تاريخ الإضافة : 30/12/1426 هـ الزيارات : 27882 التعليقات : 7
في نهاية العام من يحاسب نفسه ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
* الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد:
فإن صحة الأبدان ، وأمن الأوطان ، ورغد العيش هي مقومات الحياة ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ). أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن. بفقدان واحدة من هذه الثلاث يكون عيش الإنسان منغصاً ولربما تمنى الموت.
- هذه النعم الثلاث عندما يجدها الإنسان فإنه لا يحس بمرور الأيام ، وانقضاء الأعوام ؛ فالأيام تمر عليه سريعاً.
- كان هذا العام بالأمس مبتدئاً ، وها هو الآن ينتهي ، وكأننا لم نعش أيامه وشهوره ؛ لكن المرضى والخائفين والجائعين والأسرى والمسجونين ، قد طالت عليهم أيامه وأبطأت شهوره ، من شدة ما يجدون ويحسون !!.
* ضرورة المحاسبة:
- في آخر أيام هذا العام لا بد من المحاسبة والمراجعة ؛ فالمؤمن يعلم أن حياته ليست عبثاً ، ويدرك أنه لم يخلق هملاً ، وهو على يقين أنه لن يترك سدى.
- وقد يعمل الإنسان في حياته أعمالاً ثم ينساها ؛ لكنه يوم القيامة سيوفاها كما قال تعالى: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد } المجادلة:6. وقال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ } آل عمران:30. وقال تعالى :{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } الأنبياء:47.
- إن النعم التي يتقلب الناس فيها ، والصوارف التي تحيط بهم تجعلهم ينسون الحساب ، ويغفلون عن ذكر يوم المعاد ، قال تعالى: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } الأنبياء:1،2.
* كيفية المحاسبة:
- لا بد أن ينظر الإنسان في عمله ، ويتأمل حاله كيف قضى عامه ؟ وفيم صرف أوقاته ؟
- في عامه الراحل كيف كانت علاقته بربه ؟
- هل حافظ على فرائضه ، واجتنب زواجره ؟
- هل اتقى الله في بيته ؟
- هل راقب الله في عمله وكسبه وفي كل شؤونه وأحيانه ؟
- فإنه إن فعل ذلك صار يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه. ومن حاسب نفسه في العاجلة أمن في الآخرة ، ومن ضحك في الدنيا كثيراً ولم يبك إلا قليلاً يخشى عليه أن يبكي في القيامة كثيراً , كما قال تعالى :{ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً } التوبة:82.
- قال ابن عباس رضي الله عنه : ( الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤا فإذا انقطعت وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا في بكاء لا ينقطع عنهم أبداً ) أخرجه ابن جرير وابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
- وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً ، وسخرت لك الأنعام والحرث ، وتركتك ترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقيَّ يومك هذا ؟ فيقول: لا ، قيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني ) أخرجه الترمذي بسند صحيح. وقال: معنى قوله: ( اليوم أنساك كما نسيتني ) : اليوم أتركك في العذاب.
* علاج القلوب قبل علاج الأبدان:
- إذا كان مرضى الأبدان يشخصون الداء ، ولا يزالون في متابعة مستمرة للمرض حتى يقضي عليه ؛ فبطريق الأولى والأحرى يفعل ذلك مرضى الذنوب والآثام.
- إن استصلاح القلوب أهم وآكد من استصلاح الأبدان. وإذا كانت الحياة تنقلب عذاباً عند فساد الأبدان ؛ فعذاب الآخرة أشد وأنكى لمن فسدت قلوبهم.
- إن مجالات الذنوب والمعاصي في هذا الزمن واسعة ، والداعي لها كثير ، وسبل الطاعة ضيقة ، والداعي لها قليل. فالفتن تلاحق الناس في أسواقهم وأعمالهم ، وتملأ عليهم بيوتهم ، وتفسد أولادهم ونساءهم ، ولا يزال أهل الباطل يجرون عباد الله إلى باطلهم وسيستمرون ، فماذا علمنا لدرء الشر عن أنفسنا وبيوتنا ؟!.
- إن عامنا يمضي وذنوبنا تزداد ، وإن آخرتنا تقترب ونحن عنها غافلون - إلا من رحم الله وقليل ما هم! - نمنّ على الله بالقليل من الطاعات ، ونواجهه بالكبائر والموبقات !! فهل ندرك أننا لا نزال غافلين ؟!
- جاء قوم إلى إبراهيم أدهم رحمه الله في سنة أمسكت فيها السماء وأجدبت فيها الأرض فقالوا له: استبطأنا المطر فادع الله لنا. فقال: تستبطئون المطر ، وأنا استبطئ الحجارة.
* آثار الذنوب على الأمة:
- بسبب الذنوب والمعاصي ، وإصرار كثير من العباد عليها: أصبحت أمة الإسلام مائدةً ممدودة لكل طاعم ، وصندوقاً مفتوحاً لكل آخذ ، وقصة يحكيها كل شامت ، نسوا الله فنسيهم ، وتركوا أمره فسلط عليهم أعداءهم.
- أورثتهم الذنوب ذلاً ومهانة ، سكنت معها القلوب بل ماتت. ألفت العيون دموع اليتامى ، واعتادت الآذن على أنات الأيامى.
- ولقد أصبح قتل المسلم الأعزل في كثير من الأقطار أمراً سهلاً ؛ بل ممتعاً يدعو للفرحة والنزهة من قبل الكافرين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
- والمصيبة أنه يصاحب هذا التسلط من الأعداء تفرق المسلمين ؛ وتشتت أمرهم ، واختلاف كلمتهم ؛ فبعضهم يكره بعضاً ، ويتباغضون أشد من بغضهم لأعدائهم في كثير من الأقطار والبقاع. فلماذا كل هذا ؟!
- إن النظرة المتأنية لأسباب هذا الذل والهوان ، وذلك الاختلاف والافتراق توجد قناعةً مفاداها أن الذنوب والمعاصي من أهم أسباب ذلك ؛ بل هي السبب الرئيسي له.
* ماذا قدمنا لأمتنا ؟!:
- إن جميع المسلمين في الأرض لم يرضوا عن واقعهم المهين ؛ لكن هل تحركوا لتغييره ؟!
- كل فرد من الأفراد يتأسف ويأسى لواقع أمته ، ولو تأملت حاله لوجدته سبباً من أسباب هذا الواقع !!
- إن صلاح الأفراد فيه صلاح الأمم ، وإن فسادهم فيه فسادها ..
- إذا أصلح كل فرد نفسه ومن هم تحت يده ، ونشر الإصلاح بين الناس على قدر جهده ووسعه صلحت الأمة بإذن الله تعالى.
- أما أن يكون كل فرد فاسداً في نفسه مفسداً لمن هم تحت يده - إلا من رحم الله - ويريد أن تصلح الأمة ، وأن تعتز وتنتصر على أعدائها ؛ فذلك من أبعد المحال ، والله لا يصلح عمل المفسدين.
- إن مشكلتنا تتخلص في أننا لا نحس بأننا سبب من أسباب انحدار أمتنا وتخلفها ، ونتغافل عن كوننا جزءاً من أجزاء الأمة التي نريد صلاحها ، وكل واحد منا يرمي باللائمة على الغير.
- ومن المضحك جداً أن نلوم عدوّنا ، ونجعله سبب مشاكلنا ؛ لكي نتنصل من مسؤولياتنا ، ونرتاح من تبعات التحليل والتدقيق ، والمحاسبة والتقويم ، فهل ندرك ذلك في نهاية عام نودعه وبداية عام نستقبله ؟! ونفقه أن الأمة لن تصلح وتنتصر حتى يصلح كل فرد من أفرادها نفسه ، وينتصر على أهوائه وشهواته ؟! نرجو أن ندرك ذلك ونعقله.
وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
إبراهيم بن محمد الحقيل |