرح ، حتى إن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: لَخِنزيرٌ كانَ أحَبَّ إليَّ من عُمير بن وَهب حين قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وهُو اليوم أحَبُّ إليَّ من بعضِ أبنائي.

 

* * *

- وفيما كان عُميرٌ يُزَكِّي نفسه بتعاليم الإسلام ، ويُترِعُ فؤادَه بنور القرآن ، ويحيا أروع أيام حياته وأغناها ، ممَّا أنساه مكَّة ومن في مكَّة.

كان صفوان بن أُميَّة يَمنِّي نفسَه الأماني ، ويَمُرُّ بأندِية قريش فيقول: أبشِروا بنبأٍ عظيمٍ يأتيكُم قريباً فيُنسيكُم وقعَة بدْرٍ.

 

* * *

- ثم إنَّهُ لمّا طال الإنتظار على صفوانُ بن أُميّة ، أَخذ القَلقُ يَتسرَّبُ إلى نفسه شيئا فشيئا ، حتى غدا يتقلَّب على أحرِّ من الجمر ، وطفِق يُسائِلُ الرُكبان عن عُمير بن وهب ، فلا يجِدُ عند أحدٍ جواباً يشفيه ...

إلى أن جاءه راكبٌ فقال: إنَّ عُميراً قد أسلم ...

فنزل عليه الخبرُ نزول الصاعِقَة ...إذ كان يظُنُّ أن عُميرَ بن وهْبٍ لايُسلٍم ولو أسْلَم جميعُ من على ظَهْرِ الأرض.

 

* * *

- أما عُمير بن وهْب فإنّه ما كاد يَتَفَقَّهُ في دينِه ويحفظ ماتيسّر له من كلام ربِّه ، حتى جاء إلى النبيِّ عليه الصلاة والسلام وقال: يارسول الله ، لقَد غبَر عليَّ زمانٌ وأنا دائبٌ على اطفاء نور الله ، شديدُ الأذى لمن كان على دينِ الإسلام ، وأنا أُحِّبُّ أن تأْذن لي بأن أقدم إلى مكَّة لِأدعُوا قُريشاً إلى الله ورسولِه ، فإن قبِلوا مني فنِعمَ مافَعلوا ، وإن أعرضوا عنَّي آذيتُهم في دينِهِم كما كنتُ أؤذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام ، فوافى مكّة ، وأتى بيت صفوان بن أُميَّة وقال: يا صفوانُ ، إنَّك لَسيِّدٌ من ساداتِ مكَّة ، وعاقلٌ من عُقلاء قريشٍ ، أفترى أن هذا الذي أنتم عليه من عبادة الأحجار والذّبح لها يصِحُّ في العقلِ أن يكون ديناً ؟!

أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدا رسول الله.

 

* * *

- ثم طفِق عُميرٌ يدعو إلى الله في مكَّة ، حتى أسلم على يديه خلقٌ كثيرٌ. أجزل الله مثوبة عمير بن وهب ، ونوَّر له في قبره.

مواضيع ذات صلة

إضف تعليقك

فضلا اكتب ماتراه فى الصورة

تعليقات الزوار (1)

ملاحظة للأخوة الزوار : التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع لفلي سمايل أو منتسبيه، إنما تعبر عن رأي الزائر وبهذا نخلي أي مسؤولية عن الموقع..

محمد الفارسي

شكرا جزيلا وبارك الله فيكم