* حدث أبو دلامة الشاعر الظريف صاحب النوادر و الطرائف قال:
- أتى بي المنصور أو المهدى وأنا سكران فحلف ليخرجني في بعث حرب ( بعث : غزو، أي سيرسله للقتال )، فأخرجني مع روح بن حاتم المهلبي ( هو أمير من الأجواد الممدوحين، كان حاجب المنصور وكان قائداً شجاعاً، توفى سنة 174هـ ) لقتال الشراة ( يعني : الخوارج ) .
- فلما التقى الجمعان قلت لروح : أما والله لو أن تحتى فرسك ومعى سلاحك لأثرت في عدوك اليوم أثراً ترضيه.
فضحك وقال: والله العظيم لأدفـعـن ذلك إليك ولآخذنك بالوفاء بشرطك. ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إلي، ودعا بغيرهما فاستبدل به.
- فلما حصل ذلك في يدي وزالت عنى حلاوة الطمع، قلت له : أيها الأمير، هذا مقام العائذ بك، أتعفيني من هذه "الورطة" ، قال : هيا تقدم للمبارزة.
وبرز رجل من الخوارج يدعو للمبارزة، فقال : أخرج إليه يا أبا دلامة.
فقلت : أنشدك الله أيها الأمير في دمى.
قال : والله لتخرجن.
- فقال أبا دلامة : أيها الأمير فإنه أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، وأنا والله جائع ما شبعت منى جارحة من الجوع، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج للمبارزة. فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصف.
- فلما رآني الشاري ( الشاري : رجل من الخوارج ) أقبل نحوي وعليه فرو وقد أصابه المطر فابتل، وأصابته الشمس فتقبض وعيناه تقدحان شرراً، فأسرع إلي .. فقلت له : على مهلك يا هذا كما أنت، فوقف.
فقلت : أتقتل من لا يقاتلك ؟
قال: لا والله.
قلت : أتقتل رجلاً على دينك ؟
قال : لا والله.
قلت : أفتستحل ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك ؟
قال : لا فاذهب عنى إلى لعنة الله.
قلت : لا أفعل أو تسمع منى.
قال : قل.
قلت : هل كانت بيننا قط عداوة أو ثأر ؟ أو هل تعرفني لتخاف عليّ ، أو تعلم أن بين أهلي وأهلك دم أو ثأر؟
فتقدمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابنا وتلاصقت وجمعنا أرجلنا على معارفها والناس قد غلبوا ضحكاً.. فلما استوفينا ودعني. ثم قلت له : إن أميرنا الجاهل إن قمت و طلب المبارزة أرسلني إليك فتتعبني وتتعب. فإن رأيت ألا تبرز اليوم فافعل.
قال : قد فعلت.
ثم انصرف وانصرفت.
فقلت لروح : أما أنا فقد كفيتك قرني ( القرن : النظر في الشجاعة ) فقل لغيري أن يكفيك قرنه كما كفيتك.
فضحك روح حتى استلقى من الضحك .